السبت 28 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

القهوة وفناجينها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من المعروف أن الأديب الراحل نجيب محفوظ كان يشرب العديد من فناجين القهوة كل يوم - مثلما يفعل أدباء وكتّاب ومفكرون وسياسيون - لكنه لم يكن يشرب من كل فنجان سوى رشفة أو أكثر، أى أنه يشرب سطح القهوة أو (وش) القهوة كما يقول المصريون. فالبن البرازيلى والبن التركى تطفو فوق سطحيهما قبل غليانهما طبقة يشبه شكلها القشدة.. وهى أحلى ما فى فنجان القهوة التى اكتشفها منذ القدم راعى غنم - قيل إنه إثيوبى وقيل إنه عربى - حين فوجئ بالحالة غير العادية من النشاط والحيوية التى اعترت غنمه لمّا أكلت من شجرة القهوة الدائمة الخضرة، فتناول بذورها من باب التجربة فاكتشف أن تأثيرها فى بدنه مثل تأثيرها فى غنمه. والقهوة يتأثر لونها بدرجة تحميصها وبكل ما يضاف إليها، فهى كما يقول السوريون إما شقراء أو سمراء.. كأنهم يصفون فتاة.. ولقد سُطرت فى القهوة العربية العديد من الأبيات الشعرية بعدما فُتِن بروعتها الشعراء.
وفى تركيا حين يتقدم شاب لخطبة فتاة تحمل العروس هَمّ أن تصنع فنجانًا منها تقدمه إلى حماتها، فإن أعجبها فإن ذلك يعنى نجاحها فى أول اختبار من طرف أسرة الشاب.
كان البدو فى بلادنا يسمون فناجين القهوة بمسميات مختلفة كل منها يتناسب وطريقة تقديمها.. فالفنجان الأول يحتسيه المضيف لا الضيف واسمه (الهيف)، وذلك لإثبات أن القهوة شديدة الصلاحية ولن تصيب الضيف بالأذية وأنها ليست صائدة، أى لم تسقط فيها أى مواد أو شوائب أخرى.. والفنجان الثانى اسمه (الضيف)، ويقدمه المضيف للضيف، وقد كان عدم شربه فى عرف البادية كناية عن العداوة، ولهذا كان الضيف مجبرًا على ارتشافه، إلا إن كان للضيف طلب عند المضيف الذى يصبح حينئذ فرضًا عليه أن يلبى طلب الضيف وإلا سقط فى أعين الناس ولحق به العار.. والفنجان الثالث اسمه (الكيف)، وهو ثانى فنجان يقدم إلى الضيف، وقلما يحتسيه الضيف لأن احتساءه يعنى أن الضيف قد أصبح حليفًا للمضيف ومجبرًا على الدفاع عنه بحد السيف، حتى وإن اضطر لأن يضع يده فى يد أعدائه إن كان ذلك فى صالح حليفه، ويجب أن يحتسيه الضيف إن كان من أهل أو عشيرة المضيف. وكان هناك فنجان آخر اسمه (الفارس)، يرفعه على رؤوس الأشهاد من الشباب شيخ أو امرأة فى إحدى القبائل التى تريد أن تأخذ بالثار أو تريق فى قبيلة أخرى دمًا، وتقول: هذا فنجان فلان بن فلان من يشربه - أى من يأخذ حقنا وثأرنا منه - فإن شربه أحد فعليه أن يخرج من قبيلته ولا يعود إلا ومعه بيّنة على أنه قد انتقم، وإلا لحق به العار وسقط فى أعين الناس. حين تلبى دعوة على فنجان قهوة اسأل عن اسم الفنجان قبل الارتشاف!