لا تتحرك عجله التاريخ المصرى الى الامام كما يتوقع علماء الاجتماع ، بل يدور حول نفسه ، فتجد نفس الاحداث تتكرر ولكن بشخوص مغايرة ، وفى سياق زمنى ومجتمعي مختلف .
شعرت بذلك خلال قراءتي لكتاب الكاتب الكبير موسى صبري" وثائق حرب أكتوبر" والذى صدر بعد سنوات قليلة للحرب ، وكان اكثر ما لفت نظري التشابه الكبير بين مصر في تلك الايام والان .
فلقد كان الشك والاحباط والتشاؤم سيد الموقف في يناير 1972 ، والحرب النفسية على اشدها ، والازمة الاقتصادية تخنق الجميع ..لم تكن هناك أي اشارة الى ان هذا الشعب سينتصر بعد عام ويحرر ارضه ويرفع العلم على سيناء .
ورغم كل هذا الاحباط واليأس ..كان هناك رجل يحمل مصيره ومصير شعبه وبلاده والاجيال الجديدة من المصريين ..كان هناك محمد انور السادات بطل الحرب والسلام .
يحكى موسى صبري عن جبهة الداخل ويقول "جبهة الداخل تكتلت فيها غالبية قوى اليسار المتطرف بين الصحفيين والكتاب وامتدت اتصالاتها وتجمعاتها الى فريق من الطلبة.
الجبهة العربية شروخ في المواقف بعد الازمات مع السودان ثم مع ليبيا وتشكك دول اخرى في نوايا السادات الذى كان يقاسى الامرين من اجل الحصول على الاسلحة من كل مكان ولم يقدر احد دقة الموقف حتى الصحف العالمية بدأت تنشر النكت ومنها ما نشرته النيوزويك الأمريكية نقلا عن ألسنة عربية بأن السادات رجل أسمر يجيد الخطابة ويحكم مصر بعد وفاة عبد الناصر وهوايته وقف اطلاق النار .
ويستكمل صبري روايته " ظهرت تحركات مضادة للنظام ممثلة في انتخابات النقابات المهنية والاتحاد الاشتراكي ومجلس الامة وكان التكتيك هو:
1- تصوير 15 مايو على أنها خطة مدبرة للقضاء على 23 يوليو .
2- إن ما حدث في 15 مايو ليس ديمقراطية ..بل هو صراع على السلطة والمطلوب انقاذ الديمقراطية.
3- إن أنور السادات يلجأ إلى الحلول الاستسلامية..ويخدع الجماهير بنداء الحرب.
4 - إن أنور السادات يصفى الاشتراكية .
5 - أين حرية الصحافة ؟
وانتقل تنفيذ التكتيك من الطلبة للعمال وكل ذلك لهدم النظام والسيطرة عليه .
وكانت القيادات الماركسية منظمة بحيث يحل محلها صف ثان ..وكان الأسلوب هو المعروف في كتب التهييج الماركسية ..إيقاف الأتوبيسات والتحدث إلى الناس فيها بأسلوب مثير كاذب عن اعتقالات وقمع وقتلى .. تكوين مجموعات صغيرة في الميادين، تخطب وتثير مناقشات محفوظة وتوزع منشورات بخط اليد، ثم نقل صورة هذه الأحاديث كاملة فى صحف بيروت .. بل طبعها بعد ذلك فى كتب أصدرتها دور نشر تصرف عليها منظمات ماركسية محلية وأجنبية .
أعقب ذلك محاولة اعتصام في نقابة الصحفيين من فنانين وأنصاف مثقفين ماركسيين ..وكان ذلك ضربًا للنظام من الداخل" .
ويستكمل موسى روايته " انتهت هذه المرحلة بقرار السادات بالإفراج عن الطلبة المعتقلين بأمر النيابة وحفظ التحقيق ، وتغاضى السادات عن الجهات التي وقفت خلف ذلك في سبيل الوحدة الوطنية لمواجهة المعركة " .
ويذكر صبري أنه اجتمع مع عدد من قيادات الطلبة الماركسيين ومن يحملون شعار الناصرية ثلاثة اجتماعات استمرت 27 ساعة لمناقشة الحقائق معهم وتناولنا قضايا الحرية والديمقراطية والحرب و15 مايو والعلاقات مع السوفييت والبناء الاشتراكي الى اخر ما كانوا يثيرونه ..وتأكدت واقتنعت أن هذه القيادات لا تريد أن تقتنع انها مصرة على رأي ولا تريد أن تتزحزح عنه وهو تحدى هذا النظام والدعوة لعدم الثقة بأنور السادات ، ثم جاءت حركة الطلبة الثانية ولكن المظاهرة هنا تغيرت ، وقد بدأ التغيير في ارتباط كامل واضح بين قيادات الطلبة الماركسيين والحاملين لشعار الناصرية وبين فريق يساري من أعضاء مجلس النقابة ثم اتسعت لتصل الى عدد من الكتاب كان على رأسهم توفيق الحكيم !
ويرى صبري أن الحكيم تصور أن النظام يهتز وأن الموجة ستكتسح ورأى أن يركب الموجة ، ويضيف "إذ بنا نفاجأ بجمعية عامة لنقابة الصحفيين ، تتحول كلها الى مناقشات تتهم النظام بالقمع والإرهاب وتصدر إنذارا إلى رئيس الجمهورية للمطالبة بحرية الصحافة وتصدر بيانا بحماية حرية الصحافة الجامعية أي صحافة الحائط .. والتي كانت كلماتها قد تجاوزت كل حدود الآداب العامة .
واذا بنا نفاجأ ببيان كتبه توفيق الحكيم ووقع عليه عدد من الكتاب يقول إن المستقبل كئيب .. وأن حجة قرار المعركة تعلق عليها كل الأخطاء .. وأن البلاد متجهة الى كارثة .. وأن شبابنا ملقى به في رمال الجبهة لينسى علمه !
وكل ذلك نشر في صحف بيروت في نفس اليوم .. وعلى أوسع نطاق .. وتحرك عدد كبير من الصحفيين لتحدي هذه الأوضاع .
وعقد اجتماع في منزل الفنان رخا ..حضره يوسف السباعي وعبد الرحمن الشرقاوي ومحمد صبيح ومصطفى بهجت بدوى وحافظ محمود وموسى صبري وتم الاتفاق على ان يحضر الصحفيون اجتماع الجمعية العامة التالي لنقابة الصحفيين وان تكون معركة حياة أو موت لكشف الاتجاه اليساري وأهدافه ..ثم أصدرنا بيانا وطنيا يؤيد موقف الرئيس السادات ثم تدخل سيد مرعى أمين اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي وعرض عقد اجتماع مشترك للقيادات الصحفية مع مجلس النقابة وعقد الاجتماع وانتهينا الى اجراء بيان موحد يناقض كل ما جاء في بيان مجلس النقابة السابق ونشر البيان في الصحف وكانت سطوره تأييدا صريحا وواضحا لموقف الرئيس السادات.
ولكن أعضاء مجلس النقابة اليساريين دعوا الى اجتماع لمجلس النقابة بعد ذلك ضمنوا فيه الغالبية العددية وأصدروا بيانا يؤيد مظاهرات الطلبة ويتهم النظام باستخدام القمع واستقال عضوان من مجلس النقابة احتجاجا هما الفنان رخا وعثمان لطفى السكرتير العام المساعد لمؤسسة اخبار اليوم .
ولم يقدر لحركة الطلبة أن تحقق أي هدف ..وبدأت النيابة التحقيق وتبين أن الهدف المبيت لدى البعض كان إشعال حرائق في الميادين وبث الفوضى وقلب النظام.
ثم دعا الرئيس السادات الى اجتماع مغلق مع اكثر من مائتي صحفي وعبر فيه عن مشاعره فيما جرى بقوله انا حزين ..حزين ".
واضاف في كل المراحل الاساسية دعوت رجال الصحافة لكى اوضح لهم كل حقائق الموقف.
حدث هذا عندما انقطعت الاتصالات مع أمريكا وعندما صدر قرار انهاء عمل الخبراء السوفييت وكانت الصحافة حاضرة في كل التفاصيل وهذا يحدث لأول مرة في تاريخنا.
يصدر عن البعض منا ان الوضع غامض ..ايه الغموض اللي في الوضع ؟
اننى أعذر غالبية الطلبة ..وأقدر أن شبابنا مبلبل ويعيش فى فراغ اما ان يقول كتاب وصحفيون ان الوضع غامض فهذا غير مقبول الا اذا كانت نفس الصحفي ملتوية .
تسليم لا ..عن نفسى أرفض ..أنا لا أصلح للتسليم .
ما هو هذا الغموض ، إلا اذا كان الكاتب او الصحفي يريد ان يفرض نفسه رئيسا للجمهورية او قائدًا عسكريًا ويضع لنا خطة ؟
من الممكن ان يكون الغموض في جزئية ولكن ليس في صلب المعركة أو صلب الهدف الأساسي .
ولقد أوضحت كل شيء امام مجلس الشعب في افتتاح المجلس 15 اكتوبر ثم في ديسمبر ..يبقى ما معنى الغموض لدى الصحفي عشان يتفلسف ويقول الحلول التصفوية والاستسلامية ..قبل هذه التعابير كنا بخير ..كانت صحافتنا وانا شاب في السجن تدعو لبناء الفرد وتحفزه ان يكون في ذاته قوة لا تقهر ولكننا اصبحنا الان نمشى في التعابير اياها .
المؤسف والكلام للرئيس السادات، ان بعض الاصوات تشكك في رحلة حافظ اسماعيل الى واشنطن ولقائه بنيكسون ..يقولون انه ذهب ليعرض الاستسلام وهذا غريب جدا ..ثم اجد افرادا في مجلس نقابة الصحفيين معروفة اتجاهاتهم ..يستخدمون اسلوب الطفولة السياسية ..خدوا قرارات ..ابعت انذار للدولة .
سبحان الله ..انا ارفض إنذارات من امريكا ودول كبرى وييجى افراد في نقابة الصحفيين يعطوني انذارات ..هذا استثمار للجرح بكلام ملتوٍ هذه اقلام لا تحكمها المعركة ولكن تحكمها احقاد وانفعالات ..اننا نريد ان نعمل بروح العائلة ..مصر كلها يجب ان تكون اسرة واحدة بتقاليد القرية ..تعرف الحدود وتبدى المصلحة العليا فوق كل شيء .
واضاف السادات " واجب الصحافة والكتاب يا زملائي في هذه الظروف المصيرية التي نعيشها ..هو دعوة الامل ..ودعوة الصمود.. دعم الجبهة الداخلية وتقويم كل انحراف.. انا عارف انها زوبعة فى فنجان ولن تؤثر على قرار الشعب بالمعركة لكن فى الخارج ..سمعتنا ..سمعة مصر .
وقال "يؤسفني ان اقرر ان صحفيين اجانب كتبوا بناء على معلومات كاذبة من صحفيين مصريين أنا أعرفهم بالاسم ..انه حدثت انقلابات عسكرية بعد خروج الفريق صادق ..ليس عندي شيء أخبئه ..وليس عندي ما أخشى منه أبدا
كل من يعملون في الظلام مشدودون من الخلف ..ويتصورون انهم يستطيعون الوصول الى شيء" .
ثم انتقل الرئيس في حديثه الى بيان الكتاب الذى كتبه توفيق الحكيم وتلاه وعلق عليه بسخرية لاذعة ثم قال :
البيان بيقول ان الشعب بيغلى وان الكتاب مسئوليتهم ان يستشفوا الضمائر ..هل استشفوا الضمائر فعلا ؟
الشعب قاعدته العريضة فاهم وعنده وعى ولا يحتاج الى هذا الاستشفاف ..المكتوب أمامي في هذا البيان هو جسر للحقد والانهزامية ..ولذلك انا حزين ..حزين .
علما اننى نبهت ..اياكم وان يحتل اليهود جزءا من عقولنا كما احتلوا جزءًا من ارضنا .
لسنا اول شعب واجه هزيمة .
ولم يطلع حبر اسود بانهزامية بهذا الشكل ، في كل الدول التي لحقت بها هزائم ..مواقف تشرشل معروفة .
الا ان أسوأ ما فى البيان هي السطور التي تحمل تحريضا لأبنائنا الجامعيين فى القوات المسلحة الذين يقفون مستعدين للقتال ..البيان يقول "الشباب لا يرى امامه سوى المستقبل الكئيب ..المستقبل ايها الزملاء لا يكون كئيبا الا اذا كانت نفوسنا كئيبة .
هل قالت هذا روسيا بعد دخول ألمانيا ..وانهاك قواها الصناعية والزراعية هل قال كتباها ان الغد كئيب .
هل يقال في بيان لكتاب مصريين في هذه المرحلة ان شهادة خريج الجامعة اصبحت وسيلة للقذف به في رمال الجبهة ..وهذا هو الضياع ..هل هذا هو الصمود ..هل هذا هو الامل ؟
هل هذا هو ضمير مصر ؟هل ضمير مصر هو اليأس والتشاؤم ونشر الاحباط ؟
القلم مسئولية وشرف ..اين مصر في كل سطر وفى كل راي وفى كل تصرف ؟
لا لن اسمح ابدا ان يكون القلم سبيلا للانهزامية او الياس او بث هذه السموم.
هذا سم وتخريب في الجبهة الداخلية .
لو دفعت اسرائيل ملايين الجنيهات لما استطاعت ان تصل الى اكثر من الذى نشر بأقلام مصرية .
هل هذا هو توفيق الحكيم الذى كتب في عصفور من الشرق "الامم العظيمة لا تبنيها إلا الآلام العظيمة".
كيف لم يفكر في كلماته السابقة ..ان ما ينطبق على الامم ينطبق على الفرد ..لا يوجد فرد له قيمة الا وعانى من آلام عظيمة هي التي بنته ، المعلقة الذهبية لا تصنع الرجال .
ويستكمل الرئيس السادات حديثه للصحفيين "قلت للدكتور عبدالقادر حاتم وزير الارشاد في ذلك الوقت هات لى الراجل الطيب ده توفيق الحكيم لأنني عاطفيا متأثر به ..الطريف ان توفيق الحكيم قال لحاتم "انا كنت بسهل العملية عشان يفاوض اسرائيل "..لا يا استاذ توفيق ..هذه الفلسفة لا تصلح مع اسرائيل ..هذا يعنى الاستسلام لإسرائيل وليس هذا هو استشفاف ضمير الشعب .
كان السادات واضحا وقويا في احتمال كل حملات التشكيك فيه حتى فاجأ العالم بموعد العبور العظيم .
نال السادات احترام العالم وعادت الجبهة الداخلية للتماسك وطلب توفيق الحكيم لقاء الرئيس السادات في يوليو 1974 ، وقدم للرئيس بيانا جديدا موقعا عليه من نفس من وقعوا البيان السابق ، اكدوا فيه خطأ تقديرهم ، وثقتهم الكاملة في قيادة الرئيس السادات .
ما أشبه الليلة بالبارحة
شعرت بذلك خلال قراءتي لكتاب الكاتب الكبير موسى صبري" وثائق حرب أكتوبر" والذى صدر بعد سنوات قليلة للحرب ، وكان اكثر ما لفت نظري التشابه الكبير بين مصر في تلك الايام والان .
فلقد كان الشك والاحباط والتشاؤم سيد الموقف في يناير 1972 ، والحرب النفسية على اشدها ، والازمة الاقتصادية تخنق الجميع ..لم تكن هناك أي اشارة الى ان هذا الشعب سينتصر بعد عام ويحرر ارضه ويرفع العلم على سيناء .
ورغم كل هذا الاحباط واليأس ..كان هناك رجل يحمل مصيره ومصير شعبه وبلاده والاجيال الجديدة من المصريين ..كان هناك محمد انور السادات بطل الحرب والسلام .
يحكى موسى صبري عن جبهة الداخل ويقول "جبهة الداخل تكتلت فيها غالبية قوى اليسار المتطرف بين الصحفيين والكتاب وامتدت اتصالاتها وتجمعاتها الى فريق من الطلبة.
الجبهة العربية شروخ في المواقف بعد الازمات مع السودان ثم مع ليبيا وتشكك دول اخرى في نوايا السادات الذى كان يقاسى الامرين من اجل الحصول على الاسلحة من كل مكان ولم يقدر احد دقة الموقف حتى الصحف العالمية بدأت تنشر النكت ومنها ما نشرته النيوزويك الأمريكية نقلا عن ألسنة عربية بأن السادات رجل أسمر يجيد الخطابة ويحكم مصر بعد وفاة عبد الناصر وهوايته وقف اطلاق النار .
ويستكمل صبري روايته " ظهرت تحركات مضادة للنظام ممثلة في انتخابات النقابات المهنية والاتحاد الاشتراكي ومجلس الامة وكان التكتيك هو:
1- تصوير 15 مايو على أنها خطة مدبرة للقضاء على 23 يوليو .
2- إن ما حدث في 15 مايو ليس ديمقراطية ..بل هو صراع على السلطة والمطلوب انقاذ الديمقراطية.
3- إن أنور السادات يلجأ إلى الحلول الاستسلامية..ويخدع الجماهير بنداء الحرب.
4 - إن أنور السادات يصفى الاشتراكية .
5 - أين حرية الصحافة ؟
وانتقل تنفيذ التكتيك من الطلبة للعمال وكل ذلك لهدم النظام والسيطرة عليه .
وكانت القيادات الماركسية منظمة بحيث يحل محلها صف ثان ..وكان الأسلوب هو المعروف في كتب التهييج الماركسية ..إيقاف الأتوبيسات والتحدث إلى الناس فيها بأسلوب مثير كاذب عن اعتقالات وقمع وقتلى .. تكوين مجموعات صغيرة في الميادين، تخطب وتثير مناقشات محفوظة وتوزع منشورات بخط اليد، ثم نقل صورة هذه الأحاديث كاملة فى صحف بيروت .. بل طبعها بعد ذلك فى كتب أصدرتها دور نشر تصرف عليها منظمات ماركسية محلية وأجنبية .
أعقب ذلك محاولة اعتصام في نقابة الصحفيين من فنانين وأنصاف مثقفين ماركسيين ..وكان ذلك ضربًا للنظام من الداخل" .
ويستكمل موسى روايته " انتهت هذه المرحلة بقرار السادات بالإفراج عن الطلبة المعتقلين بأمر النيابة وحفظ التحقيق ، وتغاضى السادات عن الجهات التي وقفت خلف ذلك في سبيل الوحدة الوطنية لمواجهة المعركة " .
ويذكر صبري أنه اجتمع مع عدد من قيادات الطلبة الماركسيين ومن يحملون شعار الناصرية ثلاثة اجتماعات استمرت 27 ساعة لمناقشة الحقائق معهم وتناولنا قضايا الحرية والديمقراطية والحرب و15 مايو والعلاقات مع السوفييت والبناء الاشتراكي الى اخر ما كانوا يثيرونه ..وتأكدت واقتنعت أن هذه القيادات لا تريد أن تقتنع انها مصرة على رأي ولا تريد أن تتزحزح عنه وهو تحدى هذا النظام والدعوة لعدم الثقة بأنور السادات ، ثم جاءت حركة الطلبة الثانية ولكن المظاهرة هنا تغيرت ، وقد بدأ التغيير في ارتباط كامل واضح بين قيادات الطلبة الماركسيين والحاملين لشعار الناصرية وبين فريق يساري من أعضاء مجلس النقابة ثم اتسعت لتصل الى عدد من الكتاب كان على رأسهم توفيق الحكيم !
ويرى صبري أن الحكيم تصور أن النظام يهتز وأن الموجة ستكتسح ورأى أن يركب الموجة ، ويضيف "إذ بنا نفاجأ بجمعية عامة لنقابة الصحفيين ، تتحول كلها الى مناقشات تتهم النظام بالقمع والإرهاب وتصدر إنذارا إلى رئيس الجمهورية للمطالبة بحرية الصحافة وتصدر بيانا بحماية حرية الصحافة الجامعية أي صحافة الحائط .. والتي كانت كلماتها قد تجاوزت كل حدود الآداب العامة .
واذا بنا نفاجأ ببيان كتبه توفيق الحكيم ووقع عليه عدد من الكتاب يقول إن المستقبل كئيب .. وأن حجة قرار المعركة تعلق عليها كل الأخطاء .. وأن البلاد متجهة الى كارثة .. وأن شبابنا ملقى به في رمال الجبهة لينسى علمه !
وكل ذلك نشر في صحف بيروت في نفس اليوم .. وعلى أوسع نطاق .. وتحرك عدد كبير من الصحفيين لتحدي هذه الأوضاع .
وعقد اجتماع في منزل الفنان رخا ..حضره يوسف السباعي وعبد الرحمن الشرقاوي ومحمد صبيح ومصطفى بهجت بدوى وحافظ محمود وموسى صبري وتم الاتفاق على ان يحضر الصحفيون اجتماع الجمعية العامة التالي لنقابة الصحفيين وان تكون معركة حياة أو موت لكشف الاتجاه اليساري وأهدافه ..ثم أصدرنا بيانا وطنيا يؤيد موقف الرئيس السادات ثم تدخل سيد مرعى أمين اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي وعرض عقد اجتماع مشترك للقيادات الصحفية مع مجلس النقابة وعقد الاجتماع وانتهينا الى اجراء بيان موحد يناقض كل ما جاء في بيان مجلس النقابة السابق ونشر البيان في الصحف وكانت سطوره تأييدا صريحا وواضحا لموقف الرئيس السادات.
ولكن أعضاء مجلس النقابة اليساريين دعوا الى اجتماع لمجلس النقابة بعد ذلك ضمنوا فيه الغالبية العددية وأصدروا بيانا يؤيد مظاهرات الطلبة ويتهم النظام باستخدام القمع واستقال عضوان من مجلس النقابة احتجاجا هما الفنان رخا وعثمان لطفى السكرتير العام المساعد لمؤسسة اخبار اليوم .
ولم يقدر لحركة الطلبة أن تحقق أي هدف ..وبدأت النيابة التحقيق وتبين أن الهدف المبيت لدى البعض كان إشعال حرائق في الميادين وبث الفوضى وقلب النظام.
ثم دعا الرئيس السادات الى اجتماع مغلق مع اكثر من مائتي صحفي وعبر فيه عن مشاعره فيما جرى بقوله انا حزين ..حزين ".
واضاف في كل المراحل الاساسية دعوت رجال الصحافة لكى اوضح لهم كل حقائق الموقف.
حدث هذا عندما انقطعت الاتصالات مع أمريكا وعندما صدر قرار انهاء عمل الخبراء السوفييت وكانت الصحافة حاضرة في كل التفاصيل وهذا يحدث لأول مرة في تاريخنا.
يصدر عن البعض منا ان الوضع غامض ..ايه الغموض اللي في الوضع ؟
اننى أعذر غالبية الطلبة ..وأقدر أن شبابنا مبلبل ويعيش فى فراغ اما ان يقول كتاب وصحفيون ان الوضع غامض فهذا غير مقبول الا اذا كانت نفس الصحفي ملتوية .
تسليم لا ..عن نفسى أرفض ..أنا لا أصلح للتسليم .
ما هو هذا الغموض ، إلا اذا كان الكاتب او الصحفي يريد ان يفرض نفسه رئيسا للجمهورية او قائدًا عسكريًا ويضع لنا خطة ؟
من الممكن ان يكون الغموض في جزئية ولكن ليس في صلب المعركة أو صلب الهدف الأساسي .
ولقد أوضحت كل شيء امام مجلس الشعب في افتتاح المجلس 15 اكتوبر ثم في ديسمبر ..يبقى ما معنى الغموض لدى الصحفي عشان يتفلسف ويقول الحلول التصفوية والاستسلامية ..قبل هذه التعابير كنا بخير ..كانت صحافتنا وانا شاب في السجن تدعو لبناء الفرد وتحفزه ان يكون في ذاته قوة لا تقهر ولكننا اصبحنا الان نمشى في التعابير اياها .
المؤسف والكلام للرئيس السادات، ان بعض الاصوات تشكك في رحلة حافظ اسماعيل الى واشنطن ولقائه بنيكسون ..يقولون انه ذهب ليعرض الاستسلام وهذا غريب جدا ..ثم اجد افرادا في مجلس نقابة الصحفيين معروفة اتجاهاتهم ..يستخدمون اسلوب الطفولة السياسية ..خدوا قرارات ..ابعت انذار للدولة .
سبحان الله ..انا ارفض إنذارات من امريكا ودول كبرى وييجى افراد في نقابة الصحفيين يعطوني انذارات ..هذا استثمار للجرح بكلام ملتوٍ هذه اقلام لا تحكمها المعركة ولكن تحكمها احقاد وانفعالات ..اننا نريد ان نعمل بروح العائلة ..مصر كلها يجب ان تكون اسرة واحدة بتقاليد القرية ..تعرف الحدود وتبدى المصلحة العليا فوق كل شيء .
واضاف السادات " واجب الصحافة والكتاب يا زملائي في هذه الظروف المصيرية التي نعيشها ..هو دعوة الامل ..ودعوة الصمود.. دعم الجبهة الداخلية وتقويم كل انحراف.. انا عارف انها زوبعة فى فنجان ولن تؤثر على قرار الشعب بالمعركة لكن فى الخارج ..سمعتنا ..سمعة مصر .
وقال "يؤسفني ان اقرر ان صحفيين اجانب كتبوا بناء على معلومات كاذبة من صحفيين مصريين أنا أعرفهم بالاسم ..انه حدثت انقلابات عسكرية بعد خروج الفريق صادق ..ليس عندي شيء أخبئه ..وليس عندي ما أخشى منه أبدا
كل من يعملون في الظلام مشدودون من الخلف ..ويتصورون انهم يستطيعون الوصول الى شيء" .
ثم انتقل الرئيس في حديثه الى بيان الكتاب الذى كتبه توفيق الحكيم وتلاه وعلق عليه بسخرية لاذعة ثم قال :
البيان بيقول ان الشعب بيغلى وان الكتاب مسئوليتهم ان يستشفوا الضمائر ..هل استشفوا الضمائر فعلا ؟
الشعب قاعدته العريضة فاهم وعنده وعى ولا يحتاج الى هذا الاستشفاف ..المكتوب أمامي في هذا البيان هو جسر للحقد والانهزامية ..ولذلك انا حزين ..حزين .
علما اننى نبهت ..اياكم وان يحتل اليهود جزءا من عقولنا كما احتلوا جزءًا من ارضنا .
لسنا اول شعب واجه هزيمة .
ولم يطلع حبر اسود بانهزامية بهذا الشكل ، في كل الدول التي لحقت بها هزائم ..مواقف تشرشل معروفة .
الا ان أسوأ ما فى البيان هي السطور التي تحمل تحريضا لأبنائنا الجامعيين فى القوات المسلحة الذين يقفون مستعدين للقتال ..البيان يقول "الشباب لا يرى امامه سوى المستقبل الكئيب ..المستقبل ايها الزملاء لا يكون كئيبا الا اذا كانت نفوسنا كئيبة .
هل قالت هذا روسيا بعد دخول ألمانيا ..وانهاك قواها الصناعية والزراعية هل قال كتباها ان الغد كئيب .
هل يقال في بيان لكتاب مصريين في هذه المرحلة ان شهادة خريج الجامعة اصبحت وسيلة للقذف به في رمال الجبهة ..وهذا هو الضياع ..هل هذا هو الصمود ..هل هذا هو الامل ؟
هل هذا هو ضمير مصر ؟هل ضمير مصر هو اليأس والتشاؤم ونشر الاحباط ؟
القلم مسئولية وشرف ..اين مصر في كل سطر وفى كل راي وفى كل تصرف ؟
لا لن اسمح ابدا ان يكون القلم سبيلا للانهزامية او الياس او بث هذه السموم.
هذا سم وتخريب في الجبهة الداخلية .
لو دفعت اسرائيل ملايين الجنيهات لما استطاعت ان تصل الى اكثر من الذى نشر بأقلام مصرية .
هل هذا هو توفيق الحكيم الذى كتب في عصفور من الشرق "الامم العظيمة لا تبنيها إلا الآلام العظيمة".
كيف لم يفكر في كلماته السابقة ..ان ما ينطبق على الامم ينطبق على الفرد ..لا يوجد فرد له قيمة الا وعانى من آلام عظيمة هي التي بنته ، المعلقة الذهبية لا تصنع الرجال .
ويستكمل الرئيس السادات حديثه للصحفيين "قلت للدكتور عبدالقادر حاتم وزير الارشاد في ذلك الوقت هات لى الراجل الطيب ده توفيق الحكيم لأنني عاطفيا متأثر به ..الطريف ان توفيق الحكيم قال لحاتم "انا كنت بسهل العملية عشان يفاوض اسرائيل "..لا يا استاذ توفيق ..هذه الفلسفة لا تصلح مع اسرائيل ..هذا يعنى الاستسلام لإسرائيل وليس هذا هو استشفاف ضمير الشعب .
كان السادات واضحا وقويا في احتمال كل حملات التشكيك فيه حتى فاجأ العالم بموعد العبور العظيم .
نال السادات احترام العالم وعادت الجبهة الداخلية للتماسك وطلب توفيق الحكيم لقاء الرئيس السادات في يوليو 1974 ، وقدم للرئيس بيانا جديدا موقعا عليه من نفس من وقعوا البيان السابق ، اكدوا فيه خطأ تقديرهم ، وثقتهم الكاملة في قيادة الرئيس السادات .
ما أشبه الليلة بالبارحة