الأحد 20 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أوهام الإسلام السياسي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في كتابه «أوهام الإسلام السياسي» الصادر باللغة الفرنسية عام ٢٠٠٢، الذي قام بتعريبه المؤلف الدكتور عبدالوهاب المؤدب والمفكر المغربى محمد بنيس. يناقش المؤلف ويحاول الغوص في إشكالية التخلف التي يعيشها العالم العربى ـ الإسلامى في هذه الحقبة، والأسباب الفكرية التي أوصلت المسلمين إلى هذه الدرجة من النكسة والفشل، على رغم الإمكانات البشرية والطبيعية الهائلة، والعوامل الثقافية المشتركة، إلا أن الحالة عصية على الانعتاق والدخول في عصر التحديث، ويشير المؤلف إلى أن المسلمين يرجعون سبب تخلفهم في عصرنا على الآخر الأجنبى، والمؤلف لا ينفى هذا السبب منذ الحروب الصليبية وهجمات المغول والمرحلة الاستعمارية في ظل الإمبراطوريات الغربية خصوصًا البريطانية، وصولًا إلى المرحلة الإمبريالية المتمثلة في الولايات المتحدة، ولكنه يرى أن هذه الأسباب الخارجية ليست كل الداء، بل هي من محفزات التخلف الذي نعيشه، ولكن الداء هو «ما فعله المسلمون أنفسهم بالإسلام» ويستشهد بما عبر عنه المفكر والفيلسوف سبينوزا بقوله: «إن عافية المدن ونجاتها تكون في ممارسة التفكير والتعبير عنها»، وهذا ما جمّد المدن العربية والإسلامية في ظل غياب هذا الشرط.
وعودة إلى ما فعله المسلمون بالإسلام، يؤكد المؤلف أن «الداء» الذي أصاب الإسلام هو «الأصولية» الإسلامية، أي التفسير الحرفى للنص، مما يعنى تغليب النص على العقل، ويضرب مثالًا على ذلك في مسألة الجهاد في الإسلام، فهناك من يضعه في منزلة الأركان الخمسة للإسلام، وهذا ما أدخل العالم الإسلامى في صراعات دموية نشهدها اليوم من بعض أتباع الأصولية الإسلامية، ولا ينفى أن المسيحية أصيبت بداء التعصب في القرن الـ١٦ عندما تعرض البروتستانت لمذابح على يد الكاثوليك في باريس، كما يورد استشهادًا لفولتير لفهم ذلك التعصب المسيحى بقول فولتير: «إن أحد أسباب ذلك التعصب هو إبقاء الشعب معلقًا بالأوهام، وأفضل طريقة لعلاج ذلك الداء هو الاحتكام إلى العقل»، والأكيد أن التشريح للعلة وأسباب الخروج منها لا ينطبق على المسيحية فقط، بل إن الإسلام اليوم أكثر حاجة إلى ذلك للخروج من مرحلة التشرذم، ولا يغفل المؤلف أن هناك مراحل مضيئة في التاريخ الإسلامى في بغداد والأندلس والقاهرة عندما كانت الغلبة للعقل فوق التفسير الحرفى للنصوص، بل إن «الأصولية» ما زالت هي الرئيس في مشاريع التحديث في العالم العربى في مصر أو تونس بسبب العلاقة بين السياسي والدينى.
ويرجع المؤلف أن ما أصاب أمريكا من الأصوليين الإسلاميين يعبر عن حال عدم اعتراف الغرب بالإسلام، وجعله في حال المتلقى من احتلال بلدان إسلامية، إضافة إلى الفوارق الحضارية بين الطرفين مثل هذا الشعور ولد حالة من الحقد المتراكم، وأن تنامى الأصولية الإسلامية له علاقة بذلك.
نتفق مع المؤلف أو نختلف، إلا أنه يطرح مسببات لهذا التخلف، ويسبر تاريخ الإسلام، ويحاول أن يوضح أن الحالة التي نعيشها ليست حالة «آنية»، بل ما نشهده اليوم من التشرذم والإرهاب هي حالة من الأصولية الفكرية الحرفية التي تلغى العقل، وكان المؤلف ضرب مثلًا جديرًا بالتأمل وهو مصطلح «الإبداع»، وكيف أن من يخرج ويفكر عن قداسة النص الدينى يوصف عمله بـ«البدعة»، التي قد تترتب عليها حياته ثمنًا لذلك، عكس ما حدث في العالم الغربى من تقديس العمل الإبداعى في كل المجالات.
نقلًا عن «الحياة اللندنية»