فى «أهلا يا بكوات» عاد الزمن بالبطلين قرنين إلى الوراء فوجدا أنهما فى عصر المماليك، ولم يفلح وعيهما بالحاضر فى تغيير الماضى بل إن ذلك الوعى عذبهما ومزقهما نصفين. وذهب الاثنان كل إلى جهة أخرى.
أحدهما حاول أن يغير الماضى ولو قليلا مثلما حدث فى «أهلا يا بكوات» أما الثانى ففضل أن يعيش معهم كما وجدهم. وصار مثلهم ليعيش فى راحة ولكن الاثنين لقيا نفس المصير فى النهاية.
وقال بعض الذين أعجبتهم المسرحية إن ذهاب الاثنين إلى الماضى يصور الردة الفكرية التى حدثت لمجتمعنا. وأن البكوات هم الذين عادوا إلى حياتنا فلم نملك إلا أن نقول لهم «أهلا.. يا بكوات».
وكنت أرى أن بطليهما توهما - مثلنا جميعا أننا نعيش فى الحاضر حتى أفاقا على الحقيقة وهى أننا لم نخرج من جب الماضى بعد لكى نعود إليه.
وفى «وداعا يا بكوات» يذهب البطلان إلى المستقبل بعد ثلاثة قرون.
وقد يسارع البعض فيعتقد أن المسرحية ترسم صورة المستقبل وأن البكوات هذه المرة يذهبون بلا رجعة، فلا نملك إلا أن نقول لهم وداعا.
ولكنى أظن -وقد أكون مخطئا- أن المسرحية لا تعرض شكل الحياة فى المستقبل، فلا يمكن لخيالى أن يقفز هذه القفزة الواسعة إلى المجهول، ولست مغرورا إلى حد يجعلنى أحاول أن أتكهن أو أتنبأ بزمن لم يولد بعد.وبالقطع لن أحضره. بل هى إذن مسرحية تتحدث عن الحاضر.
هذا الحاضر الذى أتاح للبطلين هذه المرة أن يسافرا إليه فيلمحا بعض أنواره وظلاله ويمرا على تخومه ويعيشا على ضفافه وقتا أشبه بأطياف حلم غامض غريب، وعندما أفاقا أدركا أنه لم يكن حلما وأن ذلك الحاضر ربما سيمر بنا ولكننا لن نعرفه ولن يعرفنا. وباختصار فى هذه المسرحية أروى حلما عن الحاضر.
حلما لا أتمناه. ولكنى أخشى أن أفيق منه على الواقع أو أقل منه!
فى فبراير ٩٢ كانت «أهلا يا بكوات» تعرض للعام الثالث عندما خطرت لى فكرة هذه المسرحية. لتكون المسرحية رقم ٢٦ فى أعمالى.
ولعلها الكآبة التى تداهم بعض الناس فى يوم ميلادهم هو الذى دفعنى فى العام الماضى لأن أكتبها بالفعل.. ليس أكثر.
وكان ذلك أيضا فى يوم ميلادى. وفى أكتوبر قررت أن أهدى لنفسى مسرحية كما فعلت من قبل. قررت أن أبدأ الكتابة فى «وداعا يا بكوات».
فكتبت «الإسكندرية» فى ١٨ أغسطس ٩٥.. أشكر كل من ساهم فى تقديم هذا العمل.. وأطلب عفوكم أو رضاكم. ولعلى أفوز بأحد منهما.
كما جاءت لى فكرة «أهلا يا بكوات» فى يوم ميلاد مثله من ١٣ عاما.
فكتبت لنفسى الآتى أيضا: «لا تحاول أن تثبت شيئا فى المسرحية.
عش المشكلة مع الأبطال لأنها مشكلتك أنت أيضا. أنت لن تعرف الحل.
بل لن يعرف الحل من سيأتى بعدك ولكنك على الأقل ستثير المشكلة وتنبه الأذهان وتجعل البعض يشاركك الحيرة والقلق أو التعاسة. أما الأغلبية فلن يفهموا شيئا إلى نهاية الدنيا. ثم اهتم ببعض الضحك من أجل خاطر البلهاء، وخاطر العقلاء أيضا! كى يمد الضحك العقلاء ببعض الشجاعة لمواجهة الموقف. وبعض الضحك للبلهاء عله يسعدهم قبل أن يعانوا الشقاء. وكل سنة وأنا طيب.... وأكتب»!
وكانت محاولة عرض صورة المستقبل البعيد بعد ثلاثة قرون عصية على
تخيل القادم. فاقترحت الدكتورة هدى وصفى مديرة المسرح القومى وقتها أن نستعين بمصمم فرنسى لوضع تصميم ديكورات المسرحية. وجاء الرجل واحتار فى تصميم الديكور ثم استقر على تصميم بسيط ولكنه موحٍ. ومن خلال أحداث المسرحية.
لكن الغريب أن الرجل اندهش من مرور هذا العمل بلا أى رقابة!.
وقال إن عملا مثل هذا قد يسبب حرجا للفرنسيين إذا عرض بهذا العرض! ودهشت بدورى ربما لأنه لم يجرؤ أحد أن يتخيله بشكل يمكن أن يثير القائمين على هذا العمل سواء عندنا أو عندهم!.