من هو المسلم الحق؟ ومن هو المتأسلم؟ هذا هو السؤال الذي يواجه الجميع.. والإجابة تتطلب التفريق بين الإيمان الحقيقي، وبين المتشدد والمتطرف والمتعصب. القرآن واحد لا يتبدل حرف واحد منه، والسنة الصحيحة معلومة ومكتوبة ومعتمدة، ففيم يكون الاختلاف؟ إنه يأتي من الرأي. أي من الفهم الشخصي للقرآن وللسنة. وهنا يتحقق الاجتهاد بالرأي، وهو اجتهاد إنساني، يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ.
ولنستمع إلى ما قاله المسلمون الأولون..
· ا لإمام الشافعي : رأْيُنا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب.
· الإمام أبو حنيفة : رأينا هذا هو أفضل ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأفضل منه قبلناه.
· الإمام مالك : كل ابن آدم يؤخذ من كلامه ويرد ما عدا صاحب هذا القبر. وأشار إلى قبر الرسول.
· وقول لابن المقفع : “,”الدين تسليم بالإيمان، والرأي تسليم بالخصومة؛ فمن جعل الدين رأيًا جعله خصومة، ومن جعل الرأي دينًا جعله شريعة“,”.
.. والأمر واضح تمامًا؛ فإن البعض عندما يلتزم برأي في فهم المُعطَى المقدس يتمسك بهذا الرأي وكأنه جزء من المقدس ذاته؛ ومن ثم يتصاعد به، ويجعله مقصلة للمختلف معه. ويكون الرفض، ثم التهجم، ثم التكفير، ثم ما بعد ذلك.
ونرد على هؤلاء بقول علي بن أبي طالب: “,”القرآن لا ينطق وهو مكتوب، وإنما ينطق به البشر، وهو حمَّال أوجه“,”، وقبل هذا وذاك كان الحديث الشريف: «إن الله يبعث على رأس كل مائة من السنين لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها» [رواه أبو هريرة] . وقال الإمام السيوطي: ولا يشترط قدومه كل مائة سنة، وإنما كلما وجب التجديد.
ويكون التعصب للرأي الإنساني مدعاة لكل ما نحن فيه من تعصب طائش وتطاول مجنون على المخالفين، وهو ما تجلى في الآونة الأخيرة من فتاوى وادعاءات ومواقف ما كانت يومًا من تراث إسلامي حقيقي.. ويتألق صوت أبي ذر الغفاري، الصحابي الجليل: “,”والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي من كتاب الله ولا سنة نبيه، والله إني لأرى حقًّا يُطفأ وباطلاً يحيا، وصِدْقًا مكذَّبًا، وأثرةً بغير تقى“,”..
إنه ذات ما نعاني منه اليوم، بما يؤكد أن الداء قديم، والدواء قديم أيضًا، وهو الالتزام بالمعيار الأساسي.. المقدس يبقي مقدسًا والرأي يبقى إنسانيًّا، أي يحتمل الصواب والخطأ. وما دون ذلك خطأ فادح، وخروج على حكمة المقدس.
وفي القرآن الكريم نجد ما يحسم الأمر: ﴿قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً؟ الذين ضل سعيُهم في الحياةِ الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعًا﴾ [الكهف] . وبهذا نضعهم في موضعهم الصحيح. هم مسلمون، يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.. ولكنهم الأخسرون أعمالاً. ولهذا نسميهم بالمتأسلمين، وما يقولون به هو التأسلم وليس صحيح الإسلام.
ونعود إلى رأي الباحثين والمؤرخين والمفكرين..
· ابن جرير الطبري يقول في الجامع لأحكام القرآن: “,”لقد أجرى الله الأحكام بين عباده على الظاهر. وله وحده الحكم على سرائرهم دون أحد من خلقه. فليس لأحد أن يحكم بخلاف ما ظهر له؛ لأنه حكمُ بالظنون، ولو كان ذلك لأحد لكان أولى به رسول الله، وقد حكم للمنافقين بحكم الإسلام بما أظهروا، ووكل سرائرهم إلى الله“,” [الجزء الأول – ص200].
· أما الأستاذ أحمد أمين، المفكر الإسلامي الأشهر في الزمان الحديث، فيقول: “,”كان الناس في عهد النبي وبعده يتلون القرآن أو يسمعونه فيعنون بتفهم روحه، فإن عني علماؤهم بشيء وراء ذلك فبما يوضح الآية من أسباب النزول. وأكثر ما روى الطبري والصحابة في تفسير القرآن هو من هذا القبيل“,” [ضحى الإسلام – ص 385].
· أما الدكتور محمد حسين هيكل فيقول في ذات الاتجاه: “,”إن البعض قد أضاف إلى دين الله شيئًا كثيرًا لا يرضاه الله ورسوله، واعتُبرت هذه الإضافات من صلب الدين، ورُمِي من أنكرها بالزندقة، فقد أضافت أكثر كتب السيرة ما لا يصدقه العقل، ولا حاجة إليه في ثبوت الرسالة؛ ولأن هذه الأقاويل قد اعتبرها البعض من صلب الدين فقد رَمَى من أنكرها بالإلحاد“,” [حياة محمد.. ص 29]. ثم يضيف: “,”لقد لاحظ الذين درسوا كتب السيرة أن ما روته من أنباء الخوارق القديمة أقل بعدًا عن مقتضى العقل مما ورد في كتب المتأخرين“,” [ص51].. فكلما ابتعد الناس عن زمن الرسول كلما زاده في الخضوع للخرافة والقائلين بها. .. ولم يزل القول ممتدًا..