الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

مصر وليبيا ومؤامرة كوبلر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
العلاقة المصرية الليبية تتجاوز تاريخيًا مسألة المصالح الإستراتيجية المتبادلة، أو حتى اعتبارات الأمن القومى، ذلك أن تلك المصالح قد تشكلت على قاعدة بنيتها الأساسية عوامل اجتماعية وثقافية وحضارية يمكن التعبير عنها بلغة الأرقام، بالقول إن ١٦ مليون مصرى ينتمون لأصول ليبية؛ علاوة على هذا التداخل العميق بين القبائل فى البلدين التى تمتد من غرب وادى النيل وحتى عمق الصحراء الليبية. وقد كنت واحدًا من تلك الآلاف التى نشأت وعاشت سنوات طفولتها ومراهقتها المبكرة فى مدينة طرابلس بحكم عمل الأب، ولم تجد بين الليبيين إلا عما أو خالة. ولعل أبسط تعبير عن تلك الحالة الوجدانية هذا الإحساس المصرى بأن جهاد عمر المختار الذى حلت ذكرى إعدامه على يد الاحتلال الإيطالى قبل أيام جزء لا يتجزأ من التاريخ المصرى.
لذلك لا تمكن قراءة الموقف المصرى الداعم لليبيا بعيدًا عن هذا العامل الوجدانى، وهذا ما يفسر سعى مصر لبناء مؤسسات الدولة الليبية على أسس حديثة، وعدم الاكتفاء بالإجراءات الأمنية التى تضمن تأمين الحدود الغربية.
وما جرى خلال الأيام الماضية من نجاح الجيش الوطنى الليبى بفرض سيطرته على الهلال النفطى، يمثل البداية الحقيقية لعملية بناء المؤسسات، حيث سبقت تلك الخطوة العسكرية خطوات أخرى عززت مفهوم المؤسسة، منها تحييد مؤسسة النفط الليبية وإبعادها عن الصراعات السياسية، بإنشاء المؤسسة الوطنية الموحدة للنفط، بعد أن كانت منقسمة إلى مؤسستين إحداهما فى طرابلس والأخرى فى بن غازى، وكذلك العمل من أجل تحييد المصرف المركزى الليبى، وجعله يعمل فى إطار الدولة الليبية الموحدة دون أن يخضع لهذا الجانب أو ذاك.
تلك الخطوات التى توجت بتسليم الجيش الليبى تحت قيادة المشير «خليفة حفتر» الموانئ النفطية إلى المؤسسة الوطنية الموحدة للنفط التى ستقوم بدورها بضخ عائدات البترول بالبنك المركزى الليبى المسئول عن توفير رواتب الموظفين، وما يلزم لتغطية احتياجات المواطنين الليبيين فى كل ربوع ليبيا، وهى الخطوة التى كان من شأنها أن تخرس ألسنة الغرب ومعهم المبعوث الأممى «مارتن كوبلر»، وتفسد مخططاتهم بتمزيق ليبيا بين الميليشيات المسلحة المنتمية جميعها لتنظيمات إرهابية أو عصابات من المرتزقة.
الدور المصرى فى المرحلة المقبلة سيكون أكثر دقة وحساسية، فرغم ما يبديه «كوبلر» من مرونة فى التعامل مع مطالب رئيس مجلس النواب الشرعى «عقيلة صالح» بالرجوع إلى المسودة الرابعة من اتفاق الصخيرات التى تنص على الاكتفاء بنائبين لرئيس المجلس الرئاسى «فاير السراج» بدلا من ستة نواب ينتمى معظمهم إلى التيارات الدينية المتطرفة، إلا أنه بدأ مرحلة جديدة بالمناورة بشأن الجيش الليبى بإعلانه الاستعداد للتفاوض مع «حفتر» من أجل بناء جيش ليبى يستوعب باقى الميليشيات والفصائل المسلحة.
وذلك ليتجاوز اعتراض الليبيين على البند الثامن من اتفاق الصخيرات بشأن تولى رئيس المجلس الرئاسى منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ ويشار فى هذا السياق إلى أن «فايز السراج» كان من أوائل المعترضين على تحرك الجيش الليبى الأخير، بل من المنتقضين للدور المصرى الداعم له.
مسعى «كوبلر» بشأن الجيش الوطنى ينطوى على نوايا خبيثة تريد تفخيخ الجيش الليبى بضم الميليشيات الإرهابية والعصابات المسلحة إلى صفوف الجيش النظامى، وجميعها وبلا استثناء ترتبط إما بتنظيم القاعدة أو جماعة الإخوان الإرهابية أو ما يعرف بمقاتلى ليبيا.
هنا يصبح على مصر أن تلعب دورًا من خلال عضويتها غير الدائمة فى مجلس الأمن، علاوة على الجامعة العربية أن تعمل على تدعيم الجيش الوطنى الليبى كجيش نظامى لا تمزقه الانتماءات الأيديولوجية لعناصره وقيادته، وبحيث لا يعترف بغيره ككيان مؤسسى يحتكر الحق فى امتلاك السلاح واستخدامه لحماية الدولة الليبية، ومن ثم تصبح كل جماعة مسلحة خارجة على القانون تجب ملاحقتها إذا رفضت تسليم السلاح طوعا، وهو أمر يقتضى تدخلا قويا من الجامعة العربية، يصحح الأوضاع فى العاصمة طرابلس التى تتنازعها الميليشيات والعصابات الإرهابية.