المطبخ السياسى مصطلح يعرفه الدارسون والباحثون فى مجال العلوم السياسية، وأيضا المشتغلون بعالم السياسة، ويعنى مجموعة من الخبراء والمتخصصين فى مجالات العلوم السياسية والأمنية والقادرين على تقديم روشتة سياسية تضم مجموعة من البدائل أمام صاحب القرار السياسى وهو رئيس الدولة أو رئيس الوزراء وأحيانا الوزراء خاصة فى الوزارات السيادية حتى يصدر القرار مراعيا كل الاعتبارات ومحققا للأهداف التى يسعى إليها صانع القرار السياسى.
- قبل ثورة يوليو ١٩٥٢ وفى العهد الملكى كان يدير المطبخ السياسى الحاشية المقربة من الملك وكانت تسعى لإرضاء الملك ومعرفة ما يريده وتقدم له بدائل سياسية تحقق رضاء الملك عنها وتضمن استمرارها بالقرب منه دون النظر لنتائج ما تقدمه.
- وبعد ثورة يوليو ١٩٥٢ سعى قادة الثورة إلى الاستعانة والاستشارة بآراء بعض رجال السياسة دون الالتزام بما يقدم لهم من بدائل وسار على هذا النهج لفترة من الزمن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حتى وقعت نكسة يونيو ١٩٦٧ فقرر العدول عن هذا التوجه وبدأ اللجوء لعملية تشكيل واختيار مجموعة سياسية تدير المطبخ السياسى لمؤسسة الرئاسة.
- واستفاد الرئيس الراحل أنور السادات من تجربة عبدالناصر فكان أول رئيس مصرى يلجأ بشكل مؤسسى للمطبخ السياسى وتواجد حوله مجموعة من عتاة السياسة وخبراء العلوم السياسية وأيضا العسكرية والأمنية واستطاع المطبخ السياسى فى عهد السادات أن يقدم المشورة الصحيحة فى غالبية القرارات السياسية والاستراتيجية التى أصدرها الرئيس الراحل السادات وأبرزها قرار حرب أكتوبر ١٩٧٣ وإعداد الدولة المصرية لهذه الحرب التى حققت أعظم انتصار مصرى.
- وبالتأكيد ولأن الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك كان ضمن فريق المطبخ السياسى بحكم كونه نائبا للسادات فقد أسس مطبخا سياسيا على مستوى عال، واختار الراحل الدكتور أسامة الباز مستشارًا سياسيًا له والذى استطاع أن يقدم لمبارك مشورة سياسية فى كثير من المواقف والأزمات الخارجية والداخلية، ولعب الباز والمطبخ السياسى دورًا مؤثرًا وفعالًا فى إيجاد ظهير شعبى مساند لغالبية قرارات مبارك السياسية.
- وربما لا يعلم الكثيرون أن المطبخ السياسى فى عهد الرئيس مبارك وخلال السنوات العشر الأخيرة من حكمه ظهرت داخله انقسامات وصراعات، خاصة بعد ظهور أحمد عز على الساحة السياسية وتقربه من الرئيس الأسبق مبارك، وسعيه للسيطرة على المطبخ السياسى، وظهر مصطلح الحرس الجديد والحرس القديم وأصبح الحزب الوطنى الديمقراطى هو الدولة والدولة هى الحزب بسبب هذا الصراع، وبروز نجم جمال مبارك على الساحة السياسية.
- ولعل من أبرز وأهم الأدوار التى لعبها وقام بها المكتب السياسى فى عهد مبارك مهمة التنسيق بين مؤسسات الدولة، خاصة مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء والبرلمان، حيث كانت هناك اجتماعات أسبوعية تعقد بين أطراف هذه المؤسسات بمشاركة رجال المطبخ السياسى وبتنسيق من جانب الدكتور زكريا عزمى بوصفه أمين عام رئاسة الجمهورية، وأيضا نائبًا بالبرلمان.
- وكان من المعروف أن القوانين المهمة لا يمكن أن تصدر عن البرلمان إلا بموافقة ومباركة رجال المطبخ السياسى حتى القرارات الخاصة بإسقاط العضوية أو رفع الحصانة البرلمانية عن نواب المعارضة والمستقلين كان لا بد من موافقة المطبخ السياسى وهناك عشرات المواقف والقرارات التى أقرها المطبخ السياسى واعتمدها البرلمان والحكومة وقصة الإطاحة بالدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء الأسبق من أشهر قصص المطبخ السياسى.
- وبالتأكيد فإن تجربة المطبخ السياسى فى العهود الثلاثة لناصر والسادات ومبارك لها سلبيات وإيجابيات وتستحق المراجعة والتحليل والتقييم، ولكن لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تفتقد التجربة المصرية فى عهد الرئيس السيسى وجود المطبخ السياسى، خاصة داخل مجلس الوزراء ومجلس النواب بل عدم التنسيق بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية.
- ولعل حركة المحافظين الأخيرة وما أثير بشأن محافظ القاهرة عاطف عبدالحميد أكبر دليل وبرهان على عدم وجود مطبخ سياسى قادر على صياغة البدائل الجيدة وقياس نبض الرأى العام فى مثل هذه القرارات قبل صدورها لأن الاستعانة بوزراء سابقين من جديد فى إدارة شئون البلاد أبغض الحلال لدى رجال المطبخ السياسى.