الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

العرب وحلب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما تكون فرنسا محبطةً وتشعر بالعجز، مثلها مثل كل الدول الأوروبية، تجاه ما يفعله الروس والإيرانيون فى حلب، وعندما لا يملك الرئيس باراك أوباما، الذى بات يجهز حقائبه لمغادرة البيت الأبيض، سوى «التعبير عن قلقه» تجاه هذا العدوان البربرى الغاشم على شعب كل ذنبه أنه انتفض على «نظامه» الاستبدادى، وعندما يسارع بعض العرب -إزاء هذا كله- إلى اختيار «المساحات الرمادية»، فإن هذا ما يشجع فلاديمير بوتين على الاستمرار فى عدوانه الغاشم ومواصلة تحدى كل دول الكرة الأرضية.
ربما بالإمكان تفهم اكتفاء باراك أوباما، رئيس أكبر وأهم دولة فى العالم كله، بالإعراب عن «قلقه» إزاء ارتكاب الروس كل هذه الجرائم التى يرتكبونها فى حلب، وربما بالإمكان أيضًا تفهم إعلان باريس عن «إحباطها»، لكن أن يهرب بعض العرب إلى موقف اللا موقف وإلى المساحات الرمادية بينما تمزق شظايا القنابل العنقودية الروسية أجساد أطفال «الشهباء»... أطفال الأمة العربية... أطفالنا! فإن هذا ستنقله كتب التاريخ إلى الأجيال المقبلة كوصمة عار على جبين أمة تواطأت مع «الأعداء» الذين جاءوا من وراء الحدود ليدوسوا على كرامتها!
ربما أن ما لا نقاش فيه هو أن العرب كلهم، العاربين منهم والمستعربين، قد فرحوا بنهوض روسيا «الاتحادية» من كبوتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتى، الذى كانت أهم إنجازاته الحفاظ على التوازن الدولى بين الغرب والشرق، وراهنوا على أنها ستكون سندًا لهم، وأنها ستدعم الشعوب العربية فى التخلص من أنظمتها الظالمة، كما تخلص الروس من ظلم الحزب الواحد، لكن الخيبة كانت كبيرة عندما بادر «الرفيق» فلاديمير بوتين إلى التعامل مع هذه المنطقة من خلال الاحتلال العسكرى المباشر لسوريا، ومن خلال إقامة قواعد عسكرية فيها، على غرار ما فعله قادة الاتحاد السوفييتى عندما أحبطوا انتفاضة الشعب المجرى فى عام ١٩٥٦ بجنازير الدبابات وبالحديد والنار، وإحباط «ربيع براغ» بالقوة الغاشمة فى عام ١٩٦٨. كنا نعتقد أن تعاطى فلاديمير بوتين مع الأزمة السورية بـ«دبلوماسية» القبضة المرتفعة، وبالتلويح بالقوة العسكرية من أجل تحسين مواقع روسيا فى المعادلة الأوكرانية، ومنع حلف شمالى الأطلسى من إقامة قواعد لصواريخه الاستراتيجية فى بعض دول أوروبا الشرقية المتاخمة لبلاده من الجهة الغربية، لكن ما لبث أن تبين أن اعتقادنا هذا كان خاطئًا، وأن النزعة الستالينية لدى الرئيس الروسى هى التى جعلته يتصرف فى سوريا كما تصرف أسلافه السوفيت فى المجر وفى تشيكوسلوفاكيا ورومينيا. لقد ثبت، إلا لأعمى بصر وبصيرة أو منحازٍ إلى الباطل ضد الحق، أن آخر ما يهم الروس والإيرانيين، بالنسبة إلى سوريا، هو القضاء على «داعش» و«النصرة» كما يدعون ويقولون، وأن الهدف الحقيقى لهؤلاء وأولئك هو تطلعاتهم التوسعية، وهو استغلال ظروف عربية بائسة للتمدد الاحتلالى فى هذه المنطقة. 
وهنا، فإن هذه مسألة يجب أن يفهمها عرب المواقف الرمادية الذين عليهم أن يدركوا أن من لم يتردد فى ذبح حلب لن يتردد فى الانتقال إلى مدينة عربية أخرى، وأن الوقوف من أطراف الصراع فى هذه المنطقة على مسافة واحدة لن يفيد أصحابه... 
و«ليس يُنجى موائلًا من حذارٍ طودُ عزٍّ أو حرة رجلاء».
نقلاً عن الجريدة الكويتية