قبل أن تقرأ.. لم أكن يوما ما من مؤيدى مبارك، ولو على استحياء، بل أجزم، بأننى، كنت، وما زلت، وسأظل، بدون مزايدة، أكثر تطرفا، فى كراهية نظامه من جوقة المتاجرين دوما بإسقاط حكمه، وإن كانت درجة كراهيتى لحكم الفاشية الدينية أشد، لذا، لم، أترحم على عصره، كما لم، ولن، يراودنى الحنين إلى زمنه، مهما بلغت درجة انتقادى للسياسات الحالية، لما تحويه من عشوائية، أوصلتنا لحالة من الضيق، جراء الأوضاع الاجتماعية البائسة والظروف الاقتصادية المتردية، فنظام «مبارك»، وفق قناعاتى التي أؤمن بها، جلب الخراب للبلاد وأفقر العباد، كان راعيا رسميا وحصريا للفساد، داعما له، نما الفاسدون بين أحضانه، توحشوا فى أروقة قصوره، فدهسوا تحت أقدامهم الأخضر واليابس، نهبوا ثرواته وخيراته، وقد لا أكون متجنيا على هذا النظام، إذا قلت، إن الدولة بأكملها تجنى، الآن، ثمار جرائم رجال عصره وممارسات شلة الحكم التي استباحت كل شىء، لكن هذه الحقيقة المرة، لا تجعلنا بحال من الأحوال، نقفز على الواقع، أو نسطو على قيم المجتمع، ننزعها،عنوة، جريا وراء الأكاذيب والشائعات المغرضة، كما أن إقرارنا بتلك الحقيقة، لا يمنحنا الحق فى خلط الأوراق بصورة بغيضة، أو إطلاق العنان للخيال فى صياغة تصورات وهمية لا يمكن تحققها على الأرض.
قبل أيام تداولت بعض مواقع التواصل الاجتماعى، ونقلت عنها «الميديا»، صورا وفيديوهات تضمن محتواها حفاوة بعض المواطنين، بظهور علاء وجمال نجلى الرئيس الأسبق «مبارك» فى أحد الكافيهات فى مدينة الشيخ زايد، على أثر الواقعة التي تبدو فى نظرى عادية، وليس فيها ما يدعو للتوقف أمامها بالتحليل أو التنظير، دارت ماكينة إنتاج الشائعات، دبجت المقالات، أفردت الصحف مساحات للتبارى بين المؤيدين على استحياء، لحقهما فى ممارسة حياتهما بصورة طبيعية، والمعارضين بلا مبررات منطقية، لمجرد، ظهورهما.
توقفت كثيرا أمام التكهنات غير المنطقية من ناحية الشكل والمضمون، خاصة بعد أن امتطى جهابذة التنظير والتقعير صهوة خيالاتهم فى تفسير وتحليل التقاط الصور ومشاهد الفيديوهات، وكأننا أمام حدث جلل، كاف بأن يهز أركان نظام الحكم القائم، ويقلب الدنيا رأسا على عقب. باعتبار أن ظهورهما إعلان حصري عن عودة نظام مبارك مرة أخرى بديلا للنظام.
القراءة الدقيقة لظهورهما من حين لآخر تبدوـ بالنسبة لى ـ لا تتجاوز الرغبة من جانبهم للاندماج فى الحياة الطبيعية شأن كل المواطنين العاديين، أما تنامى الحديث حول الواقعة يشير إلى أن هناك قوى غامضة تقف وراء ترويجها على نطاق واسع، ليس حبا فى مبارك أو نظامه، أو رغبة فى عودة نجله لتصدر المشهد السياسي، إنما الهدف هو استثمارها بشكل يوصف بالسذاجة، للهجوم الضمنى على السياسات الحالية، عبر ترويج فكرة الحنين لنظام مبارك، فضلا عن استثمار فشل الحكومة، فى العديد من الملفات للتلويح بأوراق وهمية، نكاية فى النظام.
على المستوى الشخصى، لا أعرف على وجه الدقة ما إذا كان المروجون لهذه الأطروحات، لجانا إلكترونية مدربة على إشغال الرأى العام، أم أن جهات بعينها سواء فى الداخل أو الخارج، تدير تلك المعارك الوهمية لإحداث بلبلة فى أوساط الرأى العام، لكن بعيدا عن هذا وذاك، تبقى التساؤلات حول ظهورهما مطروحة، ألم يكن من حقهما ممارسة حياتهما الطبيعية، ما لم تكن عليهم عقوبات مقيدة لحريتهما، هل هناك ما يمنع مواطن من ارتياد الأماكن العامة «كافيهات ونوادى»، أو حضور مناسبات اجتماعية بدون صخب أو ضجيج، سواء كانت تلك المناسبات، أفراح أو مآتم؟.
بالطبع لا توجد قيود على أي شخص ما لم يكن مطلوبا للعدالة، فظهورهما، من وجهة نظرى، أمر طبيعي ولا يبعث على الضيق أو الرفض، إلا إذا كانت هناك «علة» لدى من يضيق صدره لأسباب خاصة، أو يرفض لغرض فى نفسه.
المثير للاستغراب أن انتشار الصور والفيديوهات صاحبها استدعاء للمصطلحات الجاهزة، من عينة، المجتمع أصيب بصدمة. وهنا أتساءل، ألم يكن الذين احتفوا بهم جزءا من هذا المجتمع.. أم أن رافضى ظهورهم نصبوا أنفسهم أوصياء على المجتمع.
هذه التساؤلات طرأت على ذهنى وأنا أتابع حالة الهوس الفيسبوكى التي أطلقت العنان لأطروحات تبعث على السخرية من مروجيها والداعمين لترسيخها فى أذهان البسطاء، باعتبارها معلومات حقيقية، تشى بأن جمال مبارك يراوده بريق السلطة، فهو يريد الظهور فى المشهد واستثمار الحفاوة به فى الأماكن العامة والخاصة عبر التقاط الصور، بالرغم من أننى لم أجد سببا منطقيا يدفع للريب من تصرف أو فعل، يصدر بصورة طبيعية من مواطن فقد صولجانه من ارتياد الأماكن العامة والتقاط الصور مع مرتادى الكافيهات، وهم فى الأغلب مواطنون عاديون يتواجدون بالصدفة، بما يعنى أنهم خارج دائرة الهوس السياسي، يتصرفون بشكل تلقائى، عفوى، لالتقاط بعض الصور مع أشخاص عاديين، أو بمعنى أكثر دقة، أشخاص يرغبون فى العيش كأى مواطن.
تساءل البعض، كيف؟ يهتم الناس بالتقاط الصور معهم بعدما أطاح الشعب بنظام مبارك، فى المقابل، أيضا، ثمة تساؤل يفرض نفسه تلقائيا.. لماذا يطالب الرافضون لظهورهما بأى صورة، بالإفراج عن المتورطين فى جرائم إرهابية بدعوى أنهم سجناء رأى؟... كان لافتا للنظر أن أصحاب الصوت العالى من المحرضين ضد ظهورهما، كانوا من المستفيدين من نظام مبارك، لكنهم بدلوا جلودهم مثل الحيات، متمرسين فى التنقل على موائد كل عصر، هؤلاء كانت أحلامهم فى وقت ما مجرد التقرب من محيط دائرة معارف نجلي الرئيس الأسبق، لدرايتهم بأن ذلك، بداية الطريق للصعود غير المبرر سواء فى عالم البيزنس أو السياسة، فما بالنا إذا كان التقرب منهما بشكل مباشر.
التكهنات لم تتوقف عند جمال مبارك وحده، فهى طالت شقيقه علاء الذي كان بعيدا عن دائرة الضوء ولا يميل نحو الظهور فى وسائل الإعلام أو فى المشهد السياسي بشكل عام، ولم يتعرف عليه الرأى العام بشكل مباشر فى فترة مبارك، سوى مرة واحدة، عندما تفاعل معه عبر تصريحاته التي أدلى بها فى الأزمة الشهيرة بين مصر والجزائر بسبب الأحداث التي وقعت فى ستاد أم درمان بالسودان أثناء مباراة كرة القدم بين منتخبيهما فى التأهل لنهائيات كأس العالم. فقد شوهد مؤخرا فى أحد المساجد، على أثر ذلك انطلقت قصص مثيرة عن تصوفه وتردده على أضرحة أولياء الله الصالحين لكسب التعاطف الشعبى، وكأن ارتياد بيوت الله أصبح أمرا يخضع للتنظير والتحليل.