السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

من ذكرياتي عن يوم عرفة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكرمنى الله بالحج ثلاث مرات، ومن أجمل ذكرياتى عن يوم عرفة أننى كلفت في حجتى الثانية عام ٢٠٠٣ بتغطية المناسك للإذاعة والتليفزيون وأتذكر أن الإخوة في وزارة الإعلام السعودية طلبوا منا كتابة نص ما سنقوله أثناء النقل على الهواء، وبالفعل كتبت نصًا، وعندما جاء دوري وكنا نذيع من أعلى برج يطل على تجمع الحجاج بمنطقة عرفات وجدتهم كما لو كنا بيوم المحشر محرمين ملبين، كان مشهدًا مهيبًا ما جعلنى لا ألتفت إلى النص الذي كتبته، وتحدثت إلى بنى وطنى في مصر من قلبى مرتجلا واصفًا لحظات الوقوف بعرفة وشعرت بالملائكة تدنو وتلف وتحتضن جموع الحجيج، بينما تتعالى الصيحات بالدعاء والتلبية وتنهمر دموع التوبة من عيونهم متمنين أن يغفر الله لهم ويقبل توبتهم إنها لحظات تعجز الكلمات عن نقل عمق دلالاتها وأثرها في النفس، إنها ذكريات تزيد المرء شوقا للعودة من جديد إلى هناك. تدافعت أمام ناظرى الذكريات وأنا أترقب مرور الساعات القليلة لكى يلتقى حجاج بيت الله الحرام الذين أتوا إلى مكة المكرمة من كل حدب وصوب في مشهد نورانى عظيم عند الوقوف بعرفات، إنه موقف لا يتكرر إلا مرة واحدة في العام، ولكنه يحمل معانى كثيرة منها الوحدة والتضامن والالتقاء على كلمة سواء، في تجمع إيمانى يختلط فيه أهل الأرض بأهل السماء، وفى أيام معدودات يغفر الله فيها لعباده ويطهرهم من الذنوب والخطايا حتى تعود صفحتهم بيضاء ناصعة. 
وفى الحج يتم التأسى بما فعله سيدنا إبراهيم عندما فدا ابنه سيدنا إسماعيل عليهما السلام «بذبح عظيم» ولهذا يظل معنى الفداء والتضحية هو المعنى الأبرز في مناسك الحج، وهذا ما رسخ في عقلى وفكرى وكنت في كل مرة أذهب إلى الحج اكتشف معانى جديدة للاقتراب من الذات الإلهية وكيف أنك تمضى إليه سبحانه في طريق قد يبدو أنه مغلف بالمشقة، لكن الأجر دائما هو على قدر المشقة. 
وتبدأ الرحلة بالتصعيد إلى عرفات، وهو الركن الأكبر في الحج منذ فجر يوم التاسع من ذى الحجة حتى غروب شمس نفس اليوم، ثم النفرة إلى المزدلفة حيث المشعر الحرام، ثم رمية العقبة الكبرى في منى، ثم الانتقال إلى مكة لإتمام طواف الإفاضة وقبلها أو بعدها حسب الوقت والاستطاعة تضحى لله، وفى هذه الأيام أصبحت الصكوك أمرًا ميسرًا وسهلًا على الحجاج، ويمكن إنجازه بمجرد الوصول إلى مكة أو المدينة، وهو من باب التيسير على ضيوف الرحمن، قبل أن يتم التحلل من الإحرام بالحلق أو التقصير، وكلها مناسك تقودك إلى أن تكون دائمًا في معية الله، ويبقى رمى الجمرات في أيام التشريق الثلاث، ومن تعجل في يومين فلا إثم عليه.
هذه رحلة الحج المقدسة، حيث تجد إنه رغم الزحام الشديد في كل مكان، سواء في المشاعر أو الحرم فإن الإنسان يعيش أجمل أيام حياته ينفصل فيها عن الدنيا بكل ما فيها من دنايا، ولا يفكر إلا في القرب من الله والتقرب إليه سبحانه لعله ينال مغفرته ورضاه.. وكل عام وأنتم بخير.