نظم منتدى «الدين والحريات» لقاء مفتوحًا باللغة العربية مع صاحب «الإسلام والجمهورية والعالم» والذي كان رئيسًا لتحرير «الليموند ديبلوماتيك» حتى عام ٢٠٠٥ الكاتب الفرنسى المولود في مصر «آلان جريش» تحت عنوان «الإسلام وكارهوه في أوروبا» لييدأ الجدل من عنوان اللقاء والذي صدَّر للحاضرين رأيا وتوجها بل حقيقة مسلم بها غير قابلة ربما للنقاش وتقديم الأطروحات والآراء.. مفادها أن للإسلام كارهين في أوروبا وهكذا بدأ اللقاء بما تم اعتباره سلفًا واقعًا حاول «جريش» إثباته طيلة اللقاء، وذلك ربما ما دفعنى للنقاش والتحاور معه مرتين متتاليتين لا لضحد فكرته المسبقة التي تعامل معها بوصفها من المسلمات كما سبق وأوضحت، بل لمجرد طرح الأسئلة حول تلك المسلمة والتباحث حولها.. فمثل تلك اللقاءات المفتوحة من المفترض أن يكون دورها طرح الأسئلة لا تقديم رأى معلب وإلا فلمَ ينظم اللقاء؟!
وفى سياق حديث «جريش» عن كراهية الغرب للإسلام تطرق إلى قضية الحجاب ومنعه في فرنسا في المدارس منذ عام ٢٠٠٤، وأن المجتمع الغربى يريد إجبار المسلم على تناول لحم الخنزير وأنه يمنع البوركينى.
وهنا سألت «جريش» ألم يكن القرار الفرنسى لعام ٢٠٠٤ يخص منع الرموز الدينية قاطبة في المدارس ولم يكن ضد الحجاب تحديدًا وأن ذلك الطرح الذي يطرحه في اللقاء الآن هو ذاته الذي طرحه القرضاوى آنذاك ليبدأ منذ ذلك التاريخ نسج مظلومية للتيار المتأسلم، ربما يكون قد اتكأ عليها في حربه المعلنة ضد الغرب الكافر وتحديدًا الحرب على فرنسا.. وأننى لم أسمع عن مسلم أو يهودى أجبر على تناول لحم الخنزير، فرد مصدقًا على ما قلته بأن القرار لم يخص المسلمين أو الحجاب فقط لكن الفرنسى في الشارع لا يمتعض من لباس الراهبة لكنه يمتعض من الحجاب!
علمًا بأننى لم أسمع من قبل عن راهبة قامت بتفجير نفسها في حين تفعل ذلك بعض المتأسلمات ممن ينتمين لتيار الإسلام السياسي وبعض المتأسلمين أيضًا نصرةً للإسلام بل ويذبح بعضهم الرهبان والقساوسة في كنائس فرنسا. أما عن البوركينى فكان ردى على كلامه بأن اليسار الفرنسى انحاز لمرتدية البوركينى ضد قرارات الشرطة الفرنسية من منظور حقوقى، في حين أن أصحاب نظرية حقوق الإنسان لا يدافعون عن حق المرأة الشرقية في ارتداء «البيكينى» إن أرادت لكنه يدافع عن حقها في ارتداء «البوركينى».
وعن قضية لحم الخنزير تحدث جريش بأن المجتمع لا يجبر المسلم على ذلك، ولكنه الضغط الاجتماعى من المجتمع قد يجبره على ذلك وعلى شرب الخمر في المناسبات، وكان تعقيبى أن نفس الضغط الاجتماعى يمارس على نساء الشرق غير المحجبات فتتعرض ما يصفونها بالسافرة المتبرجة لأقذر أنواع العقاب الاجتماعى بدءًا بالسب والقذف والاتهام بالفسق والفجور وقد يصل الأمر لإخراجها من ملتها لأنها لا ترتدى «اليونيفورم الإسلامى»!!.
وعن مصطلح الإرهاب تحفظ جريش ورفض الاصطلاح وقال إنه لا يفهمه فليس في قاموسه اللغوى، فكان ردى أن الإرهاب من فعل «أرهب» ينطبق على من يخيفنى ويرهبنى بالنار ليس فقط من يقتلنى.. فالإرهابى الذي لم يحمل السلاح -بعد- هذا لا يعنى أنه لن يحمله حتمًا ولا يعنى أيضًا حتمية حمله له، وأنا أحترم رأى «جريش» وأحترمه هو شخصيًا، لكن رأيه ومثل تلك الآراء دائمًا وأبدًا ما تصب بل وتخدم مصالح الإرهابى الذي نسج مظلوميته منذ زمن بعيد اتكاء على مثل هذه الآراء التي تفترض بشكل مسبق كراهية الغرب للإسلام وتتحدث عن المؤامرة الدولية على الإسلام، ونعت الخائف بأن لديه فوبيا أمر لا أفهمه.. فالخوف شعور إنسانى.. ولا لوم على خائف.. بل ولا يعنى خوفه أنه مريض بالبرانويا أو أن شعوره غير مبرر أو حتى مبالغ فيه وإلا يسهل أيضًا نعت «جريش» بكاره الغرب مثلًا ونعت أيضًا من يتبنى نفس الرأى بأنه يعانى من «الزينوفوبيا» فكيل الاتهامات بهذه الطريقة أربأ بها عن نفسى وأترفع عن توجيهها لشخصية وطنية لها تاريخ نضالى مشرف مثل الكاتب الكبير «آلان جريش» ابن «هنرى كوريل» والمتأثر بسيرة المناضل المصرى الوطنى «شحاتة هارون».
وتطرق «جريش» في حديثه للإخوان وأن الدول العسكرية الفاشية تخرجهم خارج النسيج الوطنى وكان ردى على كلامه أنهم هم من أخرجوا أنفسهم بأنفسهم من السياق الوطنى عندما اعتمدوا مشروع الخلافة كبديل عن المشروع الوطنى، وأصبح وطنهم هو الإسلام بل وأصبح الماليزى المسلم أقرب إلى قلب الإخوانى المتأسلم من المسيحى أو اليهودى المصرى بل وأقرب من الشيعى الذي سحل في الشارع وسط التكبيرات.
ويرى «جريش» الحل في التعددية الثقافية والفكرية وقبول الآخر، ووافقته في الرأى مع التأكيد على أن تيار الإسلام السياسي هو من يرفض الآخر المختلف معه لا فقط في الدين بل في الطائفة ويحتكر الدين وصحيحه في الإسلام السنى بوصفه الفرقة الناجية.
وعندما سأل أحد الحاضرين عن طريقة الحكم المثالى من وجهة نظر «جريش» هل هو النظام «العلمانى» المستورد من الغرب أم النظام «الديمقراطى»؟
وتعجبت من السؤال، فالسائل ليس فقط قد فصل العلمانية عن الديمقراطية بل جعلهما أضداد في ظنى، وجعل كذلك «العلمانية» نظامًا غربيًا مستوردًا، أما الديمقراطية كفكرة وكاصطلاح فكأنها مثلًا اختراع شرقى يخص المسلمين أو الشرق فقط!! وجعل العلمانى في خصومة مع الفكرة الديمقراطية التي لا تستقيم مع الفكر العلمانى، فإما العلمانية أو الديمقراطية!
و«جريش» لم يجب عن هذا التساؤل ربما مكتفيًا برأيه الذي أعلنه بوضوح والخاص بانحيازه للفكرة الديمقراطية التي يراها بالضرورة لا تستقيم مع الحكم العسكري، ولم يستطرد لعلاقة ذلك بالعلمانية والتي وردت على لسانه في اللقاء أكثر من مرة وهو يصف نظام الحكم في أوروبا وفرنسا.
وعن التصنيف تحدث أحد الحاضرين مباركًا إياه، وأن من حق المسلم أن يصنف نفسه ويتحدث كذلك عن طائفته، فكان ردى أن الانتماء للإنسانية كاف جدًا كتصنيف لبنى البشر وقد تكون فكرة التباهى بالوطن من الأمور المستحسنة أما التصنيف الدينى فهو يعمق الخلاف ويبيح للمختلف ممارسة فعل الإقصاء وربما المبادرة بالعنف تجاه ذلك المختلف.
فالإسلام الذي يدين به المسلم يجعله يدرك أن الله يحميه وهذا المعتقد الدينى لا أظن أن له كارهين في الغرب.. الخوف المبرر لدى الغرب والشرق أيضًا لا الفوبيا تأتى من الفكر الإرهابى الأصولى أحادى التوجه لا من مجرد طرح معتقد أو دين.. أما المتأسلم أو المنتمى لتيار الإسلام السياسي فإنه يرى أنه هو الذي يحمى الله بوصفه نائبه الذي ينوب عنه في إدخال البشر إلى النار تماما كما فعلت إحدى السيدات مع «جريش» ولم يخيفه ذلك!
لكنه يخيفنى ويخيف غيرى في الشرق والغرب وعلى حد سواء وكان ذلك هو ردى على أحد الحاضرين عندما سألنى مبتسمًا «انت شايلة من الإسلام كده ليه»، فأجبته «أنا شايلة من الإرهاب».
وانتهى اللقاء بالتقاط الصور التذكارية مع «جريش» الذي نعته مقدم اللقاء بـ «ذى الملامح الغربية الذي يدافع عن الإسلام» في حين يهجوه من في القاعة وكأن كل ما قيل في اللقاء ذهب سدىً، شعرت بأنه قبض ريح فالتشبث بعنوان «الإسلام وكارهو في الغرب» قد حسم اللقاء لصالح تلك الفكرة قبل أن يبدأ اللقاء وبعد أن انتهى. واستوقفنى شاب ماليزى وفتاة ترتدى اليونيفورم الإسلامى جاءا في آخر اللقاء وقاما سويًا بالتقاط صورة مع جريش ذى الملامح الغربية شاكرين له دفاعه عن الإسلام «المكروه» من الغرب.
وتساءلت في سرى هل يا ترى أن سمع هؤلاء قول «جريش» بأنه شيوعى من أب وأم يهود هل سيستمرون في حبه أم سينعتونه بالكافر ليلقى مصير الشيعى حسن شحاتة؟
سؤال أتركه لجريش، الذي قال في حواره مع «المصرى اليوم» أن المعارضة الآن حكرًا على الإسلاميين كما كانت لليسار فقط في الماضى- ليجيب عليه ربما في لقائه القادم.