الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رجل عصر النهضة المصري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«ترانيم المساء» هى ترانيم القناعة، وسر السعادة الحقيقية فى الحياة البسيطة، التى تعرف كيف تستمتع بالقليل، فأجمل الأشياء فى الحياة بل أهمها هى هدية مجانية تمامًا.
وهى الحلم الجميل الذى عشته فى لوحات معرض فن تشكيلى، يسكن دومًا فى الذاكرة، زرته مصادفةً منذ عدة سنوات، لطبيب عيون، وعازف بيانو وكمان، ومغنٍ كلاسيكى من طبقة «الباريتون»، وفنان لا يرسم بدافع التسلية، وقتل وقت الفراغ، بل بحافز الحب، والإيمان، والدراسة الجادة المتأنية.
هو الطبيب الفنان «فريد فاضل» الذى وصفته الموسوعة العالمية International who`s who of intellectuals سنة ١٩٨٧ أنه «رجل عصر النهضة» غير العادى؛ لأنه يجمع بين الطب والفن التشكيلى والموسيقى.
تهبنا أعماله عادةً أجواءًا مشرقةً ومبهجةً ومتفائلةً رغم بساطة أحوال الظاهر فى كل شىء؛ الناس، الشوارع، الحارات، البيوت، بأسلوب فنى رفيع المستوى، ودقيق التفاصيل، وسليم التشريح.
يقول فى كتيب معرضه «هنا القاهرة»: «علاقتى بالقاهرة معقدة، فأنا أفتقدها سريعًا عندما أسافر؛ ربما لأنها تشعرنى بالحياة نفسها؛ أو لأن أهلها لديهم القدرة على استيعاب الآخرين بسرعة مذهلة، وأحيانًا لا أطيقها، فأغمض عينيى عن قبح عشوائياتها، وأعيد اكتشافها عبر لوحات تغوص داخل أحيائها العتيقة». 
تجسد ألوانه «القاهرة» القديمة، بحواريها، وجوامعها، وكنائسها القديمة، ومظاهر الحياة فى القرن التاسع عشر، و«القاهرة» مدينة العبادة والابتهال، وتعانق الأديان، والحب، والسلام، و«القاهرة» فى جماليات الحياة اليومية رغم صعوبتها وقسوتها، والتى لا نراها بوضوح، رغم وجودها الدائم حولنا، وأخيرًا «القاهرة» الثائرة التى رسم شبابها الفرسان خطوطها الجديدة، التى ترفض بإصرار أنصاف الحلول.
تحتضن ريشته كل جزء فى مصر، وتحتفى بأهلها، وملامحهم الطبية والراضية، وعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة، وروعة الطبيعة والحياة المتدفقة فى كل مدنها وقراها، وتلبسها دومًا أجمل الثياب، كعروس فى ليلة زفافها، بألوان مبهرة، ورؤية مستبشرة رغم كل شىء.
أعلن أول بيان عن نظريته «المدرسة الطبيعية الجمالية المتكاملة» بمتحف «توليدو» للفنون بأمريكا، والتى تتلخص فى خمسة ركائز أساسية لخلق لوحة فنية هى تصالح الفنان مع نفسه، وتصالحه مع الطبيعة والذات الإلهية، وخلق علاقة روحانية بين الفنان وفنه، وإلمامه وتذوقه لكافة الفنون المختلفة الأخرى، والتواصل الحى بين الفنان والمتلقى من خلال مضمون رسالته الإنسانية.
يفضل الفنان عادةً استخدام ألوان الزيت فى لوحاته؛ لأنها تمنحه الدرجات المطلوبة للظل والنور، لكنه يلجأ أحيانًا إلى الأقلام الملونة المائية؛ ليضفى عليها طبيعة ناعمة وشفافة وصافية.
يؤكد أن جمعه بين الطب والفن التشكيلى والموسيقى ضرورة، لأن التركيز على إعداد شخصية الفنان هو الأهم فى نظره؛ كما أن الفن ليس حرفة، بل عملية خلق تنبع من روح الفنان، أما الطبيب الفنان فهو يملك -دون غيره- رؤية مرهفة، وواعية، تمكنه من تشخيص المرض.
إن إحساس الطبيب الفنان بملمس الأشياء، وبريق العناصر، وطبيعة الخامات، وإحاطته بقوانين التكوين، وعلم التشريح، والمنظور، جعله يعبر بطلاقة فى أعماله الفنية عن العالم من حوله، دون الانزلاق فى الأخطاء الشائعة، وركاكة الأداء.
منحته دراسة طب العيون التعرف على نظريات الضوء، والألوان، والبصريات، والبعد الثالث، والتكوين التشريحى للعين، وكافة تفاصيل أعضاء جسم الإنسان، كما كشفت له الكثير عن أسرار النفس البشرية على المستوى الإنسانى والفكرى والاجتماعى، بحكم علاقة التقارب بين الطبيب والمريض، وكان لكل هذا أثره المتفرد فى عمق فكره وإحساسه ورؤيته.
يرى أن التصوير «الفوتوغرافى» لن يحل أبدًا محل الرسم؛ لأن الأول يسجل لحظة، أما الثانى فيسجل فترة طويلة، تمكنه من خلق شخصية لها روح، تبرز كافة التفاصيل، وتنبض بالإحساسات الحية.
يفضل العزف على آلة الكمان عادةً قبل الاستغراق فى الرسم، لخلق جو ملهم، يجعله فى حالة توهج، واستعداد، وتهيئة وجدانية، للدخول فى أتون تجربة فنية جديدة.
إن الارتباط وثيق جدًا بين الفن والطب، فكلاهما يمس حياة الناس، ومشاعرهم، فالطبيب يعالج آلام الناس، ومعاناتهم، والفنان يعالج آلام الإنسانية، ومعاناتها.