أجدادنا اللى خبزوها وعجنوها وحطوها فى صهد الفرن لما استوت.. عرفوا من زمان جدا إنه لا يضير الشاه من سلخها بعد ذبحها.. ولأن المصرى عربى قرارى.. ومتجاوز فى حكمته لكل تعبيرات اللغة القصيرة.. قالك فى مثل شعبى نادر «شنق ولا خنق.. أهه كله فى الرقبة».. والتفسير البسيط لما أراد جدنا أو جدتنا بالأحرى - أن نؤمن به ونعتقد فيه أنه فى اللحظات الفارقة «ليس مهما الشكل.. مش مهم لون حبل المشنقة.. ولا مكانه.. المهم أنه فى الرقبة.. المهم الجوهر..
وما يحدث الآن فى الشارع.. يؤكد بشكل قاطع أن هناك من لا يريد لنا أن نعيش.. مش فى سلام بس.. لأ.. مش عايزينا نعيش أصلا.. حصار غريب من الخارج.. تبدو صورته واضحة وقاطعة وحاسمة فى الآثار السلبية لمفاوضات «صندوق النكد الدولى».. وأنا هنا بتكلم عن آثار المفاوضات.. مش القرض.. يعنى كده ومن غير تفاصيل اقتصادية لا بتودى ولا بتجيب.. إذا كان مجرد المفاوضات ذهبت بنا إلى حريق فى أسعار «العملة» وحريق أكبر فى أسعار السلع الاستراتيجية وحريق أكبر وأعمق فى علاقات الناس الاجتماعية بعضها البعض.. يبقى يغور الصندوق باللى فيه.
ومن غير تريقة ولا ادعاءات مثقفين.. هو هيحصل إيه لو إحنا ما خدناش «أم القرض» ده.. ماذا يحدث يا سادة.. لو لم تصل هذه المليارات المؤقتة.. لقد ذهبت إيرادات السياحة ـ ١٣ مليار دولار سنوياـ طيلة ست سنوات مضت.. واختنقنا نعم.. لكنه لم يحدث أن ارتبكنا بهذا الشكل الذى يحدث منذ بدء التفاوض مع الزفت اللى اسمه الصندوق.. إيه اللى هيحمل لو طلعنا براه وفكرنا بشكل مختلف.. الجوع كافر نعم.. والجعان مجنون نعمين.. لكن هذا يحدث بالفعل - قبل أن تأتينا فوائد القرض وديونه وتبعاته.. فماذا سيحدث أكثر لو أننا لم نفعل.. أو خلينا نسأل السؤال بشكل مختلف يعنى لو الصندوق نفسه- وده ممكن يحصل- ما عجبوش الإجراءات التى تقوم بها حكومتنا الرشيدة.. وقام رافض يدينا الفلوس.. إيه اللى هيحصل.. هو ده مش احتمال كان ولا يزال واردا.. طب فى الحالة دى كانت البدايل اللى قدامنا إيه.. هل ناقشنا ذلك فى غرف مغلقة.. أو مفتوحة.. أى عاقل يقول إننا طبيعى لازم يكون عندنا بدايل..
لقد حدث فى زمن ما.. أن رفض البنك الدولى تمويل بناء السد العالى.. «عمايلهم السودة معانا من زمان» وحدث أن تحدى عبدالناصر الجميع وأعلن أننا سنبنى السد ولو بالمقاطف.. واتبنى السد.. وغار البنك وقرضه فى ستين داهية.. وبقى السد.. والأهم بقيت إرادة المصريين.. وهى لو تعلمون أكبر من كل صناديق العالم.
وأعرف أن صورة العدو الواضحة.. كانت سببا فى خروج هذه الإرادة من مكامنها.. وأعرف أن التشويش الذى جرى منذ وقع السادات كامب ديفيد أصابنا جميعا بتوهة ودوران لسه ما فقناش منه.. فلم يعد العدو عدوا.. ولا الصديق صديقا.. ووجدنا من يبرر لنا الشىء وعكسه.. وقطعا دول مش آخرهم جيهان السادات اللى عملت زى صبحى صالح وكانت بتجهز الغدا يوم ٦ أكتوبر مع أنه كان رمضان.. هؤلاء الذين مازالوا يدعوننا الى التطبيع الكامل مع العدو الوحيد الذى نعرفه.. شوفوا طيب مواقع التواصل عملت إيه طول فترة الاحتفال بـ٦ أكتوبر لا يزال العدو فى العقل الجمعى واضحا رغم كل محاولات الطمس.. والتغييب المقصودة.. ومن خلف إسرائيل هناك من يلعب.. دول.. وتحالفات.. و«صناديق».
أليس غريبا أن يصل كيلو السكر لعشرة جنيهات.. ويختفى من الأسواق فجأة دون مبرر، ثم تخرج علينا سفارتا أمريكا وكندا لتحذرا من «خطر محتمل» صباح الأحد.. النهارده يعنى.. بدون أن يكون هناك أى مؤشر ظاهر.. من الذى يلعب فى الأسواق.. بهذا الشكل الفاجر.. ومن الذى يلعب فى الشارع بهذا «التصريح اللغز».. إن شيئا ما لا أفهمه - يصدر من عدو سواء كان فى الداخل أو الخارج، يجعلنى أطلب ممن بيدهم الأمر مكاشفة الشعب وبشكل قاطع.. ارحمونا وقولوا للناس إحنا بنتحارب من مين.. ومنين ساعتها سنخرج جميعا إلى الشوارع لنتحدى ذلك «الخطر المحتمل الذى يحذرون رعاياهم منه.. وسنتحدى تجار الحروب الذين يبحثون عن غنيمة من وراء تعطيش الأسواق.. قولوا لنا من هم السماسرة الذين يتحكمون فى احتكار أسواق السلع الاستراتيجية.. افضحوهم.. حاكموهم.. والناس ستتحمل هنشرب الشاى مر.. هنشرب المر نفسه وإحنا راضيين وفخورين.. أول الطريق للانتصار فى هذه الحرب أن نعرف من سنحارب.. وإلا فإن كل الأمور ستتساوى ونصل لمنطقة العدم واللامبالاة التى دفعت أربعة من أبناء محافظتى سوهاج للانتحار فى أسبوع واحد.. ودفعت فتاة فى العشرين من عمرها فى شارعى تسكن أمامى مباشرة لإلقاء نفسها من الخامس.. كثيرون سينتحرون بالانكفاء داخل ذواتهم.. صارحونا فتح الله عليكم وبلاش تخلوا الناس تقول «شنق ولا خنق».. أهو كله فى الرقبة.