اعترفنا أننا بلا قوة أمام أوهامنا وأن حياتنا أصبحت غير قابلة للإدارة،
الاعتراف والوهم اثنان لا بد من مواجهتهما في حياتنا لكى ينصلح الحال فنصف حل أي مشكلة الاعتراف بالمشكلة، يعنى أننا وصلنا لمرحلة من الرؤية تتيح لنا فرصة حقيقية لحلول ستكون حلولا جذرية لما نراه رؤية حقيقية لمشكلة تنغص علينا الاستمتاع بشتى جوانب الحياة، أما أوهامنا فهى لب أي مشكلة لا نراها بل بالعكس نصاب معها بعرض مرضى يسمى بالإنكار، والإنكار أن نرى ما هو ليس حقيقة ونراه بشكل مخالف للواقع مع وجود أناس كثيرين حولنا يرون المشكلة بالشكل الذي ننكره ونبرر وجوده لأسباب ليست لنا عليها من تحكم وكالعادة نكون نحن المغلوبين على أمرهم.
نسمع عن الأحلام الوردية ونعلم تماما أن الأحلام لا تتلون بأى ألوان وكذلك نسمع عن النظرة السوداء للحياة، وكذلك نعلم علم اليقين أن النظر لا لون له بل هو انعكاس للون الأشياء لنظرنا فنراها بألوانها وعندما نريد أن نلون شيئا كالحلم بلون يليق مع أفكارنا سرعان ما نضع طبقة كالزجاج أمام أعين خيالنا ونختار تلك الطبقة بلون ما نريد أن يرى خيالنا تلك الأفكار، ومنا من يعيش حياة طويلة بتلك الطبقات الملونة دون أن يحاول أن يزيل تلك الطبقات من حياته ليرى الأشياء بألوانها الحقيقية وهذا هو الاعتراف، ويكمن بداخله نصف الحل فعندما نرى الأشياء وخاصة ما يخص تصرفاتنا وعاداتنا وأخلاقياتنا وسلوكنا وحبنا لذاتنا وحب الآخرين على حقيقته ونعترف أن أغلبنا يظهر عكس ما يبطن، فسيكون هناك فرصة كبيرة لوضع حلول وتعديل من مسار قد يؤدى بنا إلى جنة في الدنيا بأخلاقنا ورضانا عن أنفسنا وجنة في الآخرة برضا ربنا عنا وهو أرحم الراحمين. كان أحد البرامج الاجتماعية على قناة فضائية يتحدث منذ يومين عن الصناع المصريين وكيف أن بعضا منهم أصبحوا من المصدرين للمنتجات التي نفتخر بأن عليها شعار صنع في مصر، وعندما رأيت تلك الحلقة الشيقة للكبيرة إسعاد يونس فكرت كثيرا لماذا لا يوجد في مصر ٩٠ مليون مصنع ومصدر مع العلم أن ليست كل الصناعات التي عرضت تحتاج إلى مصانع وآلات، والتي تحتاج منها بدأت من منزل واستثمر عائد البيع ليصبح من أصحاب المصانع، ولاحظت أن معظم من تحدثوا وكانوا في عهد التسعينيات أباطرة السوق واليوم لا ننظر لهم كما نظر إليهم، من كان شابا في ذلك الجيل لدخول المنتجات المستوردة وعزوف الناس عن شراء ما هو مصرى مع العلم أن الناس هم من جعلوا أصحاب تلك المشاريع يطورون من أنفسهم وأن يتحولوا من تجار من منازلهم إلى أصحاب مصانع وجودة وتصدير وذلك عندما كنا ندعم أنفسنا وبالتالى ندعم بعضنا البعض.
لقد وضعت طبقات سوداء أمام أعين مخيلات هذا الجيل، سوداء أمام كل ما يُنتج من بلادنا ووردية أمام ما نستورده من خلال من وضعوا تلك الطبقات.
إنها جزء كبير من حروب نفسية واقتصادية، ولكى ننتصر لا بد أن نرى المشكلة والوهم المستشرى داخلنا، وأن نعترف به وأن ننظف زجاج رؤيتنا لنرى أننا نمتلك قدرة كبيرة أن نكون أمة عظيمة، وأن نحب بعضنا بدلا من أن نشك دائما في أنفسنا.
يُحكى أن رجلا انتقل مع زوجته إلى منزل جديد وفى صبيحة اليوم الأول وبينما هما يتناولان وجبة الإفطار قالت الزوجة مشيرة من خلف زجاج النافذة المطلة على الحديقة المشتركة بينهما وبين جيرانهما: انظر يا عزيزى إن غسيل جارتنا ليس نظيفا.. لا بد أنها تشترى مسحوقا رخيصا.. ودأبت الزوجة على إلقاء نفس التعليق في كل مرة ترى جارتها تنشر الغسيل.. وبعد شهر اندهشت الزوجة عندما رأت الغسيل نظيفا على حبال جارتها وقالت لزوجها انظر لقد تعلمت أخيرا كيف تغسل.
فأجاب الزوج: عزيزتى لقد نهضت مبكرا هذا الصباح ونظفت أنا لك زجاج النافذة التي تنظرين منها.
قد تكون أخطاؤك هي التي تريك أعمال الناس خطأ.