فاجئتنا بعض الأحداث العربية والدولية التى تصب فى مخطط استهداف الدول العربية لإضعاف مقدراتها الاقتصادية وإشاعة الفوضى وتفتيتها وتقسيمها بإسقاط مفهوم الدولة... إلخ.
الأمر الذى يتطلب منا جميعًا الاصطفاف والتوحد لمواجهتها وإفشالها بدلا من التصدى الفردى لتلك الأحداث من قبل كل دولة على حدة أو مجموعة دول.
وأولى هذه الأحداث الدولية قيام مجلس النواب الأمريكى بإقرار تشريع يسمح لأسر ضحايا «هجوم ١١ سبتمبر» بمقاضاة الحكومة السعودية عن الأضرار التى لحقت بهم، وذلك قبل ثلاثة أيام من حلول الذكرى الـ١٥ لأحداث سبتمبر ٢٠٠١، والتى راح ضحيتها أكثر من ٣ آلاف شخص نتيجة الهجوم بالطائرات المختطفة على برجى التجارة الدولى بنيويورك، وكان ١١ سعوديا من بين مجموعة الـ١٩ الذين شاركوا فى هذا الهجوم، والملفت للنظر أن هذه الموافقة كانت بالإجماع وبتصفيق كل الحاضرين، حيث تم إقرار هذا المشروع تحت مسمى «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب»، وبالرغم من التهديدات السعودية ببيع ما يصل إلى ٧٥٠ مليار دولار من الأصول السعودية فى أمريكا التى من بينها سندات خزينة إذا تم إقرار هذا المشروع، الأمر الذى دفع الإدارة الأمريكية إلى محاولة تهدئة الجانب السعودى، على أمل أن يستخدم الرئيس أوباما حق الفيتو ضد مشروع القانون، وتم إقرار هذا المشروع كمظهر من مظاهر الاحتفال الذى تمت إقامته بالطابق الـ٦٢ من مبنى البرج الأول الذى تمت إعادة بنائه.
وأيا كان الأمر.. فتجربتنا مع الإدارة الأمريكية لا تطمئن، خاصة أن ردود الأفعال العربية على هذا التشريع جاءت قاصرة على السيد أحمد أبوالغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، الذى أعرب عن دهشته إزاء إقرار الكونجرس لهذا التشريع المسمى «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب»، منتقدا تضمنه أحكاما لا تتوافق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة أو القواعد المستقرة فى القانون الدولى، وجاء هذا فى بيان صحفى.
كما أعربت دول مجلس التعاون الخليجى عن بالغ قلقها من هذا القانون، خلال بيان السيد عبداللطيف الزياتى، الأمين العام للمجلس، الذى ذكر فيه أن:
«دول المجلس تعتبر هذا التشريع الأمريكى متعارضا مع أسس ومبادئ العلاقات بين الدول، ومبدأ الحصانة السيادية التى تتمتع بها الدول»، كما أعرب عن تطلع دول المجلس إلى عدم اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية هذا التشريع الذى سوف يؤسس لسابقة خطيرة فى العلاقات الدولية.
والموقف العربى الموحد من خلال قمة عربية سيكون أكثر تأثيرا، خاصة أنه يتردد بأن الإدارة الأمريكية ستسعى إلى استخدام هذا التشريع من أجل ابتزاز المملكة العربية السعودية ماليا من خلال عرض أسلحة وغيرها من العتاد العسكرى والتدريب بقيمة تزيد عن ١١٥ مليار دولار.
فى الوقت الذى يعانى فيه الاقتصاد السعودى والخليجى من نقص حاد فى الإيرادات بسبب انخفاض سعر البترول، نتيحة قيام أمريكا بإغراق السوق بالبترول أيا كان مصدره، سواء المهرب عن طريق داعش، كما أن الولايات المتحدة لديها مخزون استراتيجى هائل، مما قلل اعتمادها على بترول الخليج والسعودية، ولكن الإدارة الأمريكية تنظر لدول الخليج والسعودية كمستورد أساسى لمخزون السلاح الأمريكى الذى تكتظ به مخازنها، ومصلحة أمريكا تعلو فوق أى اعتبار حتى ولو أدى الأمر إلى التخلى عن الأصدقاء، وليس كل الأصدقاء خاصة إسرائيل.
ولن ننسى حينما أعلن الرئيس الأمريكى باراك أوباما بأنه توصل لاتفاق وصفه بأنه تاريخى حول برنامج إيران النووى فى العام الماضى ٢٠١٥ الذى بموجبه تم رفع الحظر عن الأموال الإيرانية المجمدة فى البنوك الأمريكية والغربية، البالغ قدرها ١٢٠ مليار دولار، مما أدى إلى تنافس الدول الغربية على إعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إيران، خاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا للفوز بنصيب الأسد من هذه الأموال، ورغم التخوفات التى أيدتها السعودية ودول الخليج من استخدام هذه الأموال فى تأجيج الصراع فى دول مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان، إلا أن الرئيس أوباما حينما اجتمع برؤساء دول الخليج والسعودية بكامب ديفيد لإزالة هذه المخاوف صدمنا بإعلانه «أن ما يهدد دول الخليج ليس إيران إنما التحديات السياسية الداخلية هى الأكثر خطورة، وأنه يتعين عليهم أن يكونوا أكثر فاعلية فى معالجة الأزمات الإقليمية».
وبمرور الأيام تأكدت صحة مخاوف السعودية ودول الخليج، حيث رأينا الجنرال قاسم سليمان، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى، يتجول فى المدن السورية والعراقية، كذلك انفجار الاضطرابات فى البحرين؟!
وأخيرًا التدخل الإيرانى السافر فى الشأن الداخلى السعودى ومطالبتها بالإشراف الدولى على الحج، وحينما لم يجدوا استجابة لهذا الطلب، فوجئنا فى الوقت الذى صعد فيه أكثر من مليون و٨٠ ألف حاج من حجاج بيت الله الحرام على مشعر عرفات بدخول حوالى مليون إيرانى للأراضى العراقية، لأداء ما يسمى «ريادة عرفة» عند مرقد الإمام الحسين فى كربلاء.
وذلك استنادا لفتوى على خامنئى المرشد الأعلى الإيرانى بجواز الحج إلى المراقد المقدسة العام الجارى، وتكرار طلبه بتدويل الإشراف على الحج وعلى الحرمين الشريفين؟!
وتحققت على أرض الواقع العديد من المخاوف والمخاطر التى حذرت منها السعودية ودول الخليج من توقيع هذا الاتفاق.
ومن الأسباب التى تجعلنا نأمل فى انعقاد قمة عربية الغزو التركى للأراضى السورية تحت مسمى عملية درع الفرات ومحاولة إقامة منطقة عازلة، بحجة التصدى للأكراد، بينما الحقيقة هو تطبيق التفتيت والتقسيم للأراضى السورية حتى تلحق بفلسطين التى لم نستطع أن نحررها حتى الآن أو حتى الضغط من أجل التسوية السلمية فى إطار قرارات الأمم المتحدة وحل الدولتين، وفشل دعوة نتنياهو للقاء الرئيس محمود عباس فى روسيا من أجل تحقيق المبادرة الفرنسية - المصرية.
يحدث هذا فى الوقت الذى كشفت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية عن مصادر مطلعة بتوصل أمريكا وإسرائيل لاتفاق نهائى سيتم التوقيع عليه خلال الأيام القليلة القادمة بشأن حزمة مساعدات عسكرية أمريكية جديدة تتجاوز قيمتها الـ٣٨، مليار دولار على أن يستمر هذا الاتفاق لمدة ١٠ أعوام. وكأنه مكافأة لها على موقفها المتعنت تجاه استئناف المفاوضات، وتكثيف الاعتداءات على الشعب الفلسطينى والاستيطان، تضاف لكل هذا التطورات الحاصلة على الأراضى الليبية، وذلك بقيام القوات الموالية للفريق أول ركن «خليفة حفتر» قائد الجيش الليبى بالاستيلاء على موانئ النفط فى منطقة الهلالى النفطى «رأس لانوف - الزويتينة - السدر» وتحريرها من الميليشيات المسلحة التى أوقفت تصدير البترول الليبى والذى قوبل بالرفض من الولايات المتحدة الأمريكية وخمس دول أوروبية، وطالبته بالانسحاب الفورى وسعت لاستصدار قرار من مجلس الأمن، إلا أن هذه المحاولة أفشلتها الجهود المصرية والروسية، ودعا عدد كبير من شيوخ القبائل الليبية وسياسيين ليبيين إلى الخروج فى مظاهرات حاشدة، تأييدا لهذه الخطوة ورفضا للتدخل الأجنبى فى الشأن الداخلى الليبى، وعقب نجاح القوات الليبية فى تحقيق هذا الانتصار تم تسليم المنشآت النفطية خاصة الموانئ للمؤسسة الوطنية الليبية للنفط التى استأنفت التصدير على الفور، وتم ترقية الفريق أول ركن «خليفة حفتر» إلى رتبة المشير، وجميع هذه الأحداث تتطلب انعقاد قمة عربية، واتخاذ موقف عربى موحد للتصدى لكل المؤامرات التى تحاك ضد الدول العربية، وكفانا شرذمة وانقسام.