الطرح المحورى الدعائى لتنظيمات الإسلام الحركى كافة، أن مجتمعاتنا غير محكومة بالإسلام، وأن أحكام الشريعة غابت عن دنيا المسلمين من بعد سقوط الخلافة العثمانية، رمز الوحدة الإسلامية، وإلغاء منصب الخلافة، المنوط بها كثير من أحكام دين الله تعالى، وحلول الشرائع والنظم والقوانين الوضعية المستوردة من الغرب مكانها، وذلك عام ١٩٢٤، فأصبحت مجتمعاتنا لا تحتكم إلى الشريعة، وارتدّت إلى مجتمعات جاهلية ما قبل الإسلام، تتحاكم إلى الطاغوت، وتسوِّغ انتشار المنكرات والمعاصى، وتعطل إقامة الحدود الشرعية، وتوالى الكفار، لتقوم مملكة البشر على أنقاض مملكة الله فى الأرض، وينقطع وجود الأمة المسلمة، طبقًا لمُنظر أيديولوجية (الحاكمية) الشهير: سيد قطب فى كتابيه: (معالم فى الطريق) و(فى ظلال القرآن)، والذى دعا أتباعه من الشباب الطليعى - فى بيان نارى، أشبه بالمنشورات النازية- إلى المفاصلة وقطع علاقاتهم كافة بالمجتمع الجاهلى، تمهيدًا لـ(إزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعًا وإقامة مملكة الله تعالى فى الأرض).. دعونا نناقش هنا مسألتين: الأولى: من صاحب نظرية (الحاكمية)؟ يتفق الباحثون على أن الداعية الباكستانى أبوالأعلى المودودى، هو الذى صاغ نظرية أو أيديولوجية (الحاكمية) حلًا للوضع السياسى والاجتماعى للأقلية المسلمة فى الهند، ورفضًا للدولة القومية الديمقراطية العلمانية التى تبناها (حزب المؤتمر الهندي)، أى أنها أيديولوجية محكومة بسياق سياسى اجتماعى زمانى معين، أقلية مسلمة وسط أغلبية غير مسلمة تخشى ذوبانها، لكن «قطب» استعارها وطرحها على مجتمع مسلم، ونظّر إليها دينيًا، وجعلها عقيدة محورية لتنظيم انقلابى، عنيف ومدمر، لا للمجتمعات الإسلامية - التى ينفى عنها الصفة الإسلامية، وإن ادعت بالإسلام وزعم أفرادها أنهم مسلمون بشهادات ميلادهم - فحسب، بل للمجتمعات البشرية كافة التى لا تحكم بالإسلام لإعادة مملكة الله تعالى (المغتصبة) وتحرير الإنسان من العبودية لغير الله تعالى!
فى تصورى أن المودودى مسبوق فى نظريته، بالخوارج الذين كفّروا المجتمع الراشدى، واستحلوا دماء الصحابة رضوان الله عليهم، وسلوا سيوفهم عليهم، رافعين شعار (لا حكم إلا لله)، تلك هى الجذور البعيدة لأيديولوجية (الحاكمية)، التى تبنتها تنظيمات الإسلام الحركى، فيما بعد وحكمت على مجتمعاتنا بأنها لا تطبق الشريعة.
المسألة الأخرى: كيف نفكك نظرية (الحاكمية)؟ أول من أبطل هذه النظرية، هو الإمام علىّ كرم الله وجهه، حينما رد على الخوارج، وقال بأن شعارهم كلمة حق يُراد به باطل، أما الحق فإن أصل الشعار الآية الكريمة (إنْ الحكم إلا لله) وأما الباطل الذى قصده الإمام، فهو إساءة توظيف الآية الكريمة، وجعلها شعارًا سياسيًا بهدف السلطة والحكم، فحاكمية الله تعالى مطلقة للبشر والحياة والكون وما فيه، ولكن هذه الحاكمية لا تلغى حاكمية البشر فى تنظيم وتدبير أمورهم وأمور مجتمعاتهم فى ظل الثوابت الدينية والأخلاقية والإنسانية، مثلما أن إرادة الله تعالى الشاملة لا تناقض إرادات البشر الجزئية، وهل ينفذ المولى تعالى حكمه وإرادته إلا من خلال البشر؟!
أما الزعم بأننا مجتمعات غير إسلامية، فيكذبه الواقع المعاش للمجتمعات الإسلامية كافة، وشرع الله تعالى لم يغب عن دنيا المسلمين قط، منذ نزوله إلى اليوم، يحيا المسلمون بالإسلام: دينًا ومعتقدًا وتشريعًا ومعاملة وشعائر وعبادات وثقافة وفطرة وأسلوب حياة، والإسلام دين حاضر باستمرار فى المكون الثقافى والنفسى والاجتماعى للشعوب العربية والإسلامية عامة، بل هو فطرة تتمسك بها شعوبنا، وكتاب الله تعالى يتلى ليلًا ونهارًا فى بيوتنا ومؤسساتنا ومرافقنا وفى مناشطنا كافة، وبيت الله تعالى لا ينقطع أبدًا من الطائفين الراكعين، والمساجد عامرة بروادها المصلين، كل ذلك من قبل ظهور الإسلام الحركى ومن بعده. ختاماً: هذا الإسلام الذى توارثناه عبر الآباء والأجداد، هو الإسلام كما أنزله المولى تعالى على رسوله عليه الصلاة والسلام، وأما الإسلام الذى تسعى لفرضه تنظيمات الإسلام الحركى، فهو دخيل مبتدع، لم تعرفه المجتمعات الإسلامية من قبل، يُراد به تحويل الدين إلى أيديولوجية سياسية وأداة ووسيلة إلى السلطة، هو إسلام صدامى، مفسد للدين، ومفرق للمسلمين.
نقلًا عن «الاتحاد» الإماراتى