السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

11 سبتمبر وعولمة الإرهاب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مرت خمسة عشر عاما على هجمات الحادى عشر من سبتمبر التى تعد أكبر الاعتداءات الإرهابية فى العالم فى التاريخ الحديث من حيث النوعية والنقاط المستهدقة والنتائج المترتبة عليها، وساهمت فى تجسيدها الثورة فى وسائل الاتصال التى نقلت إلى أرجاء كوكب الأرض الحدث فور وقوعه. 
إن الحادى عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١ تاريخ فاصل، لأنه حول الإرهاب من ظاهرة إقليمية إلى ظاهرة عالمية وبات راسخا فى يقين العالم أن خطر الإرهاب أصبح يهدد كل الدول وأثبتت الأحداث ذلك خلال الـ ١٥ عاما الأخيرة، وأضحى من النادر وجود دولة فى مأمن من الإرهاب حتى الدول الراعية له تظل الأكثر تعرضًا لمخاطره بعد أن « انقلب السحر على الساحر».
وفى هذا المقام نحاول إعادة قراءة الحدث من منظور لا يبحث فى النتائج، لأنها واضحة للعيان فيما حدث ويحدث فى أمريكا وأوروبا والشرق الأوسط وغيرها من مناطق العالم، ولكن من منظور يبحث فى الأسباب التى أوصلت العالم إلى هذا الوضع وجعلت الإرهاب عدو الشعوب الأول ونسوقها فى أربعة أسباب على النحو التالى.
أول هذه الأسباب هو اختلال التوازن الدولى لصالح الدول الرأسمالية، الأمر الذى نجم عنه تنامى اتجاهات فكرية متطرفة حاول الغرب إلصاقها «ظلما وعدوانا» بالإسلام والمسلمين وتغاضى عن أن وجودها جاء بتشجيع منه ولنا فى تنظيم القاعدة النموذج الواضح. فقد خلقته الولايات المتحدة لضرب أطماع الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان، ولما انهار المعسكر الاشتراكى استمر تنظيم القاعدة يمثل بؤرة الإرهاب فى العالم، وبالتالى لم يجد أمامه غير حاضنه الأول ليستهدفه بعد ذلك، لقد كان من أهم ميزات النظام الدولى بعد الحرب العالمية الثانية وجود قطبين يحافظان على توازن القوى وقد حجم هذا النظام الإرهاب بمنعه من تخطى حدوده هنا أو هناك.
السبب الآخر اختلال ميزان العدل فى العلاقات الدولية حيث ترتب على النظام العالمى الجديد بعد سقوط الاتحاد السوفيتى نتيجة تعامل الولايات المتحدة بسياسة المعايير المزدوجة التى ساهمت فى تفشى الشعور بما يمكن تسميته «الظلم الدولى»، وخرجت من تحت عباءته الاتجاهات الفكرية التى أشرنا إليها وتميزت بالتطرف، ولجأت إلى العنف والإرهاب وسيلة للانتقام ـ إذا جاز التعبير ـ وأوضح مثال على صحة ما نقول كانت وما زالت إسرائيل الحليف المدلل للحكومات الأمريكية المتعاقبة، وهو الأمر الذى كرس الواقع المر للقضية الفسطينية، وحتى يومنا هذا لم يحصل الشعب الفلسطينى على حقوقه المغتصبة من جراء سياسة الكيل بمكيالين أو دعونا نقول نتيجة عدم وجود عدالة أو إنصاف فى التعامل مع القضايا والمنازعات. 
حتى فى أروقة الأمم المتحدة التى يفترض أنها تعبر عن مصالح الجماعة الدولية نجد الولايات المتحدة وتابعيها يسيطرون على القرارات الدولية ويقررون مصائر أزمات وشعوب وفق مصالحهم.
السبب الثالث يرجع إلى مفارقة طريفة فى العلاقات الدولية أنه رغم سيطرة دول تعتمد الديموقراطية نظامًا سياسيًا، إلا أنها لا تعترف بالديموقراطية فى تعاملها مع الدول الأخرى، ونجم عن هذا التناقض نظرة أحادية، حيث يدار العالم من وجهة نظر واحدة الأمر الذى فجر فى تصورى الأوضاع الحالية فى عدد من دول الشرق الأوسط، وما تشهده دول عديدة بالمنطقة مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا ليس سوى نتاج حسابات خاطئة من هذه الدول من ناحية وتصدير العالم الغربى، وعلى رأسه الولايات المتحدة إلى هذه الدول وغيرها أفكارًا قادت إلى تردى الأوضاع بها من ناحية أخرى. 
ومن بين هذه الأفكار ما يسمى نظرية «الفوضى الخلاقة» التى تهدف إلى العصف باستقرار مجتمعات الشرق الأوسط وإعادة رسم خريطة الوطن العربى السياسية من جديد، فى محاولة لفرض اتفاقية «سايكس بيكو» جديدة ولم نجد منذ تسعينيات القرن الماضى فكرًا آخر يقارع النظريات الواردة من الفكر الغربى. 
سبب رابع هو غياب التعاون الدولى حتى عام ٢٠١١ لمواجهة الإرهاب عندما كان إرهابًا إقليميًا أو قاريًا محدودًا، ولم يستشعر العالم أهمية هذا التعاون إلا بعد وقوع اعتداءات الحادى عشر من سبتمبر، حيث أدرك أن الإرهاب أضحى ظاهرة دولية، واليوم وبعد مرور خمسة عشر عاما نقرر أن تعاون الدول فى مكافحة الإرهاب لم يُجد بعد، بدليل اتساع نطاقه وظهور تنظيمات إرهابية جديدة مثل داعش بعد أحداث سبتمبر، ما يترجم الفشل الدولى فى التعاطى مع الإرهاب كظاهرة دولية طوال هذه السنوات، ويؤكد ذلك ما شهدته فرنسا مثلا من عمليات إرهابية كان آخرها فى مدينة نيس السياحية مؤخرًا سقط خلالها عشرات الضحايا. 
إن عدم فاعلية المواجهة الجماعية لظاهرة الإرهاب يجعل خطره يظل قائما فى المستقبل، ولا توجد دولة واحدة فى العالم بمنأى عنه ما يجعلنا نحذر من خطورة استمرار عولمة الإرهاب، نتيجة حماية بعض الدول بصورة أو بأخرى لعناصر تتبنى اتجاهات فكرية متطرفة تحت مظلة حرية الرأى والديموقراطية، لأن هذه الاتجاهات هى التى تتحول إلى قنابل إرهابية موقوتة تستهدف الأبرياء من بنى البشر. 
فهل يمكن أن يتفق العالم المتحضر على إنشاء وكالة دولية متخصصة تابعة للأمم المتحدة، تكون مهمتها التنسيق بين الدول لمكافحة وملاحقة الإرهاب أينما وجد فى أى مكان من العالم؟! إجابة السؤال بنعم مرتبطة بوجود إرادة دولية حقيقية حتى لا يحدث ـ لا قدر الله ـ ١١ سبتمبر آخر.