الأربعاء 04 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

العبور إلى الموت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل ٤٣ عاما، وقف العالم مذهولا أمام قدرة المصريين على العبور من بر الهزيمة والموت إلى شاطئ الحياة والنصر.
اليوم وبعد عبورنا بثورة الثلاثين من يونيو إلى زمن التغيير وعصر استرداد الهوية، نبدو وكأننا نمضى إلى الخلف بخطوات حثيثة، ولا نألوا جهدا للعبور نحو الموت غير عابئين بما حققناه من إنجاز حقيقى بالحفاظ على استقرار بلدنا ووحدتها وحمايتها من الإرهاب، وما كان ينتظرها من تفتت وفتنة على يد ما تسمى بجماعات الإسلام السياسى.
رغم هزيمة يونيو ١٩٦٧ كان الخطاب السائد فى المجتمع يدفع نحو العبور إلى النصر ويدعم قيم التماسك الداخلى والالتفاف حول الدولة، فى حين لم يستمر هذا الخطاب طويلا بعد انتصار المصريين على الحكم الدينى الفاشى فى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ فسرعان ما تلونت الوجوه وتحولت الأقلام إلى التشكيك فى الدولة والترويج إلى أن نظام ثورة يونيو مرادف لنظام مبارك، وظهرت حالة من التفكك والتحلل من كل قيمة حتى قيمة الدولة، وبدت البيروقراطية الفاسدة أكثر نشاطًا وحيوية، وكأنها فى سباق مع الزمن لتلتهم ما تبقى من قيم أخلاقية علاوة على ثروات هذا البلد. 
الكل تحالف ليشيع أجواء الإحباط واليأس والتشكك فى كل إنجاز وقدرة النظام على حماية الدولة، وأصبح كل حدث يُثار مناسبة للدعوة للخروج عليها، وهز الثقة فى إخلاص ووطنية قادتها وإمكانية تقدمها للأمام. 
حدث هذا عند الإعلان عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، استخدمت قضية جزيرتى تيران وصنافير للطعن فى استقلالية الإرادة السياسية للدولة المصرية ووطنية نظامها الحاكم، ويحدث تكرارا ومرارا عند افتتاح كل مشروع قومى كبير. 
(الزن على ودان المصريين) المنهج الذى يتبعه جانب ممن يسمون بالنخبة بعضهم بلا وعى، لأنهم لم يعرفوا طريقة للمعارضة غير تلك التى اعتادوها فى زمن مبارك، وليست لديهم القدرة على فهم واستيعاب التغيرات الجذرية التى حدثت فى النظام السياسى المصرى.
البعض الآخر دخل فى تحالف واضح مع الجماعة الإرهابية، المهم أن الجميع يتبنى خطابًا واحدًا لا يسعى لكشف جوانب الضعف من أجل الإصلاح، وإنما لإشاعة الفوضى وخلق مناخ اكتئابى متوتر.
ويتجلى أثر ذلك الخطاب فى تحرك بعض الفئات والشرائح إلى إسقاط الدولة وهيبتها عبر خرق القانون وعدم احترامه.
منها خروج نقابة المحامين على قانون ضريبة القيمة المضافة وإعلانها عدم الالتزام به، وهو ما يعنى تحديًا لهيبة الدولة وإرادتها، رغم أن المحاماة تمثل القضاء الواقف الداعم لدولة القانون والمدافع الأول عنها.
من حق المحامين الاعتراض على ضريبة القيمة المضافة واتباع كل السبل القانونية لإلغائها كما جاء فى بيان النقابة الذى أشار إلى لجوئهم إلى مجلس الدولة للطعن على دستورية القانون، لكن ليس من حق المحامين أو غيرهم الامتناع عن سداد الضريبة حتى يفصل القضاء فى دستوريتها. ذلك أن الامتناع عن تنفيذ القانون يشكل دعوة صريحة للخروج على الدولة، شأنهم فى ذلك شأن الذين تظاهروا دون تصريح ضد قانون تنظيم التظاهر.
هذا الخطاب المروج لليأس والإحباط والمشكك فى قدرة الدولة على العبور نحو المستقبل وتجاوز أزماتها الحالية، أصبح الخارجون على القانون والمهربون يستهلكونه لتبرير رحلات العبور إلى الموت (المعروفة بالهجرة غير الشرعية). 
والد أحد الأطفال الناجين فى حادثة غرق مركب رشيد استعار ما يروجه ذلك الخطاب من دعاية سوداء بشأن المستقبل ليبرر دفعه لابنه القاصر للهرب إلى إيطاليا ثلاث مرات متتالية، كبدته أكثر من ٩٠ ألف جنيه، وعدم جدوى استثمار كل تلك الآلاف فى أى مشروع داخل البلد، اللافت أن هذه العبارات يرددها معظم الناجين وذويهم. 
أتصور أننا بحاجة إلى تفعيل دولة القانون بحسم ضد كل خارج عليها حتى لا يشيع خطاب الفوضى، كما نحتاج خطابا يناقش تساؤلات الواقع والمستقبل التى تدور فى أذهان المصريين، لمواجهة خطاب اليأس والتشكيك الدافع للعبور نحو الموت.