فى المقال السابق توقفنا عند زيارة محمد مرسى إلى مبنى مكتب الإرشاد بالمقطم، وكيف فوجئ قائد الحرس المرافق بتغير خط سير رئيس الجمهورية بأمر من أسعد شيخة.
وتحدثنا عن ذلك الاجتماع الذى تم تسريب جزء كبير منه وما زال حتى اليوم على موقع اليوتيوب، وعند انتهاء اللقاء قدم محمد بديع لمرسى قائمة بأسماء مجموعة من المسجونين مطالبًا إياه بضمهم إلى القائمة التى سيقوم بالإفراج عنها بمناسبة العيد، وهى مسألة روتينية تتم فى الأعياد والمناسبات الوطنية، ويعمل بها منذ عصر محمد على، واستمرت فى العهد الجمهورى، حيث تعد مصلحة السجون ـ وفق دراسات اجتماعية وإنسانية ـ قائمة بعدد من المسجونين الذين قضوا ثلاثة أرباع مدة العقوبة أو من زال عنهم الخطر لكبر سنهم أو مرضهم، فهناك من ينهش السرطان فى جسده وقد صار فى السبعين من عمره، وهناك من يقعده الشلل، وهناك من توفى كل أقاربه وله ابنة طفلة لن يعولها أحد، ووفق القانون فإن مصلحة السجون ترفع القائمة إلى وزير الداخلية الذى يرسلها للرئيس كى يصدق عليها، ولكن فى هذه المرة فوجئ وزير الداخلية باستبدال مرسى القائمة المرسلة له بقائمة أخرى جاهزة من عند الرئيس، وهذه القائمة تشمل بعض المحكومين عليهم فى قضايا اغتيال وتنظيمات إرهابية، وبعض الفلسطينيين الذين كانوا متهمين بقضايا مختلفة، ومنها تجارة المخدرات والسلاح والانضمام إلى خلايا إرهابية فى سيناء، وبالمناسبة فقد أصدر مرسى خلال العام الذى تولى فيه حكم مصر ثمانية قرارات بالعفو الرئاسى، وقد وصل عدد من شملتهم هذه القرارات إلى ألفين وخمسمائة شخص، ومن أغرب ما حدث فى التاريخ أن قرارات العفو لأول مرة شملت بعض الهاربين الذين صدرت بحقهم أحكام غيابية كوجدى عبدالحميد غنيم الشهير بوجدى غنيم، والذى كان محكومًا عليه غيابيًا بتهمة التحريض على الإرهاب، وكذلك إبراهيم منير عضو مكتب الإرشاد، الذى كان هاربًا فى لندن من حكم قضائى بعشر سنوات وأيضًا يوسف ندا وهو المفوض السابق للعلاقات الدولية بجماعة الإخوان والمسئول المالى عن التمويل العالمى للجماعة، والذى حكم عليه غيابيًا إبان عهد مبارك بعشر سنوات، وذلك بتهمة تمويل ودعم الإرهاب، وقد أفرج مرسى عن عبدالحميد عثمان موسى عمران الشهير بعثمان أبوعقرب، والذى أدين بقتل اللواء شيرين فهمى قائد قوات أمن أسيوط واللواء عبداللطيف الشيمى مساعد مدير أمن أسيوط، وأعفى مرسى كذلك عن غريب الشحات أحمد الجوهرى المتهم باغتيال ضابط شرطة وكان صادرًا ضده حكم بالإعدام، وأعفى أيضًا عن كل المتهمين فى قضية محاولة اغتيال الرئيس مبارك، وكذلك عن قاتل الكاتب والمفكر فرج فودة والذى كان يعمل نقاشًا، وأثناء المحاكمة سأله القاضى هل قرأت له شيئًا؟ فأجاب: لا ولكنى سمعت أنه كافر ويجب قتله، ومن بين الذين أعفى عنهم مرسى أيضًا عادل حبارة الذى ارتكب مذبحة رفح، وهو جهادى تكفيرى كان محكومًا عليه بالإعدام فى تفجيرات دهب وطابا، واعترف بجرائمه بكل فخر، ثم ها هو رئيس الدولة يضع اسمه ضمن قوائم العفو، التى امتلأت بأسماء مجموعة كبيرة من الإرهابيين فى سيناء، وبعض قيادات الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد، حتى أن الجماعة الإسلامية أصدرت بيانًا تشكر فيه الرئيس الدكتور محمد مرسى على قرارات العفو وتهنئ أبناءها المفرج عنهم، وأفرج مرسى أيضًا عن محمد يسرى ياسين، والذى أدين فى أحداث تفجيرات الأزهر عام ٢٠٠٥ وعن السيد صابر خطاب وعطية عبدالسميع اللذين صدرت ضدهما أحكام بالمؤبد فى قضية أحداث مسجد الإيمان بالسويس، وحين وصلت قائمة العفو الأولى لوزير الداخلية الأسبق اللواء أحمد جمال الدين ـ وللتاريخ ـ فقد اعترض تمامًا وأرسل كتابًا رسميًا للرئيس يوضح فيه الجرائم التى ارتكبها هؤلاء وخطورة الإفراج عنهم، ولكن الرئيس أصر على تنفيذ قراره، بل إنه أذهل الجميع باختيار أيمن هدهد ليكون مستشاره لشئون الأمن، وهو أحد أعضاء جماعة الإخوان الذين برز اسمهم بعد ٢٥ يناير، أما مؤهله فهو بكالوريوس زراعة، وهو من حدث رئيس الوزراء هاتفيًا وطلب منه توجيه وزير الداخلية بسرعة تنفيذ قرار العفو، أما اللواء محمد إبراهيم، فقد فعل نفس الشىء حين تولى حقيبة الداخلية، وأتته قرارات العفو حيث أراد أن يبرئه التاريخ بإرسال تقرير الأمن العام للرئاسة، والذى يوضح خطورة الإفراج عن هؤلاء، لكن مرسى لم يكن يملك قراره، فالأسماء آتية من مكتب الإرشاد وعليه أن ينفذ، خاصة أن فى رقبته بيعة للمرشد بالسمع والطاعة، عندئذ أدركت أجهزة الأمن المصرية أن الرئيس يعمل لصالح جماعته، وليس لصالح الوطن وعليها أن تقوم بدورها الوطنى لحماية مصر، فقررت العمل بعيدا عن الرئيس، صحيح أنها نفذت قراراته، لكنها تابعت هؤلاء ورصدتهم وسجلت لهم الكثير من المكالمات، والتى كانت إحداها لمرسى ذاته حين تحدث مع محمد الظواهرى فى مكالمة سنتحدث عنها تفصيلًا فى مقال لاحق.
على الجانب الآخر، تمكنت الخارجية المصرية من احتواء الأزمة التى خلفتها زيارة مرسى لإيران مع دولة الإمارات الشقيقة وعاد تدفق النفط ليسد العجز فى محطات الوقود ولتنتهى بذلك أزمة البنزين الأولى فى عهد مرسى.. وللحديث بقية.