يزداد اقتناعي يومًا بعد يوم بخطأ كبير وقع فيه باحثو الإسلام السياسي، حينما صنفوا تلك التيارات على مقياس التشدد والاعتدال، رغم أنها في الأصل واحد، فهم جميعًا يعتبرون العنف آداتهم المفضلة لفرض رؤاهم "التكفيرية" على العالم، وكذلك يزداد اقتناعي بوقوع خطأ أكبر لدى إدارات دولٍ عظمى، وفرت ملاذًا آمنا لهم، وسمحت بنشر أفكارهم المتطرفة بين مواطنيها، فيما استغلت تلك التيارات آليات الديمقراطية المتاحة في تلك الدول، وأعطوا انطباعًا مغايرًا عنهم، ونجحوا في إيقاع مؤسسات إعلامية وحقوقية دولية في شراكهم الخداعية.
ويظل السؤال معلقا.. كم جريمة قتل واغتيال يحتاجها العالم حتى يتأكد أن الإخوان المسلمين جماعة إرهابية؟ لقد قتلوا بدم بارد كلاً من النقراشي، الخازندار، جمال عبدالناصر، أنور السادات، الشيخ الذهبي، فرج فودة، هشام بركات، وأخيرًا وليس آخرًا كاتبنا الأردني الكبير ناهض حتر الذى أبى أن يرحل قبل أن يجردهم من ورقة التوت الأخيرة ومعهم مؤسسة كارنيجي البحثية الأمريكية!!
قبل عام أصدر المركز البحثي الأمريكي بحثًا وصفوا فيه جماعة الإخوان بأنها جماعة معارضة، ثم قال ناثان براون وميشيل دن معدا البحث بالنص: "ربما تكون جماعة الإخوان المسلمين في مصر المنظمة غير الحكومية الأنجح في تاريخ البلاد، حيث كانت تزدهر عندما يتم التساهل معها، وتبقى حية عندما تُقمع، وتجدّد نفسها بين حين وآخر على مدى ما يقرب من تسعة عقود"، واجتهد الباحثان فى إدانة تعامل الدولة المصرية القوى معهم مع تكرار إدانة مواجهتهم وتبرير لجوئهم إلى الإرهاب.
مثل تلك الأبحاث هي التي دعمت وجود الإخوان "كقوة معارضة وصفت بالمعتدلة في خريطة معادلات الشرق الأوسط التي أشار إليها كاتبنا "شهيد حرية التعبير" ناهض حتر الذى كتب نصًا عقب ثورة 30 يونيو شرح فيه العلاقات الأمريكية الإخوانية بقوله، "لكن المشكلة الإخوانية الجوهرية تظل تكمن في أنهم أتوا إلى الحكم في سياق التفاهم مع الأمريكيين وهو تفاهم قام على نقطتين، عدم المساس بمعاهدة كامب ديفيد واستمرار العلاقات والتنسيق مع إسرائيل، عدم المساس بنهج الخصخصة واقتصاد السوق المعولم وحرية التجارة".
معنى ذلك أن مركز مثل "كارنيجى" وغيره من مراكز التفكير الـ"Think tank" الأمريكية قد حققوا نجاحا في تحويل جماعة إرهابية فكرًا وعملاً إلى قوه معارضة معتدلة يمكن التفاهم معها، بل ومساعدتها فى الوصول إلى الحكم أيضا في دولة بحجم وثقل مصر، وهو ما يتكرر في سوريا عبر جبهة النصرة وفتح الشام وغيرهما من اللتين اعتبرتهما الولايات المتحدة جماعات معارضة معتدلة، رغم جرائهما الدموية البشعة وغير الإنسانية التي تابعها العالم كله.
يجد الإخوان دائما نفسهم في حالة تهديد بسبب وجود مفكرين من أمثال ناهض حتر فهؤلاء حقيقيون لا يساومون على أفكارهم، ولا تغيرهم المال والمناصب ولا الورنيش الإعلامي القطري، ولا تليفونات ورسائل عزمي بشارة.. فحينما تنفذ حيلها تبدأ في التربص منتظرة وقوع الضحية في فخ يشتم فيه الإساءة للإسلام، ثم تطلق كلابها ورائه، وهو ما حدث حرفيًا مع الكاتب الراحل الذى أعاد نشر كاريكاتير عبر حسابه على "الفيس بوك" تم تفسيره من قبلهم على أنه تجسيد محرم للذات الإلهية، رغم أنه شرح الرسم من وجهة نظره وقال: إنه "الرب في مخيلة الدواعش" لا في مخيلتي، وعلى إثر ذلك خضع للمحاكمة، ثم اغتيل قبل أن يقول القاضي كلمته.
قبل الاغتيال بنحو شهر، طالبت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، في بيان أذاعه الناطق الإعلامي باسمها، حرض فيه على انزال أقصى العقوبات بحقّ الكاتب ناهض حتر، قال نصًا: "نهيب بعلمائنا أخذ دورهم والقيام بواجبهم لمواجهة فكر الإلحاد والتشويه لهذا الدين الحنيف، مذكرة الجميع أن الدستور (الأردني) ينصّ على أن دين الدولة هو الإسلام!.. وبالفعل نفذ حكم الجماعة أحد رجال الدين السابقين في الأردن بثلاث رصاصات في قلب العاصمة الأردنية عمان بوضح النهار.
وعقب نجاح عملية الاغتيال، أصدرت الجماعة بيانًا موجهًا للغرب قالت فيه: إنها تلقت بآسف نبأ مقتل الكاتب حتّر، وأعربت عن إدانتها للجريمة، وما وصفته بالطريقة البشعة التي تمّت بها، ورغم تناقض البيانات الذي يشير إلى حالة "الشيزوفرينيا" التي تعيشها الجماعة "المعتدلة أمريكيًا وأوروبيًا"، إلا أنها كانت كاشفة ككثير من بياناتها التي تعترف حروفها بجرائمهم في حق مجتمعاتهم ودينهم.
مازلت أطرح السؤال بلا جواب، وكأنه صرخة مكتومة ضائعة في الفراغ السرمدي.. متى سينتبه العالم ويبدأ في التحرك نحو هذه الجماعة وأفكارها ويوقف المراكز الحقوقية والبحثية المخترقة بأفكار الإخوان المريضة والمتناقضة.. من سيلحق بـ"حتر" على مقصلة حرية الفكر والتعبير التي يكفروها في الشرق، ويتباهون بها في الغرب.. ألم يكتفى العالم من سفك الدماء الطاهرة التي سالت في الشرق الأوسط؛ بسبب رغبتهم في اعتلاء السلطة وتطبيق أحكامهم الظلامية؟.. لا أدري.