نواصل سردنا الموضوعى لما حدث فى مصر خلال السنة التى حكمها الدكتور محمد مرسى، والتى بدأت فى٣٠ يونيو ٢٠١٢ وانتهت فعليًا فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وكنا قد توقفنا فى المقال السابق عند العواقب الوخيمة التى تلت زيارة مرسى إلى إيران، تلك الزيارة التى رفضتها الخارجية المصرية وجهاز المخابرات العامة، لكن مرسى أصر عليها بدعم من عصام الحداد مساعده للشئون الخارجية، والذى أصبح بين ليلة وضحاها صاحب الكلمة العليا فى مجال سياسة مصر الخارجية، علمًا بأن تخصصه هو التحاليل الطبية، وها هو مرسى يعود إلى أرض الوطن، ليكتشف أن طوابير السيارات تقف طويلًا أمام محطات الوقود بحثًا عن البنزين الذى اختفى تمامًا بعدما قررت دولة الإمارات الشقيقة إعادة السفن المحملة بالبترول إلى بلادها أثناء تواجد مرسى فى إيران، وخلال ساعات قليلة تفاقمت الأزمة فى مختلف محافظات مصر، واجتمع مجلس الوزراء لمناقشة الأمر ورفع هشام قنديل تقريرًا إلى الرئيس، لكن هذا التقرير توقف عند السيدة باكينام الشرقاوى، والتى حدثت قنديل هاتفيًا معنفة إياه قائلة: «يا دكتور قبل ما تكتبوا تقارير فكروا فى معناها الأول، إنتوا عايزين تقولوا للرئيس إنك غلطت إنك رحت إيران». وعندما عرضت باكينام التقرير على عصام الحداد صاح «دى مؤامرة بقى»، أما تقرير المخابرات فيصل عادة وبشكل مباشر إلى الرئيس والذى قام بإرساله إلى مكتب الإرشاد، وقد وجد هذا التقرير حين اقتحم بعض الشباب مبنى مكتب الإرشاد بالمقطم قبيل انتهاء حكم الإخوان، حيث تم العثور على مئات التقارير والخطابات السرية الخاصة بمؤسسة الرئاسة، وبعض الجهات الأمنية. وبالطبع فإن محمد مرسى هو من قام بإرسالها إليهم للنظر والاطلاع، وإحدى القضايا التى يحاكم فيها الآن هى تسريب بعض المستندات الخطيرة إلى أعضاء جماعته، ومن بينها مستندات وتقارير تخص الأمن القومى المصرى، وتسليح الجيش، وبعض هذه المستندات ضبطت بحوزة ابنه أحد قيادات الإخوان والتى تم القبض عليه فى مطار القاهرة قبل أن يسافر إلى قطر، وذلك بعدما ارتاب موظف أمن المطار الذى يراقب محتويات الحقائب والذى وجد حقيبة كبيرة مليئة بالمستندات والأوراق فقرر فحص هذه الحقيبة ليفاجأ بالأوراق والمستندات وكان هذا قبل الثلاثين من يونيو بشهرين، ونعود مرة أخرى إلى سبتمبر ٢٠١٢ حيث كان فريق عمل مسلسل «مع سبق الإصرار» ـ والذى قمت بتأليفه ـ يحتفل بنجاح المسلسل فى الإسكندرية بدعوة من أندية روتارى وجاءت إقامتنا فى أحد الفنادق العتيقة والعريقة، وإذ بصاحب الفندق يجالسنا ليخبرنا بأنه نوى الرحيل عن مصر وعندما سألناه عن السبب أخبرنا بأن حكومة قنديل قررت أن تلغى له حق الانتفاع الخاص بالفندق بعدما أداره مدة تصل إلى ثلاثين عامًا، وأن شركة جديدة يمتلكها خيرت الشاطر هى التي تقدمت للحكومة كى تؤجر هذا الفندق، وتصورت أن الرجل يبالغ فى الأمر أو يدعى ذلك كذبًا لكن مسئولًا كبيرًا بالإسكندرية أكد لنا هذا، هنا تبين لى أن هؤلاء قد أتوا للسيطرة على مفاصل الدولة واقتصادها وشوارعها ومبانيها وصولًا لأصغر ما فيها وازداد يقينى بهذا عندما بلغنى أن مدرسًا بالمرحلة الابتدائية تم تعيينه رئيسًا لمدينتى ومسقط رأسى دسوق، وأن هذا المدرس لا يملك ما يؤهله لهذا المنصب سوى انتمائه لجماعة الإخوان، وأثناء تفاقم أزمة البنزين الأولى وبينما الرئيس متجها صباحًا إلى الاتحادية فى موكبه، فوجئ قائد الحرس المرافق بأسعد شيخة، وهو يطلب منه أن يأمر الموكب بالتوجه إلى المقطم، وهنا اعترض قائد الحرس وأخبره بأن هذا الأمر غير مقبول، فمسار الرئيس يجب أن يكون مدروسًا ومؤمنًا بعناية وثمة أجهزة أمنية كثيرة تقوم بهذا العمل وفق خطة شاملة وتنسيق بين هذه الأجهزة وهنا تدخل مرسى ليقول بحزم «اعمل اللى قالك عليه»، وحاول شيخة أن يهدئ من روع الرجل فأخبره بأن هناك قرابة العشرة الآف شاب يقومون بتأمين الرئيس دون دراية أحد، هذه الكلمات دفعت قائد الحرس المرافق أن يطلب من قائده إعفاءه من مهامه، لأنه لا يستطيع التعامل مع مرسى ورجاله الذين يفتون فى كل شىء دون علم أو دراية، وذهب مرسى إلى مكتب الإرشاد للمرة الأولى بعدما أصبح رئيسًا لمصر واستقبله بديع والشاطر والعريان وسعد الحسينى والكتاتنى وغيرهم، وبدأ الاجتماع الذى شرح فيه مرسى ما قام به خلال زيارته للصين وإيران والمفاوضات التى أتمها مع أمريكا بشأن حماس، وفتح باب النقاش، وكان كل واحد من الموجودين يسأل الرئيس الذى يجيبه عن سؤاله، وبالمناسبة فإن هذا الاجتماع قد تم تسريب جزء منه وهو موجود حتى الآن على اليوتيوب، وفيه أيضًا نوقشت أزمة البنزين واقترح أحدهم أن يخرج الرئيس ليدلى ببيان يؤكد فيه أنها أزمة مفتعلة، وأن الفلول هم الذين قاموا بها، بهدف إفشال الرئيس، وطلب بديع من مرسى تعيين عدة مساعدين للرئيس فى التخصصات التى بها وزراء من خارج الإخوان ليكونوا هم الوزراء الفعليين، وذلك لشكهم فى أن الوزراء الذين لا ينتمون للجماعة يديرون مؤامرة على الرئيس، فطلب مرسى من المرشد أن يجهز قائمة بالأسماء ووعده بإصدار قرار جمهورى بها.
وللحديث بقية.