السبت 28 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

همنجواي.. الانتحار للأفضل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قرأت رواية «العجوز والبحر» أول مرة فى مطلع الشباب، ولا أذكر كم مرة قرأتها بعد ذلك.. كنت أقرأها كلما شعرت أنى فى حاجة لقراءتها، فحينما كنت أشعر وأنا أمر بكرب أنى أكاد أستسلم لدواعى اليأس ألجأ إلى الله عز وجل وأقرأ رواية «العجوز والبحر»، لأستلهم منها الجَلَد والصبر.
ومن العجب العجاب أنه فى اليوم الذى فازت فيه الرواية بجائزة نوبل للآداب ذهب كاتبها إرنست همنجواى إلى مكتب تلغراف وأرسل منه برقية إلى صحيفة نيويوركر الأمريكية تقول: انتحر اليوم الكاتب الأشهر إرنست همنجواى حزنًا على منحه جائزة نوبل للآداب!
وبجوار جثته وُجِدتْ ورقةَ كَتَبَ فيها: جائزة نوبل جائزة بلهاء، يمنحها قوم أشد بلاهة لكُتَّاب أثرياء ليسوا فى حاجة إليها على الإطلاق بدلًا من أن يعاونوا بها الكُتَّاب الفقراء.. إن أردتم أيها السادة أن تلقوا بأطواق النجاة فى البحر فمن يكون بها أحق؟.. ركاب البواخر الفارهة الجالسون فى الصالونات أم السابحون فى محيط الحياة ويعانون من لطمات الأمواج؟!
قبل انتحاره تناول طعام العشاء مع زوجته، كان يطعمها بيده، ويقبلها بفمه، أمضيا معًا ليلة سعيدة، قال لها: «أحبك مثل حب الوعل للطين.. أحبك مثل حب البحر للشاطئ الذى ما إن يتركه حتى يسارع إليه يقبله من جديد.. أحبك إلى حد الموت الذى أعشقه إن أتانى وأنت فى أحضاني».. غنت له الأغنية التى استمعا إليها معًا فى خريف عام ١٩٥٦ من عازف ماندولين متجول فى مدينة نابولى الإيطالية، فاشترك معها فى الغناء وهما يضحكان.. ثم بعد ذلك بثمانى ساعات أطلق على نفسه الرصاص!
زوجته مارى انهارت وقالت للصحفيين الذين هرعوا إلى مكان الحادث: لا تقولوا انتحر.. لم يكن إرنست مكتئبًا حتى تقولوا إنه مات منتحرًا.
قبل وفاته قال له صديقه الصحفى «هوتشنز»: سيأتى الربيع فى الغد وسنخرج معًا للصيد، فقال همنجواي: لا لن يكون هناك ربيع.. لن يأتى هذا الربيع، فقال له الصديق: همنجواى.. لم تقتل نفسك؟!، فقال: وما الذى يفعله رجل بلغ عمره الثانية والستين واكتشف فجأة أنه لا يستطيع أن يؤلف الكتب التى تخيلها ووعد نفسه يومًا أن يكتبها، فقال له الصديق: لماذا لا تعتزل الكتابة خاصة أن دخلك ومدخراتك وعقاراتك تجعلك تعيش فى سعة، فقال: قد يعتزل لاعب البيسبول حينما تُكسَرُ ساقه ومصارع الثيران حينما يفقد شجاعته ويستوعب هذا الناس، أما الكاتب فيواجه أينما ذهب السؤال المخيف الدائم: ماذا تكتب الآن؟!
ثم أخرج همنجواى تعويذة من جيبه كان قد اشتراها فى صباه عبارة عن خصلة من شعر حصان وأهداها لصديقه الصحفى الذى تعجب من تصرفه قائلًا: ولكنك كنت تتفائل بها دائمًا!، قال: نعم ولكننى الآن لم أعد فى حاجة إليها.
تزوج أربع مرات وأنجب ابنة وثلاثة أبناء، وذات يوم قال: لم أندم على الزواج إلا من واحدة ـ لم يذكر اسمها ـ تركتنى إذ كنا نحتفل معًا بزواجنا وذهبت وحدها إلى البار، وحينما سألنى البار مان عن رغبتى قلت: أرغب فى الطلاق.
الممرضة إينيس حبه الأول لما علمت أنه قد مات منتحرًا قالت: كان هذا محفورًا بداخله!
سبق لأبيه الانتحار بأن أطلق على نفسه الرصاص، وابنته مارجو الحسناء التى عملت كعارضة أزياء من قبل أن تعمل كممثلة ثم كمطربة انتحرت أيضًا بالحبوب المهدئة، وفى حديث صحفى لها قالت قبل انتحارها: إن فى الهند عرافًا قد حكم على أفضل أفراد عائلتنا بالانتحار.
لم تستح رايسا جورباتشوف حين زارت كوبا عام ١٩٨٩ مع زوجها الزعيم السوفيتى أن تطلب زيارة قبر الراحل إرنست همنجواى الكاتب الأمريكى.. فأدهش الصحفيين فى ذلك الحين أن تزور زوجة الزعيم السوفيتى قبر كاتب أمريكى وحاصروها بمئات الأسئلة فقالت: إن همنجواى كان روائيًا عظيمًا، وروايته «العجوز والبحر» على الوجه الأخص تلخص الحياة بأثرها والإنسانية كلها.
لو كنت معه قبيل أن يُقدم على الموت لذكَّرته بالله عز وجل، ولنصحته بأن يقرأ رواية «العجوز والبحر»!