ظلت جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها تعاود الظهور دائما.. هى لعبة تتقنها، كلما اختفت تظهر من جديد، الجماعة تجيد استغلال الفرص لا أشك فى ذلك ولا أشكك فيه، لكن سوء النية يبعثر ما تجمعه ويهد ما تبينه.
الأمل فى استمرارها والوصول لأهدافها هو أمر لا يتخلى عنه أبناؤها.. يحاولون حتى النفس الأخير، ويجدون من يصدقهم كل مرة ويضم عليهم.
كان هذا هو الحال حتى ٢٠١٢ عندما تولوا رئاسة مصر وتحقق الحلم القديم المتجدد، ولكن لا أظن أنه بعد ما شهدناه من مهازل رئاستهم يمكن أن يجدوا من يتعاطف معهم أو يصدق جماعتهم من التيارات المدنية، فقد باع الإخوان الجميع بكرسى الحكم، والمناضل والعاقل والمثقف والواعى والوطنى «لا يلدغ من جحر مرتين».. وإلا فإنه كالحمار يحمل أسفارا.
يعاود الإخوان الظهور فى الساحة السياسية مجددا بشكل غير مباشر.. عن طريق خوض شبابهم غير المنتمين بشكل رسمى للجماعة وغير المنظمين «انتخابات المحليات القادمة»، التى من المقرر أن تقام أواخر العام الحالى أو على أقصى تقدير مع بدايات العام القادم.
جنود الإخوان فى الانتخابات المحلية شباب يبدو ظاهريا أن لا علاقة لهم بالتيارات الإسلامية ويجيدون تمثيل هذا الدور، عن طريق الملابس والآراء السياسية وأدائهم على مواقع التواصل الاجتماعى، تجدهم أحيانا يظهرون الكراهية «لمرسى» ويقولون إنهم كانوا ضده، يضعون طوال الوقت موسيقى وأغانى وصورا لفتيات ونجمات الفن، ومنهم من يكون ناقما على النظام الحالى دون الخوض فى الحديث عن الإخوان والرئيس الشرعى وهل هو انقلاب ولا ثورة، ومنهم المعتدل الذى لا يتحدث فى السياسة نهائيا.
كل ذلك يحدث بناء على تعليمات القيادات الحالية التى هى من «الكوادر الوسطى» فى التنظيم والتى تعد المحرك الأساسى الآن للجماعة، يتعاملون على طريقة العميل «صفر» غير المعروف لأقرانه، وهو أسلوب قديم يعتمده التنظيم فى حالات الحصار والخطر، وأشهر عميل «صفر» داخل مكتب الإرشاد فى الحقبة الأخيرة هو «محمود عزت» القيادى الإخوانى الأخطر.
يجد الإخوان فرصة فى الظهور خلال الفترة الحالية، حيث الاصطياد فى الماء العكر، وكعادتهم يستغلون الفرصة التى سنحت لهم باحتراف، من خلال المزاج العام المحبط بفعل ارتفاع الأسعار بصورة جنونية من ناحية، وعودة ظهور الوجوه المكروهة على الساحة من ناحية أخرى مع الاستمرار فى التضييق على أصحاب الفكر والرأى والإصلاح الحقيقى، كما أنهم يتحركون عن طريق اللعبة التى أتقنوها كثيرا ويربحون بها دائما وهى الاقتراب من الناس عن طريق تقديم الخدمات الإنسانية فى المناطق الشعبية والأقاليم.
فى المناطق الفقيرة عاد الإخوان من جديد فى الحضور بإجراء عملية جراحية لمريض والتكفل بمصاريف دفن وعزاء متوفى، ودفع مصاريف المدارس للتلاميذ غير القادرين على ذلك، بالإضافة لمستلزمات الدراسة مثل الملابس والشنط المدرسية وشراء الكتب وتحمل تكاليف الدروس الخصوصية.
يحدث ذلك فى الأقاليم وفى القاهرة أيضا مثل منطقة حلوان والبساتين وباب الشعرية، فى غفلة معتادة من الدولة التى تساعدهم بشكل غير مباشر على استغلال الحالة الاقتصادية المؤسفة للبلاد والعباد، ولكنه من الكبائر الميل لطريقهم والاصطفاف معهم.. ولكن الفقير لا تستطيع لومه فيكفيه أعباءه الطاحنة، خاصة أنه لا يوجد بديل.
بالإضافة للتحركات المستمرة فى الخارج.. فقد كان مزعجا للغاية بل وصادما اشتراك بعض الوجوه المدنية فى «ملتقى الحوار الوطنى المصرى» فى واشنطن منذ أسابيع، تحت عنوان «وطن للجميع» الذى ضم «ممثلى القوى الثورية المصرية» أو هكذا أطلق عليهم، والذى عقد على مدى ثلاثة أيام، وكل المعطيات والمؤشرات تقول إنه من ترتيب الإخوان، وكانت المداولات عبر «فيديو كونفرانس» مع الذين اعتذروا عن عدم الحضور أو لم تسمح لهم الظروف بالسفر أو من وجدوا حرجا فى الاشتراك، ولكن مجرد إجراء اتصالات بهم وطرح أفكارهم وآرائهم يكفى أن نعتبره اشتراكا بل واصطفافا.
وجود الوجوه الإخوانية أو المتعاطفين معهم ومن عملوا بينهم بالفعل خلال فترة حكمهم فى أى حدث شبهة، وفى العمل العام يجب أن تحسب خطواتك وأن يحضر عقلك وليس عواطفك فقط، كما أن حسن النوايا لا يصلح للسياسية، من حق أى أحد أن يعارض النظام الذى يحكمه، فالمعارضة ظاهرة صحية، تدفع الحاكم والوطن للإصلاح، وتجنب الأخطاء دائما، وهى جرس الإنذار الذى يجعل الحاكم متيقظا وواعيا وتساعده على اتخاذ القرار الصحيح، بعيدا عن الحاشية المضللة التى تلتف حول أى حاكم منذ بدء الخليقة، ولكن أن يضع المعارض يده فى يد عدوه وعدو وطنه لمجرد الاتفاق فى الرأى فهى كارثة، خاصة أن عدوه قد غدر به من قبل، وخانه وقتل أحبابه.. وإذا عاد فى أى وقت سيبيعك ويخونك من جديد.. التاريخ يقول ذلك.
هناك من يرى أنه من الضرورى أن يتآلف جميع أطياف المجتمع حتى نصل لمرحلة التفاهم بعد أن أرهقنا الصدام، وأن الإخوان ومن يمثلون الإسلام السياسى جزء لا يتجزأ من المجتمع المصرى.. هذا صحيح نظريا وقبل الدخول فى التجربة، فقد حدث التآلف والتفاهم والاتفاق من قبل، وكان فى أوجه أثناء ثورة ٢٥ يناير.. ولكن ماذا حدث بعدها من الإخوان؟!
أعتقد أن هذه التجربة كافية حتى لا يضع العقلاء أيدهم فى أيدى الإخوان مرة أخرى.. حيث لا أمان لهم أو معهم.. وحتى لو من باب الكيد السياسى، أى أن من يتحالف أو يصطف معهم من جديد نكاية فى النظام الذى يعارضه فهى سطحية شديدة، ومراهقة سياسية تلقى بنا إلى التهلكة، لأننا نعالج المشكلة بمشكلة أخرى بدلا من إيجاد الحل.
على أية حال، أعتقد أن ما حدث فى ملتقى واشنطن من عدم اتفاق، خاصة حول إشكالية «فصل الدين عن السياسة» بين ممثلى الإسلام السياسى والتيارات المدنية، وشهد أيضا انسحاب البعض من المداولات، هو رد آخر حول الاصطفاف مع الإخوان من جديد.. وأعتقد أنه حتى الوثيقة التى خرجت قالوا إنها مجرد مبادرة لحل الأزمة الديمقراطية التى تشهدها مصر وبيان عن الأزمة ومن وقعوا عليها وأعلنوا أن التوقيع بشكل شخصى لحين عرض الوثيقة على الأحزاب لإبداء الرأى فيها.. وقيل إن قيادات تنظيم الإخوان اعترضوا عليها بشدة.
كل الشواهد تقول إن الاختلافات بين التيار المدنى والإسلامى جوهرية ولا يمكن الاتفاق عليها حتى لو وافق الإخوان وأظهروا الاتفاق بممارسة خطة الخداع المعتادة، فيكون ذلك مؤقتا حتى تحقيق أهدافهم ثم يعودن لسيرتهم الأولى.