الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

كهوف الإرهاب في سيناء.. أقدم التنظيمات النشطة في شبه الجزيرة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

«التوحيد والإرهاب».. أصل التفجير والتكفير

- تأسس فى نهاية ١٩٩٧ على يد خالد مساعد المنشق عن «السلفية الدعوية» بمساعدة نصر الملاحى

- بدأ تنفيذ عمليات إرهابية ضد السياح الأجانب فى مصر بعد غزو العراق

- عادل حبارة كان عضوًا به .. واتصالاته مع «جيش الإسلام الفلسطيني»واسعة

- هاجم قسم ثان العريش مرتين بعد ٢٥ يناير.. وحاول استهداف مديرية أمن شمال سيناء بـ«آر بى جى»

- تبلغ مساحة سيناء تقريبا ٦٠ ألف كم مربع تتماس جغرافيًا مع قطاع غزة فى جزء من الشريط الحدودى الشرقى ومع الجانب الإسرائيلى فى بقية المساحة

- يعد تنظيم «التوحيد والجهاد» من أقدم وأخطر الجماعات المسلحة فى سيناء، وهو تنظيم مصرى متطرف شديد العنف يقدم نفسه على أنه أحد تنظيمات السلفية الجهادية

 

منذ أن خفت حدة المواجهة الأمنية مع الإرهاب فى أواخر التسعينيات نتيجة لتضافر جهود الدولة على جميع مستويات التصدى للظاهرة، بدأت العناصر الإرهابية التى لم تؤمن بمبدأ المراجعات ولم تتبن مبادرة وقف العنف تبحث لها عن مأوى آخر، يحقق لها الأمان بعيدا عن أعين أجهزة الأمن ويوفر لها بيئة صالحة لتجميع صفوفها فلم تجد أفضل من منطقة سيناء، وساعدها على ذلك الظروف الخاصة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجغرافية لمنطقة سيناء.

تبلغ مساحة سيناء تقريبا ٦٠ ألف كم مربع تتماس جغرافيًا مع قطاع غزة فى جزء من الشريط الحدودى الشرقى ومع الجانب الإسرائيلى فى بقية المساحة من هذا الحد الشرقى نفسه، ولها مسطح مائى يتجاوز ألف كم، ٢٢٠ كم على ساحل البحر الأبيض و٢٠٠ كم بقناة السويس و٦٠٠ كم تقريبا فى خليج السويس وخليج العقبة، بالإضافة إلى الطبيعة الجبلية الوعرة لسيناء من جبال شاهقة ووديان عميقة وكذلك الصحراء الشاسعة.

ساعدت كل هذه العناصر على إمكانية تهريب الأسلحة والأشخاص وإخفاء المطلوبين للعدالة فى دروب الصحارى وكهوف الجبال، مما صعب معه إمكانية المواجهات الأمنية الناجحة، وقد حدثت مواجهات أمنية كبيرة فى الفترة السابقة لثورة يناير وكان آخرها عامى ٢٠٠٥ - ٢٠٠٦ فى جبل الحلال، وقبل هذه المواجهات وبعدها كانت هناك مواجهات أمنية بصورة محدودة للغاية وفقًا لظروف كل حدث.

وعقب ثورة يناير حدثت موجة من التغيرات السياسية والاجتماعية بصورة حادة لم يسبق لها مثيل، أدت إلى وجود خلل أمنى كبير فى الشارع المصرى بشكل عام وفاقمت من معضلة سيناء الأمنية بشكل خاص، حيث وضعت اتفاقية السلام مع إسرائيل الموقعة عام ١٩٧٩م بملاحقها الأمنية قيودًا صارمة على الوجود العسكرى المصرى المسلح فى شبه الجزيرة مما أدى إلى وقوع تلك المنطقة الحدودية فريسة لفراغ أمنى كبير ساعد فى نشاط الجماعات الإجرامية والإرهابية.

ولهشاشة الوضع الأمنى فى سيناء زادت صعوبة المواجهة الأمنية وأصبح الأمر يمثل عبئًا كبيرًا على كاهل الشرطة التى فقدت جزءًا كبيرًا من قدرتها على المواجهة، بسبب كثرة الاحتجاجات والتظاهرات وفقد القدرة على توفير المعلومات الأمنية اللازمة، الأمر الذى استوجب معه أن تكون المواجهة شاملة فى وخطوط متوازية اقتصادية واجتماعية وسياسية للوصول إلى نتائج أمنية مرضية، ولا نستطيع فى هذا الصدد أن نغفل تعقيدات المحيط الإقليمى لهذه المنطقة، فقطاع غزة وإسرائيل حاضران فى المشهد السيناوى دون شك وبمساحة تعطى الأمر مزيدًا من الصعوبة.

نجحت الثورات فى تغيير بعض الأنظمة العربية، لكن بعد فترة زمنية قصيرة من اندلاع الثورات العربية والإطاحة بالأنظمة الموجودة فى كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وقيام أنظمة جديدة من نتاج تلك الثورات، تبين أن هذه الثورات هى بداية لموجة جديدة من الإرهاب، ربما تكون موجة أشد ضراوة من الموجات السابقة، حيث فوجئ الجميع بالصعود القوى للتيارات الإسلامية بمختلف أطيافها فى مصر بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، خاصة التكفيرية الجهادية فى شبه جزيرة سيناء، حيث عادت هذه التيارات مرة أخرى إلى الساحة أكثر قوة ونشاطًا، وأصبحت أكثر قدرة على التأثير بقوة فى مجريات الأحداث وقامت بعمليات عنف كبيرة ومتنوعة على نحو يفرض واقعًا جديدًا لم يكن مألوفًا من قبل.

بدا أن هناك قرارًا ما قد اتخذ بتمركز هذه التنظيمات فى سيناء، ثم سرعان ما نمت وتضخمت وأتخمت بالمال والسلاح وتدفق العنصر البشرى إلى هناك من كل حدب وصوب، فمنهم من كان عائدا من جبهات الخارج الجهادية بعد فترات من المنافى الاختيارية أو هربا من القبضة الأمنية الصارمة لنظام مبارك، ومنهم من كان داخل مصر ويمارس حالة الكمون الظاهرى حتى تتغير الظروف العامة بما يسمح له بالعودة لحمل السلاح، والمجموعة الأهم هى التى صدر بحقها قرارات عفو رئاسى لمن كان يقضى فترات عقوبة سابقة أو قيد الاعتقال لخطورة نشاطه وفق قانون الطوارئ الذى كان سائدًا قبل ثورة يناير، وهؤلاء جميعا بالإضافة إلى عناصر جديدة تم ضمها بصورة سريعة توجهوا إلى شمال سيناء فى توقيت واحد تقريبًا بما يوحى أن هناك تخطيطًا مسبقًا فى اختيار المكان ليتجمع كل هذا الخليط فى نقطة واحدة ليعاود نشاطه الإرهابي المسلح.

■ ■ ■

وضع الخبير الأمنى خالد عكاشة الكلمات السابقة فى مقدمة كتابه المهم «سيناء.. أرض المقدس والمحرم» الذى تناول فيه ظاهرة الإرهاب فى سيناء بشكل مفصل هنا فى «البوابة» اخترنا أن نعرض جانبًا مما جاء فى الكتاب لأهمية المعلومات الواردة فيه.

 

يعد تنظيم «التوحيد والجهاد» من أقدم وأخطر الجماعات المسلحة فى سيناء، وهو تنظيم مصرى متطرف شديد العنف يقدم نفسه على أنه أحد تنظيمات السلفية الجهادية، لكن واقع التنظيم يضعه فى مربع الفكر التكفيرى أكثر من اقترابه من الفكر السلفى، فمؤسس التنظيم «الدكتور خالد مساعد» انشق عن «الجماعة السلفية الدعوية» فى نهاية عام ١٩٩٧ وبدأ منذ ذلك التاريخ فى تأسيس تنظيم هو الأشرس والأكثر عنفا فى جميع التنظيمات التى اتخذت من سيناء ملاذا لها.

فى عام ٢٠٠٠م بدأ طبيب الأسنان خالد مساعد المقيم بمدينة العريش تأسيس التنظيم، من غير المعروف ما إذا كان «مساعد» ارتبط فى البداية بتنظيمات أجنبية من عدمه لتكتمه الشديد وحجبه أى معلومات عن أعضاء التنظيم، فلم يعلم الأعضاء أن التنظيم الذى ينتمون إليه يطلق على نفسه اسم «التوحيد والجهاد» إلا فى أغسطس ٢٠٠٥ بعد انضمامهم للتنظيم بأربع سنوات كاملة، خالد مساعد ينتمى لقبيلة السواركة وهى من أشهر القبائل فى سيناء ولها مواقف مشرفة فى مقاومة الاحتلال الإسرائيلى فى سيناء بين عامى ٦٧ و١٩٧٣ وتلقى خالد تعليمه الجامعى فى كلية طب الأسنان بجامعة الزقازيق ويرجح أنه التقى فى هذه الجامعة بطالب من كلية الحقوق من محافظة البحيرة يدعى «نصر خميس الملاحى» والذى انتقل فيما بعد إلى الإقامة مع قائد التنظيم بمدينة العريش فى حى السمران، وهناك انضم إليهما «نايف إبراهيم صالح الديب» الذى أصبح فيما بعد مسئولا عن خلية العريش.

شكل هذا الثلاثى النواة الأولى لأول تنظيم إرهابى مسلح على أرض سيناء منذ عودتها كاملة للسيادة المصرية، المعلومات التاريخية حوله أفادت بأن قائد التنظيم كان عضوا بجمعية الشبان المسلمين وكان يلقى دروسا دينية فى «مسجد الملايحة» بالعريش بعد صلاة العصر يومى الاثنين والخميس، ويتناول دروسا فى العقيدة خاصة حول الجهاد، وذلك فى غضون عام ٢٠٠٠ وأنه تمكن من ضم بعض المترددين على هذا المسجد، بينما نشط مساعداه الملاحى والديب فى المساجد الأخرى بمدينة العريش وتمكنا من إقناع بعض الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ٢٠ و٢٥ عاما بأفكار التنظيم والانضمام إليه.

فى عام ٢٠٠١ وقعت تفجيرات ١١ سبتمبر تلتها ارتكاب إسرائيل لمذبحة جنين عام ٢٠٠٢ واستغل قادة التنظيم هاتين المناسبتين لإقناع المزيد من الشباب بضرورة الجهاد ضد الأمريكيين والسفر إلى أفغانستان وفلسطين للجهاد ضد القوات الأمريكية، ثم اندلعت بعد ذلك الحرب الأمريكية على العراق فى مارس ٢٠٠٣ وبعدها عمل قادة التنظيم على إقناع الخلايا التى كونوها بضرورة القيام بعمليات إرهابية ضد السياح الأجانب داخل مصر الذين شاركت دولهم فى احتلال العراق.

التقى قائد التنظيم خالد مساعد مع «سالم خضر الشنوب» فى هذا التوقيت الفارق من عمر التنظيم، وهو من منطقة بالقرب من مدينة الحسنة جنوب العريش، أصبح الشنوب هو المسئول العسكرى للتنظيم وقام بتدريب العناصر التى انضمت فكريا، وكانت تنتظر النقلة الحركية التى مهد لها خالد مساعد وفق الأسباب السالفة، واستغل الشنوب قريته «الفراقدة» البعيدة عن الأنظار والمجاورة لجبل الحلال وسط سنياء لأعمال تدريب الأعضاء على الأسلحة وتصنيع القنابل واستخدام قذائف آر بى جى، فى هذه الفترة التحضيرية تمكن المسئول العسكرى للتنظيم سالم الشنوب من إقناع شقيقيه محمد وعودة سلامة بالانظمام للتنظيم، وتمكن الشقيق «عودة الشنوب» خلال عام ٢٠٠٣ من ضم عناصر جديدة للتنظيم فى محافظة الإسماعيلية، حيث استغل استئجاره لمزرعة بمنطقة «زرزارة - مركز التل الكبير» وأقنع الفلسطينى «ياسر عبدالله محيسن» بالانضمام للتنظيم وكلفه بضم عناصر جديدة، وبالفعل تمكن الأخير من إقناع ابن عمه «أحمد إبراهيم محيسن» بالانضمام للتنظيم، وكل من سليمان شويهر وعيد شويهر وموسى غنيم وعدد آخر من أبناء القرى المجاورة، وكان على رأسهم «أحمد عيد سلام» الذى أصبح فيما بعد مسئول خلية الإسماعيلية.

فى بداية عام ٢٠٠٤ انقسم التنظيم إلى عدة خلايا أهمها خلية العريش وكان المسئول عنها نايف إبراهيم الديب، وتضم فى عضويتها أكثر من ١٠ أعضاء على رأسهم سليمان البلاهيمنى وسليمان الزيور، وخلية وسط سيناء وجبل الحلال والمسئول عنها سالم الشنوب وهو أيضا المسئول العسكرى بالتنظيم، خلية رفح لم يعرف من كان المسئول عنها، لكن كان أهم أعضائها شخصا يدعى «ناصر أبو زقول» ومعه وليد قريع وأحمد قريع وعدد آخر من العناصر المجهولة، وخلية نخل كان المسئول عنها «حماد جميعان» وضمت الخلية عددا من العناصر أبرزها الفلسطينى إياد سعيد صالح وسليمان فليفل اللذان فجرا فندق طابا فى أكتوبر ٢٠٠٤، وكذلك خلية الإسماعيلية التى كان المسئول عنها أحمد عيد سلام وضمت المجموعة السابق ذكرها.. أكدت جميع التحريات التى أجريت حول التنظيم، ومعظم اعترافات المتهمين الذين تم القبض عليهم فيما بعد أن قائد التنظيم خالد مساعد والقيادى نصر خميس الملاحى هما اللذان توليا تمويل التنظيم من جهة غير معلومة حتى لقيادات التنظيم الآخرين.

فى غضون عام ٢٠٠٤ اتجهت نية قيادات التنظيم إلى تنفيذ عمليات إرهابية داخل البلاد، وتولى التخطيط لها قائد التنظيم خالد مساعد والمجموعة القيادية التى تضم سالم الشنوب المسئول العسكرى ونصر خميس الملاحى وعيد سلامة الطراوى وحماد جميعان ونايف إبراهيم الديب، واختارت هذه المجموعة «مدينة طابا» كهدف لها نظرا لتردد الإسرائيليين عليها، وتم تحديد «فندق هيلتون طابا» و«مخيمى البادية وجزيرة القمر» السياحيين بنويبع، وتم اختيار «يوم الخميس ٧ أكتوبر» لتنفيذ التفجيرات وصدر التكليف بتوجه ١٠ من أعضاء التنظيم للتنفيذ يقودهم «حماد جميعان» وذلك بواسطة ثلاث سيارات مفخخة، وأشارت التحقيقات الخاصة بتلك العملية إلى أن أعضاء التنظيم قاموا بتفريغ الألغام ومخلفات الحروب فى سيناء للحصول على المواد المتفجرة، وبعد تنفيذ التفجيرات هرب بعض أعضاء التنظيم إلى المنطقة الصحراوية المجاورة لمدينة رفح قرب الحدود مع إسرائيل، بينما اختبأت المجموعة الثانية فى جبل الحلال وسط سيناء، فيما كانت خلية الإسماعيلية لا تعرف أن التنظيم الذى تنتمى إليه هو منفذ التفجيرات.

شكلت هذه العملية الثلاثية المركبة حالة من الذهول والمفاجأة العاصفة لأجهزة الأمن فى منطقة تصنف كإحدى المناطق الهادئة، وبدا أن الأمن فى هذا الوقت لم يكن لديه أدنى معلومات عن هذا التنظيم الجديد، لذلك احتاج الأمر إلى عمل معلوماتى مكثف يجيب عن الأسئلة العديدة التى فتحت الأبواب على مصراعيها أمام كل الاحتمالات، فأرسلت مجموعة أمنية من القاهرة إلى العريش للعمل على هذه القضية، وأصدر وزير الداخلية اللواء حبيب العادلى بيانا غامضا مقتضبا ذكر فيه أن منفذى تفجيرات طابا هم ٧ أفراد فقط وليسوا أعضاء فى تنظيم إرهابى أكبر، وكان المقصود من هذا أن يترك التنظيم يتحرك بحرية - لفترة زمنية - حتى يمكن لأجهزة الأمن جمع المعلومات اللازمة بناء على هذه التحركات، لكن التنظيم كان يسابق الزمن ويتمتع بنشوة نجاح عمليته الأولى فعاود نشاطه من جديد قبل أن يصل الأمن إلى شىء ملموس، قام سريعا فى ملاذاته الآمنة بجبل الحلال بالتخطيط لتفجير المناطق السياحية فى مدينة شرم الشيخ، وقام قائد التنظيم خالد مساعد والمسئول العسكرى سالم الشنوب ونصر خميس الملاحى وعيد سلامة الطراوى بتحديد موعد زمنى لتفجيرات شرم الشيخ وذلك فى مايو ٢٠٠٥ وكلفوا أعضاء التنظيم بسرقة عدد من السيارات وجلب المواد المتفجرة من المناطق الجبلية عن طريق شرائها من مهربى تلك المواد الذين كانوا يشترونها بدورهم من لصوص المحاجر، لتنفيذ عملية تفجيرات جديدة من دون الإفصاح لأعضاء التنظيم عن مكانها.

اختارت المجموعة القيادية عيد سلامة الطراوى للإشراف على تنفيذ العملية يرافقه ثلاثة عناصر اتخذت أسماء حركية «شافعى وسامى وحنفى» لاستطلاع المدينة واختيار أماكن التنفيذ، وفى الموعد المحدد توجهوا للمدينة عبر الدروب الجبلية، وتوجه الانتحاريون الثلاثة داخل المدينة ليفجروا أنفسهم فى «فندق غزالة» وكافيتريا يرتادها السياح و«منطقة تجارية بالقرب من السوق»، بينما عاد المشرف على العملية يرافقه ٤ عناصر إرهابية إلى مدينة العريش لإطلاع قائد التنظيم على ما حدث، وهربوا جميعا بعد ذلك فى صحراء وسط سيناء بالقرب من منطقة جبل الحلال.

خلال شهرى أغسطس وسبتمبر من نفس العام تمكنت أجهزة الأمن من تمشيط مساحات شاسعة من صحراء سيناء، حيث أسفرت عمليات الملاحقة والاشتباكات المسلحة مع أعضاء التنظيم عن قتل ما يقرب من ٢٠ من الأعضاء فى مقدمتهم قائد التنظيم خالد مساعد وعدد من مرافقيه، وكذلك فى عملية أمنية كبيرة شهيرة تمت فى جبل الحلال قُتل المسئول العسكرى بالتنظيم سالم الشنوب وأُلقى القبض على ٢٥ آخرين، فى مقدمتهم يونس عليان أبوجريد وأسامة النخلاوى والفلسطينيان ياسر عبدالله محيسن وأحمد إبراهيم محيسن وسليمان شويهر وعيد شويهر وأحمد عيد سلامو «عادة حبارة» الذى سيبزغ نجمه بعد ثورة يناير عقب موجات الإفراج عن الإرهابيين وعودته مرة أخرى إلى سيناء ليلعب دورا محوريا فى معاودة نشاط التنظيم بقوة، وتورطه فى التخطيط وتنفيذ إحدى مذابح رفح الشهيرة «مذبحة رفح الثانية «١٩ أغسطس ٢٠١٣» ضد قوات الشرطة باغتيال ٢٥ مجندا قبل إلقاء القبض عليه فى مدينة العريش بضربة أمنية ناجحة يوم ١ سبتمبر ٢٠١٣.

وفى محاولة من باقى أعضاء التنظيم الهاربين تخفيف الحصار الأمنى والملاحقة الدائرة بجبل الحلال تم تنفيذ هجوم انتحارى فى أغسطس ٢٠٠٦ ضد «القوات متعددة الجنسيات» فى معسكرهم بالقرب من «مطار الجورة»، تبين أن من بين الانتحاريين القيادى نصر خميس الملاحى ليكون بذلك آخر قيادى من هذا الجيل يلقى حتفه بعد المجموعة التى سبقته.

من الملاحظات الفكرية الهامة لهذا التنظيم الذى استمر بعد تلك الضربات الأمنية للصف الأول من قياداته، أن مجموعة خالد مساعد التى دخلت السجون تنفيذا لعقوبات مختلفة التقت هناك مع مجموعات تتبع «جماعة الشوقيين» وهى جماعة أسسها قبل سنوات مهندس زراعى من جنوب القاهرة يدعى «شوقى الشيخ»، تقوم أفكارها على تكفير المجتمع والحكام والجيش والشرطة، فر كثير من عناصرها إلى سيناء هربا من الملاحقات الأمنية خاصة بعد موجة الإفراج عن بعض الإسلاميين المحبوسين منذ التسعينيات، وتم ذلك سنة ٢٠٠٦م، وحدث بينهم وحدة فكرية وأطلقوا على أنفسهم اسم «التكفير والجهاد»، ثم غيروا الاسم إلى «القاعدة والجهاد» حين وجدوا أن كلمة التكفير غير مستساغة ولا تجذب لهم أتباعا جددا.

هذا التنظيم الذى دعا لإقامة إمارة إسلامية فى سيناء، ارتبط فكريا بحكم قياداته بتنظيم القاعدة الأم، وكان يتواصل بشكل مستمر مع «جيش الإسلام الفلسطينى» الموجود فى غزة، والذى اتهمه مباشرة وبالاسم وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى بالوقوف وراء «حادث كنيسة القديسين» فى الإسكندرية مطلع العام ٢٠١١، كما ثبت أنه تم تدريب المجموعة التى نفذت عملية شرم الشيخ فى العام ٢٠٠٦ فى منطقة «دير البلح» بغزة، وألقت أجهزة الأمن المصرية حينها القبض على «أيمن نوفل» من قادة «عز الدين القسام» واتهمته بأنه وراء تنفيذ العملية، إلى أن تم تهريبه فى واقعة اقتحام السجون أثناء ثورة يناير، حيث ظل فى أسيوط لمدة يومين، ثم تم تهريبه من أسيوط إلى سيناء ثم غزة عبر الأنفاق، كما تبين أن عناصر عديدة من التوحيد والجهاد تلقت تدريبها على أيدى كتائب القسام بعد هروبهم من سيناء لقطاع غزة خلال عام ٢٠٠٧ نتيجة لتشديد خناق الأمن عليهم، وعقب الثورة تم العكس حيث نزحت عناصر جهادية فلسطينية من غزة لداخل سيناء هربا من ملاحقات حماس لتنضم إلى التنظيم وتحدث به نقلة نوعية ثانية مكنته من ممارسة عملياته فى وقت مبكر بعد ثورة يناير مباشرة، وهم من هذا التاريخ بالفعل غيروا اسم التنظيم للمرة الثالثة ليصير «التوحيد والجهاد».

بعد ثورة يناير فى العام ٢٠١١ عادت عناصر التنظيم للتجمع والعمل سريعا وبقوة مرة أخرى، ففى ١٦ سبتمبر ٢٠١١ كشف الأمن المصرى عن منشورات توزع فى سيناء باسم الجماعات الجهادية وكان وراءها تنظيم «التوحيد والجهاد» بتشكيله الجديد، وجاء المنشور الذى وزع باليد وتمت تلاوته على منابر المساجد تحت عنوان «الإنذار الأول والأخير»، حيث قام التنظيم بإلقائه فى مدينتى رفح والشيخ زويد وبعض مناطق العريش، وجاء فى المنشور أن الجماعات الجهادية بسيناء تعلن «سيناء إمارة إسلامية» لها عادات وتقاليد مستمدة من الشريعة الإسلامية.. ولا داعى لوجود قوات الجيش والشرطة فى سيناء، وتردد أن من قام بصياغة البيان «الشيخ أبومنذر الشنقيطى» مفتى التنظيم، لتبدأ بعدها سلسلة متلاحقة من العمليات الإرهابية ضد قوات الشرطة والجيش الموجودة بالمنطقة.

كان أشهر تلك العمليات الهجوم على «قسم ثان العريش» لمرتين متتابعتين، ثم محاولة استهداف مبنى مديرية أمن شمال سيناء بقذائف آر بى جى، وأيضا مجموعة من العمليات المتفرقة ضد قوات الأمن والجيش الموجودة على الطرق الرئيسية فى العريش وعلى طرق الشيخ زويد، ورفح وكانت تلك العمليات فى العام ٢٠١١ وسقط فى أغلبها ضحايا ومصابون من رجال الشرطة والجيش ثم جاءت العملية الأكبر فى يناير من العام ٢٠١٢ حين قام التنظيم بخطف ٢٥ خبيرا صينيا يعملون فى أحد المشروعات بوسط سنياء على خلفية احتجاجات ومساومات مع أجهزة الأمن تتعلق بالمطالبة بالإفراج عن خمسة متهمين فى العمليات الإرهابية التى سبقت ثورة يناير وتابعين للتنظيم، واستطاعت أجهزة الأمن الإفراج عن المخطوفين بعد مفاوضات مريرة وتهديدات مفتوحة بوساطة مشايخ بدو سيناء الذين تدخلوا بالضغط المباشر للإفراج عن هؤلاء المحتجزين. وبقيت مجموعة من الاتهامات المعلقة فى رقبة هذا التنظيم حتى الآن فهناك شبهات قوية تتردد حول كونه المسئول عن الجماعة التى تورطت فى قتل ١٦ جنديا مصريا تابعين لقوات حرس الحدود بالقرب من مدينة رفح، فى شهر رمضان يوم ٥ أغسطس ٢٠١٢، فيما أطلق عليها إعلاميا «مذبحة رفح»، وأن هناك تنظيمات من الجانب الآخر فى قطاع غزة قد ساعدت التنظيم فى تنفيذ تلك العملية الكبيرة، وهى تلك التنظيمات التى ترتبط بالتوحيد والجهاد منذ وقت مبكر، فدارت الشكوك حول جماعة «ألوية صلاح الدين» و«أكناف بيت المقدس»، وهما التنظيمان اللذان كان التوحيد والجهاد فى هذا التوقيت يتلقى منهما الدعم اللوجستى والتدريبى. كما دار حديث طويل داخل القبائل السيناوية -التى بدأت تستشعر الانزعاج الشديد مما يحدث حولها - أن هناك ارتباطا وثيقا بين جماعة التوحيد والجهاد و«جماعة أنصار الإسلام الفلسطينية؟» وقيل داخل أروقة القبائل أنهم من نفذ عملية خطف الجنود السبعة فى مايو ٢٠١٣، تحت قيادة الجهادى «هانى أبوشيتة» شقيق الجهادى حمادة أبوشيتة المحكوم عليه بالإعدام فى قضية تفجيرات طابا، والهجوم على قسم شرطة ثان العريش الذى راح ضحيته ٥ من أفراد الشرطة ومدنى واحد عام ٢٠١١م.