السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ومن الكذب ما قتل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربما لو صدقنا مع أنفسنا لنلنا كل ما نتمناه، فأول كذبة وأعظمها هى التى نقنع بها أنفسنا لرؤية شيء كما نريد وليس على حقيقته.
إقناع الذات بأشياء نتمناها وهى ليست موجودة بالفعل فينا هو سبب أساسى لعدم وصولنا لأهداف نحلم أن نصل إليها.
وأنا أعتبر هذا نوعا من أنواع الكذب وقد يرتقى للكذبة العظمى، فلو كذبنا على شخص ما لتبرير موقف أو للخروج من مأزق فهذا خطاء، وقد يتسبب فى سلسة من الأخطاء التى يمكن أن نتداركها فيما بعد، ولكن إن تعودنا أن نرى أنفسنا بشكل ليس حقيقيا قد يؤدى بنا هذا النوع من الكذب إلى التهلكة. 
نرى أن شبابنا منتج ويحب العمل ولا يجد فرصة، وهو ما يدفعه للهروب إلى الموت فى البحر. 
نرى أن شوارعنا نظيفة وأن الدولة هى من تلقى بالزبالة أمام بيوتنا.
نرى أن من حقنا توفير بنزين رخيص وسيارة فارهة وبيت بثلاث حدائق، ولكن بدون أن نتعب وأن نعمل ونرى أن بلدنا به ثروات يجب أن توزع علينا، وأن نكون أغنياء بدون أن نبذل أى مجهود.
نرى أن الحكومة مسئولة عن محاربة الفساد، ونحن أول من يتسارع بالبحث عن مخلص لكل مصالحنا، و«ندفع لكى نعدى» فنحن أساس الفساد.
نكذب ونصدق فلا نتغير، ولن نتغير حتى نصدق القول والفعل، ونرى بدون أى تلوينات.
حوالى عام ٢٥٠ قبل الميلاد فى الصين كان أمير على وشك أن يتوّج ملكًا ولكن كان عليه أن يتزوج أولاً بحسب القانون.
كان على الأمير أن يجد فتاةً يستطيع أن يمنحها ثقته العمياء. قرّر أن يدعو بنات المنطقة جميعًا لكى يجد الأجدر بينهن.
عندما سمعت امرأة عجوز وهى خادمة فى القصر بهذه الاستعدادات للجلسة شعرت بحزن جامح، لأن ابنتها تكنّ حبًا دفينًا للأمير.
وعندما عادت إلى بيتها حكت الأمر لابنتها، تفاجأت بأن ابنتها تنوى أن تتقدّم للمسابقة هى أيضًا.
فى المساء عندما وصلت الفتاة، كانت أجمل الفتيات قد وصلن إلى القصر وهن يرتدين أجمل الملابس وأروع الحليّ، وهن مستعدات للتنافس بشتّى الوسائل من أجل الفرصة التى سنحت لهن.
أعلن الأمير بدء المنافسة وقال:
سوف أعطى كل واحدة منكن بذرةً، ومن تأتينى بعد ستة أشهر حاملةً أجمل زهرة ستكون إمبراطورة الصين المقبلة.
حملت الفتاة بذرتها وزرعتها فى أصيص من الفخار، وبما أنها لم تكن ماهرة جدًا فى فن الزراعة اعتنت بالتربة بكثير من الأناة والنعومة، لأنها كانت تعتقد أن الأزهار إذا كبرت بقدر حبها للأمير فلا يجب أن تقلق من النتيجة.
مرّت ثلاثة أشهر ولم ينمُ شىء. جرّبت الفتاة شتّى الوسائل ولكن لم تحصل على أية نتيجة، يومًا بعد يوم أخذ حلمها يتلاشى، رغم أن حبّها ظل متأججًا.
مضت الأشهر الستة ولم يظهر شىءٌ فى أصيصها، ورغم أنها كانت تعلم أنها لا تملك شيئًا تقدّمه للأمير فقد كانت واعيةً تمامًا لجهودها المبذولة ولإخلاصها طوال هذه المدّة، وأعلنت لأمها أنها ستتقدم إلى البلاط فى الموعد والساعة المحدَّدين. كانت تعلم فى قرارة نفسها أن هذه فرصتها الأخيرة لرؤية حبيبها، وهى لا تنوى أن تفوتها من أجل أى شىء فى العالم.
حلّ يوم الجلسة الجديدة وتقدّمت الفتاة مع أصيصها الخالى من أى نبتة، ورأت أن الأخريات جميعًا حصلن على نتائج جيدة؛ وكانت أزهار كل واحدة منهن أجمل من الأخرى، وهى من جميع الأشكال والألوان.
أخيرًا أتت اللحظة المنتظرة، دخل الأمير ونظر إلى كلٍ من المتنافسات بكثير من الاهتمام والانتباه، وبعد أن مرّ أمام الجميع أعلن قراره، وأشار إلى ابنة خادمته على أنها الإمبراطورة الجديدة.
احتجّت الفتيات جميعهن قائلات إنه اختار تلك التى لم تزرع شيئًا.
عند ذلك فسّر الأمير سبب هذا التحدى قائلاً:
«هى وحدها التى زرعت الزهرة تلك التى تجعلها جديرة بأن تصبح إمبراطورة؛ زهرة الشرف، فكل البذور التى أعطيتكنّ إياها كانت عقيمة ولا يمكنها أن تنمو بأية طريقة».