كان من المستحيل أن يترك المصرى أرضه وعائلته وعشيرته ويهاجر إلى الخارج. فقد عاش الإنسان المصرى منذ آلاف السنين على ضفتى نهر النيل يغمر الفلاح الأرض بعرقه ويغمر النيل الأرض بفيضه. فمصر هبة النيل والنيل أيضا هبة مصر.
وعلى هذه البقعة الطاهرة أقام المصريون أول وأروع حضارة وسطروا أعظم تاريخ وقدموا للإنسانية أسرار العلوم والفنون وفلسفة الحياة والكون ورسالة الإيمان والتوحيد. واستمر ارتباط المصرى بأرضه ارتباطا قويا حتى حينما كانت الأرض تضيق بالمصريين في وطنهم أوقات الأزمات والمحن، لم يفكر المصرى أبدا في أن ينتقل ويهاجر إلى أي بقعة أو أرض أخرى غير أرض مصر. وفى نفس الوقت لم يفكر أي حاكم مصرى على مدى آلاف السنين أن يغزو أي بلد جار حتى في أشد أوقات الأزمات ليوسع على نفسه ويستولى على ثروات وموارد الدولة الأخرى ليخرج من أزمته كما كان يفعل وما زال بعض الدول.
فبعد النكسة التي تعرضت لها مصر عام ١٩٦٧ والصدمة النفسية التي ضربت آمال وأحلام المصريين، انتهز الغرب هذه الظروف العصيبة وبدأ يخطط لسرقة العلماء والعقول والكفاءات المصرية من خلال تشجيع هجرتهم إليه، وبدأت عمليات هجرة هذه العقول على استحياء إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية وهو ما يعرف بالهجرة الدائمة ثم أخذت أعداد المهاجرين تزداد حتى وصل حجم المهاجرين إلى نحو ٣ ملايين مهاجر.
وبعد حرب أكتوبر ١٩٧٣ وانتصار الجيش المصرى العظيم على إسرائيل وتحطيم خط بارليف المعجزة وكسر ما كان يسمى بذراع الطولى لإسرائيل ارتفع سعر برميل البترول العربى من ٣ دولارات قبل الحرب إلى ٣٥ دولارا واستمر في الارتفاع ما ولد لدى الدول العربية النفطية أموالا ضخمة وثروة تفجرية دفعتها إلى تبنى خطط تنموية طموحة تطلبت قوة عمل كبيرة لم تكن متوفرة لديها. فاستعانت بالشقيقة الكبرى مصر التي لم تتأخر عن مساعدتها، وذهبت أعداد كبيرة إليها حتى وصل حجم الهجرة المؤقتة إلى نحو ٣ ملايين مهاجر من بينهم نحو ١.٥ مليون مصرى يعملون في المملكة السعودية وهو ما يعرف بالهجرة المؤقتة.
ولعلنا نتفق على أن هجرة العقول والكفاءات المصرية إلى الخارج شكلت خسارة كبيرة لمصر والتي كانت نتيجة حتمية لأشكال التنظيم الاجتماعى والاقتصادى القائم بها. وبالرغم من ذلك فإن هذه العقول والكفاءات التي تعمل خارج مصر وفى شتى أنحاء العالم، هي مدعاة لفخرنا واعتزازنا. إنهم يحتلون مراكز مرموقة وأوضاعا متميزة في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، أسهمت وما زالت في تقدم هذه الدول. وفى نفس الوقت، يقدمون أروع صور للإيمان بالعمل وأدائه بدقة وإخلاص وعلى أكمل وجه في الدول العربية الشقيقة.
وتتضمن الهجرة الخارجية رافدين: الأول الهجرة المؤقتة: ويقصد بها هجرة الكفاءات والمهن للعمل في الدول العربية لفترة من الوقت ثم العودة إلى أرض الوطن. والثانى الهجرة الدائمة: ويقصد بها هجرة العقول والكفاءات والتخصصات العلمية الدقيقة بغرض الإقامة الدائمة والاستيطان وتتركز في الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
ولأن العقول والكفاءات العلمية هي الشريحة المتميزة في المجتمع ولها أهداف وتطلعات وفلسفة تتعلق بالمناخ العلمى الملائم والبحث عن جودة الحياة، فإن عوامل الجذب التي توفرت لدى الولايات المتحدة بالذات وبعض الدول الأوروبية وكندا وأستراليا شجعت الكثير من المصريين المتميزين على الهجرة إليها والإقامة بها بصفة دائمة. ما سبب خسارة فادحة في مصر، تمثلت فيما تكبدته الدولة من تكلفة تعليم وإعداد ورعاية وتنشئة هذه الشريحة التي هاجرت دون أن تتمكن الدولة من الاستفادة منها بالدرجة المطلوبة أسوة بما تتبعه الدول التي لديها مواطنون مهاجرون والتي تمكنت من الاستفادة منهم من النواحى العلمية والاقتصادية والسياسية باعتبار أن المواطنين بالخارج هم امتداد لقوة الدولة. وتعتبر التجربة الإسرائيلية أعظم وأنجح التجارب في هذا المجال خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا يمكن الإشادة بالجالية اللبنانية في كندا.
إن الحسابات الشاملة للدولة تتضمن كل المواطنين سواء الذين يعيشون على تراب الوطن أو الذين تركوه بأمان سعيا وراء الرزق في مناكب الأرض. باعتبار أن المصريين الموجودين بالخارج هم امتداد لقوة الدولة وبالتالى فإنهم عناصر قوة تدافع عن الأهداف والمصالح القومية لها في الدول الموجودين بها. وأيضا يمكن أن يكونوا دعائم للتنمية والتقدم العلمى والتكنولوجى داخل الوطن إذا ما أحسن التعرف عليهم وبناء جسور الثقة معهم وتقوية قنوات الاتصال وربطهم وخاصة الجيلين الثانى والثالث بوطنهم الأم مصر. وفى ظل النظام الدولى المضطرب والظالم ومحاولات الولايات المتحدة والغرب العمل على ضمان فرض التبعية واستغلال الدول النامية فقامت بنشر الفوضى والدمار والخراب في هذه المنطقة ومكنت جماعة الإخوان الإرهابية من حكم مصر ولكنها فشلت بفعل ثورات الشعوب العربية. وكان من نتائج سقوط هذا المخطط أن عملت الولايات المتحدة تحديدا على تخريب المنطقة العربية واندلاع الحروب والصراعات العسكرية في المنطقة ومساعدة الجماعات الإرهابية مثل داعش وميليشياتها بالسلاح والتدريب والمال، والتي أشاعت الرعب والفزع والدمار بالمنطقة وترتب على هذا الوضع زيادة أعداد المهاجرين هجرة غير شرعية وأعداد اللاجئين هربا من هذا الجو الرهيب والنار المشتعلة في أرجاء الوطن العربى (العراق وسوريا وليبيا واليمن).
وتلتزم مصر بمسئولياتها في العمل على وقف تدفقات الهجرة غير الشرعية، ويقوم الجيش المصرى بحماية الحدود ومراقبة المنافذ لمنع هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين من الوصول إلى الدول الأوروبية الصديقة والحليفة لحمايتهم من شرورها. أما بالنسبة للاجئين فإن ملايين من اللاجئين العرب يتسولون ويطلبون السماح لهم بالدخول لبعض الدول الأوروبية التي كانت هي السبب في تشردهم لأن حل مشكلة اللاجئين كما قال الرئيس السيسى لا يمكن أن يكون بغلق الحدود بين الدول بالمخالفة للقانون الدولى لحقوق الإنسان. ففى مصر ٥ ملايين لاجئ توفر لهم الدولة كل سبل الحياة الكريمة والاحترام والرعاية والأمن والسلامة ويعيشون بين إخوانهم المصريين ويتمتعون بكل المزايا والدعم المقدم للمصريين. على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجه مصر.
وفى هذا الإطار أتوجه بالرسالة التالية إلى معالى وزيرة الهجرة النشيطة والمتميزة والتي تتمتع بكاريزما طاغية أن تضع تصورا لتحقيق ثلاثة أهداف: الأول تحقيق زيادة الدعم الدولى لمصر ماديا ولوجستيا باعتبارها مستقبلة لأكبر عدد من اللاجئين في إطار تقاسم الأعباء والمسئوليات بقضايا الهجرة واللاجئين. منتهزة الزخم الدولى المثار على الصعيد العالمى. لأن مصر تتحمل مسئوليات عديدة بجانب قضية الهجرة واللاجئين فهى تواجه الإرهاب بالإنابة عن الدول الغربية وأمريكا وهى التي زرعته داخل مصر والمنطقة العربية لإسقاطها. الثانى إثارة قضية سرقة العقول والكفاءات المصرية إلى الدول المتقدمة التي استفادت منها أعظم استفادة وما زالت وتطالبهم بالتعويض المناسب عن الخسارة التي تكبدتها مصر في إعداد هذه الشريحة. فهناك على أرض هذه الدول التي تعادى مصر صفوة من التخصصات النادرة ومجموعات تعمل داخل دائرة صنع القرار وداخل البنتاجون وعلى رأس الوكالات الفضائية والنووية وصناعة السلاح وغيرها. الثالث وضع تصور لتكوين لوبى مصرى مساند لمصر بحيث يكون عنصر قوة مساندا لقضايا مصر في الخارج أسوة باللوبى اليهودى (إيباك) الموجودة في الولايات المتحدة والتي تؤثر وتوجه القرار الأمريكى بما فيه مصالح إسرائيل.