الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الغرب المتربص بالدول النامية ونهب مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لاشك أن اندماج اقتصاديات الدول النامية فى السوق الرأسمالية العالمية، قهرًا أو اضطرارًا قد أصاب العملية التاريخية الحاسمة لعمليات النمو بها بالتشويه المتعمد. فمن جانب، أدت الأساليب العنيفة التى اقتحمت بها الرأسمالية الغربية هياكل المجتمعات القديمة إلى التعجيل من سرعة تحلل بعض هياكلها السابقة للرأسمالية. وذلك بتحطيم الاكتفاء الذاتى لتستمر الدول النامية مرتبطة بالدول الرأسمالية المستغلة، وتوسيع التبادل السلعى وتدمير الحرف، وتحرير قوة عاملة فقيرة. ومن جانب آخر فلقد أفضى النهب الخارجى إلى تبديد الفائض الاقتصادى ووقف التراكم. بل لقد صبغت الصناعة الوليدة بالعنف وتوقفت مئات المصانع عن العمل والإنتاج وزادت من عدد الفئات التى فقدت وسائل عملها ومعيشتها فزاد السخط الشعبى ضد الدولة. كما ترتب على غلق المصانع قلة العرض من الإنتاج فارتفعت الأسعار فزاد الغضب العام للشعب وارتفع صوت الغوغائيين والمتطرفين واضطرب الشارع السياسى والاجتماعى والاقتصادى مما أثر على جذب الاستثمارت المحلية والأجنبية للدول النامية ومصر فى القلب منها. هنالك كان لا بد من أن يخيم الركود بصفة عامة على حركة القوة المنتجة، ويحدث هذا لأكثر من سبب: يحدث أولًا نتيجة لعدم تراكم القدر الكافى من رأس المال لتوسيع الإنتاج، نظرًا لعدم تحول رأس المال التجارى والخدمى إلى الصناعة. ويحدث ثانيًا لعدم تطوير إنتاجية العمل وهى كفيلة وحدها برفع معدلات نمو القوة الإنتاجية. ويحدث ثالثًا نتيجة لتدمير القوة الإنتاجية الأساسية لتلك الدول النامية. ففى القرن السادس عشر كان تهجير أصحاب الصنائع وهجرة الصناع من القاهرة ودمشق وبغداد إلى الأستانة. وفى القرنين السابع عشر والثامن عشر كان استرقاق زنوج إفريقيا للعمل فى مزارع القطن فى أمريكا وإنشاء شبكة الطرق الأمريكية الرهيبة التى كانت أحد أسباب تطوير المجتمع الأمريكى. حتى لقد أخليت مناطق بأكملها من سكانها الأفارقة، واختفت قبائل بأسرها كانت موجودة من قبل. وعلى أساس التقدير القائل بأنه مقابل كل رقيق استورده نصف العالم الشمالى الغربى فإن خمسة أفارقة قد قتلوا فى إفريقيا أو ماتوا فى أعماق البحار عند نقلهم. ويؤكد«دى بوا» أن الرق كان يعنى بالنسبة لإفريقيا خسارة رهيبة تقدر بحوالى ٦٠ مليون نفس. وفى النصف الثانى من القرن العشرين حولت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية استمرار دورها فى استنزاف موارد وإمكانيات مصر وأن تجذب إليها خلاصة العقول والخبرات والتخصصات العلمية المصرية النادرة من خلال اتباع شتى الطرق والأساليب لتشجيع عملية الهجرة إليها ونجحت فى ذلك. وحرمت مصر من أهم عناصر قوتها اللازمة لتحقيق التنمية والنهضة والبناء، وهو شكل من أشكال نزف العقول والنقل العكسى للتكنولوجيا. وكنت مسئولًا عن ملف الهجرة المصرية الخارجية بالتعاون مع إحدى الجهات السيادية فى مصر بغية التعرف على حجم وخصائص العقول المصرية المهاجرة ومعرفة أماكن تواجدهم فى الولايات المتحدة تحديدًا والدول الأوروبية وأستراليا وكندا وذلك لبناء جسور العلاقة والثقة معهم بما يحقق تعظيم الاستفادة منهم من الناحية السياسية والعلمية والتكنولوجية والأمنية أيضًا، وتحقيق مصالح مصر القومية العليا أسوة بما تتبعه كل الدول التى لديها مواطنون فى الخارج. كما كنت المنسق القومى لمصر فى مجموعة الدول الأورومتوسطية (١٢ دولة جنوب البحر المتوسط) لدراسة قضية الهجرة غير الشرعية وموضوع اللاجئين السياسيين. 
ولقد استطاعت إسرائيل تعظيم الاستفادة من مواطنيها بالخارج الذين يبلغ عددهم نحو ٨ ملايين نسمة، الغالبية الأعم منهم يتركزون فى الولايات المتحدة الأمريكية، وأعداد قليلة فى بقية الدول الغربية. وتعتبر منظمة (إيباك) هى أخطر وأهم جماعات الضغط الإسرائيلية اليهودية فى العالم وتوجد فى الولايات المتحدة الأمريكية.
كانت هذه أمثلة وحشية لعمليات حرمان المجتمعات النامية من أهم قواها المنتجة وهى قوة العمل، وفرض الركود الشامل عليها. وعندما يجتمع الركود والبطالة ويرتفع معدل التضخم ينمو الفساد، وتتراجع منظومة القيم وينشرخ النسق الاجتماعى، ويبدأ الصراع بين طبقات المجتمع وعندئذ ينفلت الزمام من بين ربانى هذه الدول. 
تلك هى العناصر الخارجية التى أعاقت التنمية بل حاصرتها وما زالت. لأنها تؤثر على المحددات الداخلية للدول وتأسيسًا على ذلك فإن مصر ينبغى عليها استئصال الفساد اللعين، خاصة بين القيادات العليا والوسطى وأن يعتمد المجتمع على الطبقات التى تكون لها مصلحة ورغبة فى التطوير المنتظم لعلاقات الإنتاج وعلاقات الأفراد والفئات الاجتماعية. فلا يوجد بداخله مجموعات اجتماعية تعمل على تحديد العلاقات الإنتاجية عند مستوى معين أو تعمل على وقف مسيرة الديمقراطية عند حد معين. ومن ثم يمكننا افتراض إمكانية تطوير كل من القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج فى المجتمع بصورة متعاصرة، أى معًا. ويتطلب ذلك سياسة خاصة لها معايير وأفكار وفلسفات خاصة لتجديد المطابقة بينها بصفة منتظمة أى أنه يمكن المحافظة على التوافق بينها بطريقة مخططة. إنها إمكانية ينبغى السعى لتحويلها إلى واقع، أى تحويلها إلى أشكال تنظيمية جديدة أكثر تقدمًا لعلاقات الإنتاج تتناسب مع التطور المذهل الذى تحققه القوة المنتجة الشريفة. هنا يصبح العامل الذاتى أى الوعى حاسمًا لصياغة التطابق.
ولكن الوعى وحده لا يكفى لضمان التطوير لأنه لا توجد فى المجتمع إمكانية موضوعية لعدم توافق المصلحة الشخصية للعامل ومجموع مصالح المجتمع ككل بصورة دائمة. كما أنه يوجد بعض التناقضات داخل المجتمع جعلت هناك مسافة بعيدة بين طبقات المجتمع أدت إلى عدم تحقيق العدالة الاجتماعية وفقدان التوازن والانسجام بين الفئات المنتجة والشريفة وبين الفئات الطفيلية الفاسدة غير المنتجة وغير الشريفة. 
مع بداية الألفية الثالثة تحول عدد كبير من الوسطاء والسماسرة والمضاربين وبعض أفراد من الطبقى الوسطى إلى أصحاب ملايين من خلال المضاربة على أراضى البناء والاتجار فيها وبناء العقارات المخالفة تحت سمع وبصر بعض رؤساء الأحياء والإدارات الهندسية بها، واستيراد السلع الغذائية المنتهية الصلاحية وغير الصالحة للاستخدام الآدمى وأيضًا التجارة فى العملة والسموم والذهب. وفى ظل التضخم استطاعت فئات من المجتمع تكوين الثروات من دماء وعرق أفراد وشرائح اجتماعية شريفة من العمال والفلاحين والبسطاء فى المجتمع. ولكن الخطورة هنا أن تلك الفئات الاجتماعية الطفيلية غير الشريفة فئات غير منتجة تشكل وضعًا سلبيًا سريع العدوى وواسع الانتشار. مما شكل بيئة اجتماعية موائمة تمامًا لتنامى أشكال مختلفة للأمراض الاجتماعية وأهمها التطرف والإرهاب والفساد والرشوة وعدم احترام قيمة العمل والوقت وإهمال كل ما هو عام وحكومى.
وفى هذا الإطار هل نعيد التذكير بالتهرب الضريبى من جانب بعض رجال الأعمال والمال والصناعة ومهن أخرى، هل نذكر بقضية تهريب العملات الأجنبية للخارج والقروض بالضمان الشخصى التى ضيعت المليارات على الدولة هذا جانب، أما الجانب الآخر المتعلق ببعض المسئولين فى الدولة وأعنى فساد القيادات والمحليات وبعض رؤساء الأحياء والغالبية الأعم من مسئولى الإدارات الهندسية الذين امتلأت جيوبهم وكروشهم بالمال الحرام تحت سمع وبصر الدولة، وإن كانت الحكومة تحركت على استحياء لمحاربة هذه الفئة الضالة. هل نذكر بالفاقد القومى على المستويات المختلفة والذى يدفع بالعديد من كبار المسئولين لاستخدام وتسخير واستغلال كل ما هو عام وقومى للمصلحة الشخصية؟. فالملاحظة أن الفئات القادرة فى المجتمع هى أكثر الفئات استفادة من الرعاية والدعم. وهم يستطيعون بطريقة أو أخرى الحصول على كل ما يريدون ولا تصل إليهم يد الدولة ليدفعوا حتى قيمة الضرائب المستحقة عليهم. 
ولذلك فالتوجه اليوم إلى القادرين ليبدأوا بدافع ذاتى وبوحى من ضميرهم ومن منطلق حرصهم على المصلحة القومية وظروف البلد الاقتصادية الصعبة فى المشاركة بكل إخلاص وجدية فى تحمل مسئوليتهم ويبادرون بدفع الضرائب المستحقة عليهم وتحمل أعباء التضخم فتحقيق العدالة الاجتماعية داخل المجتمع وهى نقطة الانطلاق التى نبدأ منها ونحارب بها النهب الداخلى لمصر.
وعندما سأل أحد رؤساء التحرير المصريين الرئيس بوش الأب عند زيارته لمصر فى التسعينيات من القرن الماضى عن أغنى دولة فى العالم؟ أجاب دون تردد «أغنى دولة فى العالم هى مصر»!! فاستغرب الصحفى وسأله كيف يكون هذا؟ أجاب الرئيس بوش «لأن مصر هى الدولة الوحيدة فى العالم التى تعرضت على مر العصور لعمليات نهب خارجى ونهب داخلى ولم تسقط».. أصبت يا بوش فلم ولن تسقط مصر.