أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى مبادرة جديدة فى سلسلة مبادراته لبناء مصر الجديدة، وهى الاستفادة من «الفَكَة» التى تضيع من المصريين فى معاملاتهم المالية اليومية فى بناء مشروعات جديدة لصالح المواطنين. وهى مبادرة جيدة تعمل على الاستفادة من التبرعات فى بناء الوطن، وهذا لا غبار عليه، حيث قامت عديد من المشروعات الوطنية الكُبرى على التبرعات قديمًا وحديثًا، ولعل أقدمها ما ذكرته صباح الأحد الماضى فى حفل استقبال الطلاب الجدد بكلية الإعلام جامعة القاهرة، حيث قلت لهم إنهم يجب أن يفخروا أنهم ينتمون إلى أقدم جامعة مصرية وعربية تأسست على التبرعات عام ١٩٠٨، أى منذ ما يزيد على قرن من الزمان.
ولا يمكن أن ننسى وقوف الشعب المصرى خلف جيشه بعد هزيمة ١٩٦٧، حيث قرر المصريون إعادة بناء الجيش وإعداده لخوض معركة استرداد الكرامة فى السادس من أكتوبر ١٩٧٣، ولا ننسى ما بذله المصريون من أجل قواتهم المسلحة لدعم المجهود الحربى، ولا ننسى حفلات وجولات السيدة أم كلثوم فى مصر وباريس وعواصم عربية لدعم المجهود الحربى وجمع التبرعات للجيش المصرى.
وقتها لم يسخر المصريون من دعوات تدعو للبناء، وإصلاح ما انكسر، ولكن اليوم هناك شىء ما خطأ، لن أقول مؤامرة، ولكنه تصيد متعمد لأى شىء يرد فى خطاب للرئيس، لكى تبدأ وصلات السخرية على مواقع التواصل الاجتماعى لأُناس فقدوا التمييز بين الجيد والردئ، فقدوا التمييز بين الإيجابى والسلبى.. صدقونى أن تمدوا أيديكم لبناء الوطن أشرف ألف مرة من أن تجلسوا كعواجيز الفرح.. لا منكم ولا كفاية شركم، مصر تحتاج إلى سواعد أبنائها، ومصر ليست فى حاجة إلى ألسنة أبنائها الحِداد لكى تلوك كل من يسعى لبناء هذا الوطن.
وبدلاً من أن ننساق معصوبى العينيْن مسلوبى الإرادة وراء الكتائب الإلكترونية لجماعة الإخوان و«الكوميكس» التى تصممها وتنتجها الجماعة بالتعاون مع شبكة «رصد» الإخوانية، يجب أن ننظر ماذا قدمت التبرعات لمشروع «غيط العنب» بالإسكندرية، مساكن آدمية حديثة تليق بالمصريين فى العهد الجديد، ومساحات خضراء، وملاعب، ومركز للتأهيل المهنى للقضاء على البطالة، وتعليمهم مهنًا جديدة تجعلهم ينخرطون فى المجتمع يضيفون إليه ولا ينتقصون منه. ومن قبل ذلك ننظر إلى ما قدمه صندوق «تحيا مصر» للمصريين فى منطقة «الأسمرات»، لننظر إلى الطموح الرائع بأن تتخلص مصر من العشوائيات التى تشبه أحزمة النار حول مدننا خلال عاميْن ونصف العام اعتمادًا على التبرعات، دون تحميل ميزانية الدولة أعباءً كبيرة.
إننى لن أتهم مستخدمى شبكات التواصل الاجتماعى الذين سخروا من المبادرة بأنهم يشيعون «مناخًا تشاؤميًا»، لأن مصر أكبر من هؤلاء جميعًا، ولأن الهرى على «فيسبوك» و«تويتر» لن يبنى دولة ولن يهدمها، خليكوا ع «فيسبوك» و«تويتر».. اوعوا تروحوا فى أى حِتة.. خليكوا مع العَجَزة والمثبطين والمرجفين والمشككين والقاعدين حتى تضيق عليكم الأرض بما رَحُبَت، لن تسعكم سوى الشاشات والكيبورد ومنصات «القطيعة» الاجتماعية والفجوات المعلوماتية والنِكَات السَمِجَة التى لم تعد تُضحك أحدًا.. أنتم من يضحكُ عليكم.. وسيتجاوزكم الزمن وأنتم جالسون فى أماكنكم.
أما عن مبادرة الرئيس عن تجميع «الفَكة» لكى ينجز بها مشروعات فى صالح الوطن، وإشارته إلى أنه لا يعرف كيفية الحصول عليها، فالمسألة بسيطة للغاية يا ريس، وهى أن يتم تصميم برنامج «سوفت وير» Software بسيط يتم وضعه على أجهزة الكمبيوتر فى شبكات الحاسب الآلى فى جميع البنوك العاملة فى مصر وماكينات الصراف الآلى والمصالح الحكومية المتعاملة مع الجمهور وعلى آلات منصات الدفع «الكاشير» بالشركات والمحلات الكبرى والمطاعم والفنادق ومحطات القطارات ذات المسافات الطويلة وكل المنشآت والخدمات الموجودة فى البلاد، على أن يتعامل هذا البرنامج على تحويل أى مبلغ أقل من خمسة جنيهات «فَكَة» مباشرة إلى حساب بنكى، وسوف يتم ذلك بشكل مباشر فى البنوك، وسيتم استخدام البرنامج نفسه فى المؤسسات الأخرى لتجنيب «الفَكة» فى حساب مستقل لتوريده للبنك فى نهاية كل أسبوع أو نهاية كل شهر بالنسبة للمؤسسات والقطاعات الأخرى.
ويمكن أن تتعاون مؤسسة الرئاسة مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على الانتهاء من تصميم هذا البرنامج بأسرع ما يمكن لكى يتم تدشينه مع احتفالات أكتوبر القادم، لكى تتحول مبادرة الرئيس إلى واقعٍ فعلى، علمًا بأن هذا لن يُضير أحدًا، لأن معظم هذه الفكة لا يحصل عليها المصريون، بل يتركونها فى الغالب فى أثناء معاملاتهم المالية، لعدم وجدود «فَكَة»، ولكن من خلال هذه «الفكة» إذا تم تعميم التجربة كما ذكرت على كل المؤسسات العامة والخاصة فى مصر يمكن أن نجمع مليارات الجنيهات علشان نبنى مصر، ومش عيب إن احنا نبنى مصر بفلوس المصريين.
تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر.