ثمة انزعاج من الحالة الاقتصادية، من ارتفاع الأسعار والتضخم الحادث، وتراجع الاحتياطى النقدى.. والفوضى الإدارية بشأن تجديد العلاقة ما بين الجهاز الإدارى والحكومة بما يحقق مكاسب لجميع الأطراف.. والانزعاج هنا أمر مشروع فى ظل تضارب التصريحات من جانب القائمين على العملية الاقتصادية.
وفى ظل معاناة حقيقية بدأت تضرب البيوت ولم تفرق بين غنى وفقير فى ظل ارتفاع واضح ولا يمكن إنكاره للأسعار بصورة غير متوقعة.
واستفحل الأمر ووصل إلى حد الصراخ بعد أن تعدى مرحلة الشكوى.
حقيقة إنها ليست المرة الأولى التى تواجهنا مثل هذه النوعية من المعاناة.. ولكن الأمر يبرز أكثر قسوة، فقد كان مجرد ارتفاع طفيف لسعر أحد المنتجات حتى لظروف قهرية فى الاستيراد أو تغيرات مناخية مفاجئة منعت انتظام السفن فى استيراد المنتج المطلوب كالبوتاجاز.
كان هذا المشهد يحمل مبررًا كافيًا للغضب ولكنه يمثل إزعاجًا مؤقتًا!!
والآن الأمر يختلف فالانزعاج ذو وتيرة أعلى، خاصة أن لا أحد يملك إجابات شافية وكافية لأسئلة مشروعة من نوعية: هنستحمل لحد إمتي؟ وما المطلوب منا؟ وما حدود العملية الإصلاحية؟ وأيضًا هل هناك عدالة فى دفع الثمن؟
ما يهمنى هنا أن الناس كمن نزل حمام سباحة لأول مرة فى حياته وهو لا يجيد السباحة وكذلك لا يريد أحد إنقاذه ورفض الجميع نقل خبراته ليحافظ على حياته وسط الموجات المتلاطمة.
المؤكد أن دولًا عديدة مرت بظروفنا. وواجهت تحديات تخفيض قيمة عملتها مثل تركيا - ليبيا - السودان - العراق - اليابان حتى روسيا.
أرجع بذاكرتى عندما فقد الدينار الليبى أكثر من نصف قيمته.. وكان يباع بتخفيضات هائلة فى مرسى مطروح والسلوم للراغبين فى اكتنازه أو بيعه فى السوق السوداء فيما بعد.
ونفس السيناريو حدث مع الدينار العراقى.. فقد تم تخفيضه بنسبة ٧٥٪ من قيمته وقت الاضطرابات بعد ضرب العراق ونشطت تجارة تكنيز الدينارات العراقية. وهو أمر ضار بأى اقتصاد مهما كبر حجمه أو صغر، إذ إن عدم دخول أى نقود داخل آفاق الاستثمار بما يسمى ظاهرة الاكتناز لها تأثيرها السلبى، وواجهت اقتصاديات ضخمة مثل اليابان وروسيا نفس السيناريو فتم تخفيض قيمة الين اليابانى وأيضًا الروبيل الروسي.
إذًا تخفيض العملة الوطنية حل شجاع وإذا ما علمنا بأن السعر المبالغ فيه لتلك العملة يؤثر بدرجة كبيرة فى استنزاف موارد الدولة بشكل عام.. ويظل «لغمًا» تحت أقدام الجميع موجودًا ومدفونًا فى منطقة معلومة للرسميين بعدما تم تأجيل انفجاره.
فى مصر الآن معركة تدور حول دفع ثمن فاتورة تكاليف الإصلاح الاقتصادى.. فمن الذى ينبغى أن يدفع هل أصحاب الأجور المعاشية الثابتة «الموظفون» وغير الثابتة كالتجار، وكذلك الفلاح، أم الذين قاموا بنهب أراضى الدولة.. رجل المال والأعمال والشركات الكبرى.. أم صاحب مشروع صغير حصل على تمويله من الصندوق الاجتماعى؟
وهل تشمل فاتورة الإصلاح صاحب السيارة ١٠٠٠ C.C أم صاحب التوك توك.. مالك القصور.. أم سكان القبور.. كلها أسئلة تدور فى حدود المشروع داخل مجتمعنا المصري؟
ونظرًا لعدم خبرتها فى التعمق بحلول جراحية لتحقق علاجًا جذريًا للمشاكل وهى تطبقه للمرة الأولى، وجدت الحكومة نفسها تتلقى اللوم وسهام النقد من الجميع. أيضا تدفع الحكومة ثمن أخطاء حكومات سابقة، كان مبررها فى عدم تبنى العلاج الجراحى كأسلوب مضمون فى التعامل كأسلوب قاطع ومضمون فى التعامل مع أمراضنا الاقتصادية أسوة بدول العالم من حولنا.
حكومة م. شريف إسماعيل وجدت نفسها وجهًا لوجه مع «اللغم» وكان أمام الرجل أن يضحى بالشعب أو يضحى بنفسه، وقد اختار الثانية ومن المؤكد أن الرجل ووزراء حكومته يدفعون ثمنًا مؤلمًا سواء بالهجوم المبرر وغير المبرر، وهو هجوم بالطبع يؤثر على الحالة المزاجية للمسئول.
رئيس الوزراء كما هو معروف عنه.. مهذب ويتمتع بالأدب والذوق.. وأيضًا رجل لديه من الخبرات المتراكمة تتيح له ضخ أفكار بحلول.. علاوة على شجاعة الرجل ووضوحه.
والملاحظ أن شجاعته وراء قراره دخول عش الدبابير عندما تبنى تنفيذ خطة ترشيد الإنفاق والتدخل الاستئصالى المزمع تنفيذه فى مصر.. لحل مشاكلنا الاقتصادية المعقدة.
أنا شخصيًا أكتم غضبى وأعيش حلم عودة الكرامة للجنيه المصرى. بعد فترة زمنية أتمنى ألا تطول فى الوقت الذى سيبدأ فيه عائد التنمية فى التحقق فى مختلف المجالات.
أنا شخصيًا عاهدت نفسى على تحمل المخصص لى من الثمن المطلوب دفعه أو تحصيله لبناء اقتصاد قوى أستطيع وأولادى أن نضع خطط الحياة الخاصة بنا على ضوء معطيات صادقة وأرقام حقيقية وحقائق من خلالها نعرف جميعًا معنى خط سير الحياة وإحنا رايحين أين وعلى فين.
إحنا كشعب وأنا أيضًا يجب أن نتعلم المشاركة.. يعنى إيه كل واحد منا يقوم بدوره.. كواجب دينى وأخلاقى تجاه البلد.
البلد هنا مش أولادى وزوجتى فقط، ولكن بمن يعيش فيها. لا يمكن أن أشعر بالراحة وأنا راكب سيارة، وغيرى مش لاقى مينى باص بـ٢ جنيه أو يشترى مستلزمات المدارس.
العدالة الاجتماعية شيء مطلوب وحاجة حلوة.. وكلنا بنرفعها كشعار.فيجب أن أحصل على مقابل عملى وجهدى المبذول. العدالة التى نحتاجها ونريدها لا يمكن أن تكون من طرف واحد.
الحكومة المانحة للأجور.. بينما الكثيرون منا يصرون أن يكونوا بطالة مقنعة.. وبالتالى يستنزفون موارد الدولة.
والسؤال الذى يمثل حجر الزاوية من يبنى هذا البلد؟ والإجابة لن يبنى مصر إلا ساعات عملنا وجهدنا وعرقنا المبذول فى العمل، فى حين الأغلبية تفضل المطالبة بحقوقها وتطالب بما قدمته.
فى بناء الاقتصاد مفيش «هزار» ولا «دلع» فيه قرارات وقوانين ملزمة وعادلة ومعايير أكثر شفافية معلنة تطبق على الجميع.. مفيش استثناءات.
المفروض أن تبذل الحكومة جهودًا فى تنفيذ خطط إصلاح الجهاز الإدارى من الآن وعلى التوازى مع حزمة الإجراءات الاقتصادية الأخرى.. فبالإصلاح الجرىء نقصر الطريق.