المصريون الذين بلغوا من العمر ٥٥ عاما فما فوق هم الذين يعرفون أكثر من غيرهم بحكم معاصرتهم لنصر أكتوبر العظيم عام ١٩٧٣ معنى هذا النصر وأثرة على نفوس المصريين بل والشعوب العربية كلها من الخليج إلى المحيط رغم أن أعمارهم وقتها لم تتجاوز ١٢ عاما، وهم يقدرون ما حققه الجيش المصرى العظيم بعد أن محا عار الهزيمة في يونيو ١٩٦٧ ورفع رايات النصر في ١٩٧٣ وحطم خط بارليف وأسقط أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
فشريط الذكريات لدى هذا الجيل من المصريين وهم على مشارف الستينيات من عمرهم ملىء بالصور المفرحة والسعيدة وصور الفخر والاعتزاز بجيش مصر بل بشعب مصر كله الذي كان ظهيرًا قويا ومساندا لهذا الجيش وكانت صلابة وتماسك الجبهة الداخلية هي كلمة السر في معركة النصر.
وهذا الجيل يعلم ويقدر دور الإعلام المصرى في تحقيق هذا النصر وكيف كان الإعلام المصرى درعًا وسيفا معا في وقت واحد لحشد وتعبئة الجبهة الداخلية وبث روح النصر في النفوس والتصدى لشائعات بث روح اليأس وكان إعلامًا على مستوى الحدث العظيم الذي جعل مصر كلها ومن خلفها الشعوب العربية على قلب رجل واحد.
فإعلام أكتوبر لمن لا يعلم ولمن لم يقرأ سيرة ومسيرة، هذا الإعلام كان يرفع شعار «لا صوت يعلو على صوت المعركة» وكان شعارًا نابعا من الرغبة الشعبية الجارفة ولم يكن مفروضا على المواطنين وكان إعلاما يحشد المصريين خلف الجيش ويوحد ولا يفرق ويجمع ولا يشتت ولو كان لدينا وقتها برامج توك شو على غرار العاشرة فسادًا ومجموعة اتحاد ملاك ٢٥ يناير ما قامت الحرب وما انتصر الجيش وما عادت سيناء إلى أرض مصر الحبيبة.
فإعلام أكتوبر كان يقدر المسئولية الوطنية الملقاة على عاتقه، وكان يتحسس خطواته وكلماته بعكس بعض إعلام اليوم ممن ينشرون اليأس في نفوس المصريين ويوجهون سهام الاتهامات يوميا عبر شاشات الفضائيات ويسعون إلى تعرية مصر أمام الخارج بنشر المشاكل والأزمات حتى لو كانت فردية لا تعبر عن المجتمع المصرى.
فإعلام أكتوبر كان إعلاما للدولة المصرية الوطنية وكان يدافع عن مصر وشرفها وعزتها، وليس إعلاما يسعى لهدم الدولة المصرية تحت ستار طرح المشاكل بكل شفافية ووضوح وكم من الجرائم الإعلامية ترتكب في حق هذا الوطن وهذا الشعب باسم الشفافية والوضوح وكم من الجرائم الإعلامية ترتكب باسم البحث عن الحقيقة.
فإعلام اليوم -بعضه وليس كله- حتى أكون من المنصفين يرفع شعار «بكرة النكد بكرة» ويسعى بكل قوة لتسليط الأضواء على المشاكل وليس الإنجازات ووصل الأمر بهذا الإعلام لعمل نموذج محاكاة عن كيفية غرق مركب رشيد بسبب الهجرة غير الشرعية، ويجعل هؤلاء المهاجرين أبطالا قوميين يحتفل بهم أكثر من احتفاله بأبطال أكتوبر.
فإعلام «بكرة النكد بكرة» ليس له هم سوى الحديث عن ارتفاع الأسعار وهذا من حقه، ولكن أليس من حق المواطن أن تحدثه عما يتم من إنجازات، أليس إنجاز القضاء على قائمة الانتظار لمرضى فيروس سى إنجازًا ومن حققه فهو في عداد الأبطال أم أن الإعلام يغمض العين عن الإنجازات ويسلط الضوء على الإخفاقات.
فإعلام «بكرة النكد بكرة» ليس له هم أو دور سوى نشر اليأس وأن اليوم أسوأ من الغد متجاهلا الأيدى المصرية التي تعمل على أرض العاصمة الإدارية الجديدة وما تحقق فيها، والأيدى العاملة في مشروع شرق القناة والأيدى المصرية العاملة في مشروعات الإسكان الاجتماعى بعد تشييد حى الأسمرات وغيط العنب ووادى النطرون وغيرها على أرض مصر المحروسة. فإعلام «بكرة النكد بكرة» لو كان موجودًا في عام ١٩٧٣ لنشر اليأس وأجرى استطلاع رأى بين المواطنين «هل تفضلون الحرب أم لا؟» بل ربما وجه انتقادات بسبب إطالة مدة الخدمة العسكرية لشباب مصر والتي وصلت إلى ٧ سنوات من أجل تحقيق نصر أكتوبر وهاجم من اتخذ هذا القرار وحرض المجندين على الهروب من الخدمة العسكرية تحت ستار الحرية وحقوق الإنسان، لأنه إعلام يسعى لليأس والهزيمة وليس الأمل والنصر، وطوبى لأرواح الشهداء وبئس هذا الإعلام.