نمتلك من الأنانية ما يكفى لشعوب العالم كله، ولا نرى سوى أنفسنا بل لا نرى حتى أنفسنا، وأصبح معظم الناس يجاهد ويجتهد للحصول على أى شىء دون الاعتبار لأى شىء.
نصرخ بأعلى صوت كم هى الحياة أصبحت سخيفة وغلاء الأسعار الذى يشق صدور الناس، ولا يجد أحد مخرجًا منه إلا الشكوى وإلقاء اللوم ويصل أحيانا للتوعد والبعض لا يتوعد، ولكنه يتكلم عن الآخرين غير المعروفين لديه، ولكنه يريد أن ينشر بعضًا من التوعد فى هواء مجتمعه، وأن يقول إنه يعلم ويرى ويرصد وكأنه من أشد المحللين براعة.
وإن كان الحق غير ذلك، فيالنا من مجتمع يتنفس الفساد، فالكل فاسد من المواطن إلى الموظف إلى مناخ الحياة التى نعيشها إلى الهواء الذى نتنفسه، ولم نكن نحن من صنعنا ذلك الفساد بل هو موروث ولم نبذل من الجهد لتطهيره، بل نساعد ونتكاتف على إعلائه. فلقد فسدنا عندما دعمناه أول مرة.
إن شوارعنا وسخة ولم تأت الأوساخ من عدو حاقد يطير بطائراته فى سمائنا ويلقى بقاذوراته فى شوارعنا. فالكل متسخ ابتداء من ربة المنزل والأم التى لم تعود أبناءها على أن النظافة من الإيمان.
نعلم أن الغلاء مستشرٍ فى كل أنحاء العالم لاختلاف ظروف المعيشة فى أيامنا هذه عما سبقها من عصور ومن حروب العالم الملتهبة، عما سبق من عصور هدوء، وكل منا يعلم علم اليقين أن الحل فى الإنتاج ودعم المنتج المحلى والوقوف يدًا واحدة أمام كل ما يريد أن يهزمنا ويركعنا وأيضا ننتظر المعجزات، وننتظر الحكومة السحرية التى ستضع الحلول لنصبح فى الصباح لنجد الطرق الجيدة، وأن دخلنا زاد والأسعار قلّت وكل واحد منا يمتلك فيلا بثلاث حدائق، ولكن دون تعب أو بذل أى مجهود.
من منا قرأ أو سمع أو رأى على مواقع التواصل الاجتماعى عن موضوع زراعة أسطح المنازل بزراعات قد تعطى كل بيت جزءًا من احتياجاته من الخضراوات بأقل التكاليف، بل وستزيد من معدلات الإنتاج والنظافة والشكل العام، ولن تكلف من سيزرعها إلا قليلًا جدًا، بل من الممكن أن تكون التكاليف لا تذكر.
من منا حاول أن ينفذ؟ ولكى نعرف الإجابة نكتفى بزيارة واحدة لبرج القاهرة أو المقطم والنظر جيدا لحقيقة ذلك الجمهور الكبير من خلال أسطح منازلهم ولنقيم أنفسنا بأنفسنا.
لم نخترع الكسل والتأجيل واللا مبالاة بل توارثناه من تلك الفترات التى أهملنا فيها أنفسنا وواجباتنا. لقد هزمنا من أول يوم رأينا فيه المائل ولم نحاول أن نعدله.
يروى أنه كان فى غابة أسد وثلاثة ثيران «أبيض وأسود وأحمر» وكانوا يعيشون بسلام ومرت الأيام وجاع الأسد، ولكن كيف الحل ثلاثة ثيران أمامه لا يستطيع التغلب عليهم وهم مجتمعون، فلجأ إلى حيلة وهى أن دعا الثور الأحمر والأسود على انفراد وقال لهما إن الثور الأبيض يسبب لهم الإزعاج، كما أن لونه أبيض ويرى فى الظلام وتصرفاته غير طبيعية فقالوا له دونك إياه فقام الأسد وقتل الثور الأبيض وأكله، ومرت الأيام وجاع الأسد أيضا، فجاء إلى الثور الأسود وقال له إن الثور الأحمر يتصرف مثل تصرفات الثور الأبيض سابقًا، فقال له دونك إياه، فقام الأسد وقتل الثور الأحمر وأكله وبقى أيامًا، ثم جاع الأسد أيضا، فقال للثور الأسود الآن جاء دورك فقال له الثور الأسود: أمهلنى أصيح بأعلى صوتى «أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض»، هل لا بد أن نجوع لكى نزرع؟ هل لا بد أن نمرض لكى نسعى للنظافة؟ هل لا بد أن نعانى لكى نحاول؟ هل لا بد أن نهزم لكى تصبح لنا عزيمة؟