هرقل شخصية أسطورية مصرية قديمة، اخترعها الفراعنة الأماجد لتعبر عن قوة الإنسان المصرى القديم المواجه والمتحدى والمنتصر على وحوش الغابات التي تمتد في معظم أنحاء مصر في تلك الأزمنة البعيدة، وقد رسموه على جدران المعابد وصنعوا له التماثيل وهو يحمل الهراوة ويرتدى جلد السبع.
وتقول الأساطير المصرية، إن أوزيريس أو الإله أوزيريس بعد أن نظم الأمور في مصر، سلم تقاليد الحكم كله لزوجته إيزيس، ووكل إلى هرقل قيادة الجيوش في جميع أركان المملكة المصرية، لشجاعته وقوته الهائلة التي هي موضع إعجاب الجميع، ولقرابته به أيضا.
ثم بدأت رحلة أوزيريس سواء كانت حقيقية وأسطورية لتعليم البشر، وكانت الدول والمدن تفتح له الأبواب دون قتال، فدخل بلاد اليونان، وعلم اليونانيون الزراعة والفنون والموسيقى وكيفية تقديس الآلهة، وبعد أن جال أوزيريس في كل أوروبا عاد إلى أفريقيا وذهب إلى الحبشة وأقام المدن هناك وعلمهم شئون الفلاحة.
وبينما أوزيريس في رحلاته خارج مصر، فاض النيل وأغرق مساحة كبيرة من أرض مصر، وبخاصة المنطقة التي تقع تحت إشراف بروميثيوس الذي كاد يفقد عقله من الحزن على مئات المصريين الذين غرقوا عند ثورة النهر وفيضانه الهائل.
وأطلق بروميثيوس على النهر اسم النسر لسرعة تياره وشدة تدفقه، وانبرى هرقل قائد الجيوش المصرية لإنقاذ المصريين ومواجهة نهر النيل الثائر، فاستطاع سد الثغرة بسرعة، وأعاد النيل إلى مجراه وأنقذ مصر والمصريين. ويقص لنا المؤرخ ديودور الصقلى، كيف سرق الشعراء اليونانيون هذه الأحداث والشخصيات، وحولوا هرقل إلى بطل يونانى، وبروميثيوس إلى إله يونانى، وقالوا إن هرقل البطل الأسطورى اليونانى قتل النسر الذي نهش كبد الإله بروميثيوس، ويستمر ريودور في القص فيقول إنه بالرغم من أن الكهنة المصريين قد احتفظوا من قديم الزمان بقصة موت أوزيريس في طى الكتمان، إلا أنه بتراخى الزمان أطلع بعضهم العامة على هذا السر.
وأوزيريس فيما يقولون كان ملكا شرعيا على مصر، وقتله أخوه يتفون الذي كان قويا فاجرا، وبعد أن فرق جثته إلى ستة وعشرين جزءا أعطى كل واحد من حلفائه جزءا، لأنه أراد أن يشركهم جميعا في هذا الجرم.
ولكن إيزيس أخت أوزيريس وزوجته ثأرت لمقتله بمساعدة ابنها حورس، وقضت على تيفون ورجاله وجلست على عرش مصر.
وقد نشبت الموقعة بين إيزيس وحورس ضد تيفون ورجاله على شاطئ النهر بجوار قرية أنطايوس، وقد انحاز الإله أنطايوس إلى جانب تيفون الشرير، وانحاز هرقل قائد جيوش مصر إلى إيزيس، واستطاع قهر أنطايوس بعد أن رفعه بيديه القويتين في الهواء وأبعده عن ملامسة الأرض.
وهكذا يكون هرقل قد شارك في أخلد محلمة مصرية في كل العصور، ملحمة الصراع بين الخير والشر أو بين أوزيريس وأخيه ست «تيفون»، واستطاع إجلاس إيزيس وابنها حورس على عرش مصر. ويؤكد ديودور الصقلى أن هرقل المصرى قد جاب مساحات واسعة من المعمورة وأقام نصبا مصريا على حدود ليبيا، وهو رمز البطولة الخارقة عند المصريين القدماء.
وكما سرق اليونانيون تراث مصر وعلومها وديانتها وفلسفتها سرقوا هرقل وحولوه إلى بطل أسطورى يونانى.
ويروى لنا ديودور قصة هذا الهرقل اليونانى الزائف قائلا: بعد الانتهاء من تلك المعركة الضارية بين الخير والشر أو بين إيزيس وتيفون بعشرة آلاف عام ولد الكيوس اليونانى، الذي تأثر كثيرا بالبطل الأسطورى المصرى هرقل، فأخذ يقلده في ملبسه وتحديه للصعاب ووحوش الغابات، فأطلق اليونانيون عليه اسم هرقل المصرى.
والعجيب أن اليونانيين المتحررين جدا في تعاملهم مع الجنس قد حولوا هذا البطل الأسطورى أو هذا الرمز الرجولى الشامخ إلى رب أو زعيم للمثليين.
فقد كان المثليون اليونانيون يزورون نصبه التذكارى ومقبرته في الأعياد والمناسبات الدينية، أو يسألونه المساعدة والدعم إذا هجرهم المحبوب، كما كانوا يزورون قبر إيولوس عشيق هرقل.
والشاعر اليونانى ثاوقريطوس الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد، كتب قصيدتين هما رقم ١٢، و٢٩ في كتاب أعماله، تدوران حول قصة الحب التي نشأت بين هرقل اليونانى الزائف وبين الفتى أيولوس، وقد انتهت حياة هرقل على يد امرأة، فقد وقع هرقل في غرام ملكة ليديا الجميلة التي تسمى أمفالى، فترك الترحال ومطاردة الوحوش، وأقام مع حبيبته. والعجيب في أمر أسطورة هرقل المزيف اليونانى، أنه عندما ارتمى تحت أقدام محبوبته، رمى هراوته وخلع أردية جلود الأسد التي يرتديها، وقامت أمفالى حبيبته بارتداء جلود الأسد وحملت هراوة هرقل وسارت تتبخر في كل أنحاء مملكتها. ثم نفاجأ بهرقل اليونانى المزيف يرتدى ملابس محبوبته، ويحاول أن يتعلم حياكة الصوف مثل النساء فيكسر إبرة الحياكة، فتقوم أمفالى حبيبته بصفعه صفعات قوية على وجهه ومؤخرة رأسه.والأكثر عجبا أن هرقل والملكة أمفالى كانا لا يحلو لهما التجوال في مملكة ليديا إلا وهى ترتدى جلود الأسد وتحمل الهراوة، وهرقل يرتدى ملابسها النسائية ويحمل شلة الصوف وإبر الحياك.
ونسيت الملكة أمفالى موقع مملكتها بعد أن سارت مع هرقل مسافات طويلة، فقادت هرقل إلى أحد الكهوف حيث قضيا ليلتهما وهما يلهوان.
ثم أحست أمفالى أن هرقل يقصر في واجباته الزوجية فاتهمته بالخيانة، وقررت التخلص منه، وأقنعته أنه إذا ارتدى جلد القنطور ستعود إليه قواه الجنسية المفقودة.
وارتدى هرقل جلد القنطور فشعر بآلام شديدة وأحس أنه جلد قاتل، فحاول التخلص منه، ولكنه اكتشف أنه لا يستطيع خلعه على الإطلاق، فقرر أن يقتل نفسه بعد أن جن جنونه، فأضرم نارا عظيمة رمى نفسه فيها.