مظاهر التحديات التى تواجه المرأة فى ظل متغيرات عديدة طرأت على بعض الدول العربية أو حروب وإرهاب عصف باستقرار البعض الآخر مع كل الآثار الكارثية التى أفرزتها هذه الأوضاع حقيقة أصبحت تزعج يوميا عين المشاهد العربي.. الصورة تبدو أكثر بشاعة حين تستعيد الذاكرة القريبة اللقطات الوحشية لاغتيال الإعلامية العراقية أطوار بهجت التى نقلتها كاميرات القنوات الإخبارية عقابا على مهارتها الإعلامية التى أوصلتها إلى حقائق كانت ستكشف عن الكثير من الجرائم الطائفية أشهرها تفجير مرقد الإمام العسكرى فى مدينة سامراء.. أو مشاهد الدبابات الإسرائيلية وهى تطحن عظام الناشطة الأمريكية راتشيل كورى بسبب تضامنها مع القضية الفلسطينية.. مجرد نماذج من أمثلة عديدة تؤكد أن حمم براكين النزاعات المسلحة لم تعد تستثنى المرأة أو الطفل.. أما الدول التى شهدت متغيرات سياسية منذ نهاية عام ٢٠١٠ -تونس ومصر- رغم الاختلاف والتناقض بين متابعات القنوات الإخبارية كل وفق أهوائه السياسية إلا أن الكاميرات التى رصدت وقائع الأحداث اتفقت مشاهدها على مشاركة المرأة وظهورها بكثافة فى الصدارة.
شرفت بالمشاركة فى مؤتمر دولى أقيم بالتنسيق بين هيئة الأمم المتحدة والجامعة العربية بالإضافة إلى مجموعة منظمات دولية عن (المرأة وتحقيق الأمن والسلام فى المنطقة العربية).. تتخذ أهمية المؤتمر عدة أوجه منها عدم الاعتماد على ذاكرة ضمير العالم والعمل على تكرار طرح قضايا المرأة فى إطار المتغيرات كى لا تصبح مجرد حبر على ورق وقرارات روتينية.. أيضا انتهاك المرأة فى الصراعات المسلحة والإرهاب لم يعد يقتصر على القتل بل تدنى إلى وحشية عصر الجوارى حين استدعت أسواق تنظيم داعش من الذاكرة السوداء كل الطقوس الحيوانية للمتاجرة بأجساد النساء فى أسواق الجواري.. أو شيطنة علاقة الزواج المقدسة فى طقس مقزز أطلقوا عليه (جهاد النكاح) وقد كشفت الفتاة الإيزيدية نادية مراد عن جانب بسيط من هذه التفاصيل الوحشية خلال زيارتها للقاهرة العام الماضى، وأتيحت لى فرصة سماع شهادات تفوق وحشيتها كل التوقعات خلال لقائى بها.
فى إطار الخطاب الدينى.. للأسف ما زالت الأصوات النشاز تجاهر بما يمتهن المرأة وتقتصر رؤيتهم على اعتبارها مجرد أسيرة داخل سجن الغرائز، الكارثة أن من بين هذه الأصوات من يجلس داخل قاعات مجلس الشعب -أعلى سلطة تشريعية- وكأن كل ما قدمته المرأة من تضحيات ومشاركات لا يكفى للتخلص من وصمة اعتبارها إما (عورة) أو (غريزة). إشكالية غياب الأمن الإعلامى ألقت بظلالها المؤثرة على عمل الإعلاميات من مختلف الدول العربية حتى من لم يتعرضن للقتل أُجبر العديد منهن على الهجرة والانضمام إلى منابر إعلامية فى بلاد أخرى إما نتيجة التهديد بالقتل أو التنكيل بسبب تبنى مواقف معارضة لما يحدث من مؤامرات تستكمل تخريب ما تبقى من بلادهن.. جزئية الأمن لم تعد قاصرة على التهديد المباشر فقط، بل امتدت إلى محتوى صورة المرأة فى الإعلام السائد حيث اقتصرت ملامحها على ما يخدم شروط «سوق» الإنتاج السائدة.. نِسَب المقارنة بين أغلب ما تعرضه وسائل الإعلام من أعمال فنية -مثلا- لن تصل إلى واحد فى المائة لصالح إظهار الملامح السلبية لصورة المرأة.. من ابتذال وعرى وسوقية وإيحاءات جنسية.. إلى آخر هذه القائمة فى مقابل عمل يُنصف المرأة التى أبهرت الجميع بدورها فى المشاركة السياسية خلال مختلف الأحداث التى عاشتها المنطقة العربية.. قوى التأثير فى الرأى العام مثل الإعلام والفنون بدلا من استغلالها لصالح دعم الدور الإيجابى للمرأة اكتفى أغلبها بتقديم صورة المرأة داخل إطار الغرائز.
المؤتمر يعد جزءا من مجموعة أنشطة بدأت منذ عام ضمن خطة عمل تم إعدادها بالمشاركة بين جامعة الدول العربية ومنظمة المرأة العربية ومجموعة منظمات دولية وهيئة الأمم المتحدة.. الخطوة الإيجابية لن تحقق شروط اكتمالها إذا اعتبرت الموضوع مجرد قضية فئوية تُناقش فى أطر ضيقة وعلى مستويات محدودة ثم يصدر عنها قرارات سرعان ما تُدفن تحت الأتربة يطويها التجاهل، ما يحدث على أرض الواقع حاليا أن الحديث عن المرأة العربية ما زال مجرد «إكسسوار» أو حلية تُضاف إلى التجمعات الرسمية لتزيين الصورة العامة.. لم تستكمل حتى الآن تحولها إلى واقع ملموس يواكب فى سرعة التطبيق والتنفيذ التفاقم اليومى للأحوال الكارثية التى تتعرض لها المرأة فى مناطق الصراعات -سوريا والعراق وليبيا واليمن- وتبعاتها المؤلمة من مخيمات النازحين إلى القتل والتشريد والتهجير بالإضافة إلى الفقرة الواردة ضمن التوصيات عن تركيز المؤتمر على اعتماد إطار إقليمى لرصد ومتابعة الالتزام بخطة العمل التنفيذية حول (حماية المرأة - الأمن والسلام) يجب أن تقترن بالتنسيق مع المنظمات الدولية على تفعيل زيارات دورية ومتكررة إلى مخيمات النازحين لتقديم وسائل المساعدات المتاحة سواء كانت ذات طابع مادى أو معنوي.. كما ستخلق حالة تواصل تنقل القرارات من مجرد كلمات على ورق إلى واقع ملموس يسهم فى تخفيف توابع الأزمة.