الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"غرقى رشيد"... كانوا يستطيعون أن يمنعوهم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أحدثت كارثة ضحايا الهجرة غير الشريعة التى وقعت أمام شاطئ «رشيد» صدمة عنيفة فى وجدان الشعب المصرى، بعد أن فتحت علينا بابا جديدا للموت والحزن، يضاف إلى أبواب الموت التقليدية فى بلادنا، الإرهاب، حوادث القطارات، انهيار العقارات... وغيرها من الكوارث التى تحل علينا بين الحين والآخر، فننفعل ونغضب ونثور، ثم نتحرك سريعا، فى عشوائية مقيتة، لإصدار قوانين وتشريعات لتغليظ العقوبات على المتسببين فى هذه الحوادث. وفى أذهاننا أننا بذلك قد قضينا على المشكلة، وأنها لن تعود، لكننا نفاجأ بأنها تعود مرة أخرى، وبكارثة أكبر وأكثر إيلاما.
هذا السلوك يدفعنا لأن نطرح سؤالا مهماً، هل تغليظ العقوبة بعد حادث غرق مركب رشيد بتحويل جريمة سماسرة الهجرة غير الشرعية من «جنحة» إلى «جناية» سيمنع الهجرة غير الشرعية أو يحد منها؟ 
الإجابة بالطبع لا وألف لا.
إن المستفيد الأكبر من هذا التعديل التشريعى هو سماسرة الموت أصحاب الذمم الخربة، لأنهم سوف يضاعفون جمع الأموال التى يحصلون عليها من شبابنا، فبدلا من دفع ثلاثين ألف جنيه مقابل هجرة شاب واحد، سوف يرتفع السعر لسبعين ألفا، ومائة ألف، مبررين ذلك لهم أن نسبة المخاطر القانونية ارتفعت ضدهم!
إن الجميع يفكر فى حل هذه المعضلة بتغليظ العقوبة، ولا أحد يفكر فى تفكيك الأزمة بمعرفة الأسباب الحقيقية التى تدفع الشباب إلى الهجرة غير الشرعية، وإلقاء أنفسهم فى مجاهيل البحر، من أجل الوصول إلى الشاطئ الآخر بكل معاناته ومتاعبه!
إن حل الأزمة يكمن فى قدرتنا على البحث لتشخيص الحالة ومن ثم علاجها.
لم يسأل أحد نفسه، ما الذى يدفع الآباء والأمهات الفلاحين البسطاء إلى بيع كل ما يمتلكون من حطام الدنيا، بل والاستدانة، من أجل تدبير نفقات هجرة أبنائهم المحفوفة بالمخاطر، والزج بهم إلى أوروبا فى قوارب الموت، رغم كل ما شاهدوه وسمعوه عن شباب سافر وعاد جثة هامدة قبل أن يصل إلى الشاطئ الآخر؟! 
إن العامل المشترك فى إجابات الأهالى على هذا السؤال، هو دفع ابنهم للسعى وراء لقمة العيش، والبحث عن حياة أفضل، ليكون (ضهر) وسندا لهم يحميهم من صعاب الحياة، بعد أن يحصل الشاب المهاجر على جنسية إحدى الدول الأوروبية، فيعود لمصر ومعه تلك الجنسية، التى تفتح له مغارة على بابا فى التعاملات مع الآخرين، خاصة فى تعاملاته مع المصالح والهيئات الحكومية، التى تبدأ من وقت وصوله للمطار وحتى خروجه من مصر، فبعض هؤلاء الشباب يجيء إلى مصر ليتزوج من ابنة بلده، ثم يتركها ويسافر، وقبل موعد ولادتها يرسل إليها لكى تحضر له إلى البلد الأوروبى الذى سافر له، حتى يحصل مولوده على جنسية أجنبية بعد ولادة زوجته على أرض تلك الدولة الأوروبية، وبالتبعية، تحصل الأم على نفس جنسية أولادها، فتتغير حياته تماما، ويعود ليتباهى (البعض منهم) بأنه أصبح إنسانا أجنبيا، فيشعر بالفخر بين أقرانه، كونه استطاع أن يبنى مجدا فى حياته من خلال حصوله على الأموال وجنسية الدولة الأجنبية (هكذا يظن).
هذه الطبقات الفقيرة والمتوسطة من الشعب المصرى، خاصة فى الأرياف كل همها أن تعيش حياة كريمة، يُحترم فيها الإنسان، بغض النظر عن منصبه أو عائلته أو جاهه أو سلطانه، فلو كان هؤلاء الشبان يبحثون فقط عن المال لكانوا دفعوا هذا المبلغ الكبير (الذى يصل إلى ثلاثين ألف جنيه أو أكثر للفرد الواحد) وسافروا لأى بلد خليجى، ليعملوا هناك، ومن ثم يعودون محملين بالأموال والهدايا، إلا أنهم لا يستهدفون هذا الأمر، بل يطيرون إلى دول أوروبا التى لها سحر آخر، حالمين بتحول كامل فى المعيشة والحياة، والعيش فى بيئة تحترم كرامة الإنسان وآدميته.
إن حلم أغلب هذه الأسر، يتلخص فى الأمل أن تتحول إلى الأفضل، حتى لو كان ثمن هذا الأفضل إلقاء أولادهم فى قاع البحر. لقد اشتدت المعاناة، واستغل ذلك أصحاب الذمم الخربة (السماسرة وأباطرة مراكب الهجرة غير الشرعية)، وخربت معها ذمم بعض الذين غضوا الطرف عن هجرة هؤلاء فى ظلام الليل، وكانوا يستطيعون أن يمنعوهم، ولم يفعلوا.