الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

"البوابة نيوز" ترصد رحلة كسوة الكعبة من مصر إلى السعودية

النبيُ كساها بـ"اليمانية".. والخلفاء الراشدون بـ"القباطي"

الكعبة المشرفة
الكعبة المشرفة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحتل الكعبة المشرفة، منزلة خاصة فى قلوب جميع المسلمين، لا ينافسها فيها أحدٌ إلا الأنبياء وصحابتهم الكرام، فهى أول بيت وضع للناس، كما قال اللهُ (عز وجل) عنها فى القرآن الكريم، {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ.
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (٩٦- ٩٧/ آل عمران). وهى قبلة المؤمنين المصلين، وهى نقطة بدء طواف المسلمين ومنتهاه، لذلك تمنت جميع البلدان الإسلامية، أن تتولى شرف كسوة هذا المكان، عالى القدر، شريف المكانة.
کسوة الکعبۀ قبل الإسلام
وأول من كسا الكعبة المشرفة بكسوة كاملة، هو تبع أبى كرب أسعد، ملك حِميَر، فى العام ٢٢٠ قبل الهجرة، وتقول إحدى الروايات، إن أول من كسا الكعبة جزئيًا هو نبيُ اللهِ إسماعيل، عليه السلام، وأول امرأة كست الكعبة هى نبيلة بنت حباب أم العباس بن عبدالمطلب، وفاءً لنذرٍ نذرته.
الکسوة فى عهد الرسول والخلفاء
ما إن فتح الرسول (صلى الله عليه وسلم) مكةَ المكرمة، حتى أبقى على كسوة الكعبة، ولم يستبدلها، حتى احترقت على يد امرأة تريد تبخيرها، فكساها الرسول، بالثياب اليمانية، ثم كساها الخلفاءُ الراشدون من بعده، أبوبكر الصديق، وعمر بن الخطاب (رضى الله عنهما) بـ«القباطي»، وعثمان بن عفان (رضى الله عنه) بـ«القباطي» و«البرود اليمانية».
حيث أمر عاملَه على اليمن، «يعلى بن منبه»، بصنعها، فكان عثمانُ أولُ رجلٍ فى الإسلام، يضع على الكعبة كسوتين، إحداهما فوق الأخرى، أما على (رضى اللهُ عنه)، فلم يذكر المؤرخون أنه كسا الكعبة، نظرًا لانشغاله بالفتن، التى وقعت فى عهده، ومنذ عام الفتح وحتى يومنا هذا، انفرد المسلمون بكسوة الكعبة المشرفة.
کسوة الکعبۀ فى عهد بنى أمیة
وفى عهد بنى أمية، استمرت كسوة الكعبة من بيت مال المسلمين، وكانت أيضًا تُكسى مرتين فى السنة، إلا أنه تغير موعد كسائها، فالأولى كانت يوم عاشوراء، والثانية كانت فى آخر رمضان، واستمرت كسوة الكعبة فى عهد العباسيين مرتين فى السنة، حتى عهد الخليفة العباسى المأمون، حيث كسيت ثلاث مرات فى السنة: الأولى بالديباج الأحمر يوم التروية، والثانية بالقباطى فى غرة رجب، والثالثة بالديباج الأبيض فى ٢٧ رمضان، وبدأت تكسى بالديباج الأسود منذ كساها الناصر لدين الله أبوالعباس أحمد الخليفة العباسى، واستمرت على لونها هذا إلى يومنا.
کسوة الکعبة في العصر العباسي
اهتم الخلفاء العباسيون بكسوة الكعبة المشرفة اهتمامًا بالغًا، لم يسبقهم إليه أحد، نظرًا لتطور النسيج والحياكة والصبغ والتلوين والتطريز، لذلك بحث العباسيون عن خير بلد تصنع أجود أنواع الحرير، فوجدوا غايتهم فى «مدينة تنيس» المصرية، التى اشتهرت بالمنتجات الثمينة الرائعة، فصنعوا بها الكسوة الفاخرة، من الحرير الأسود، على أيدى أمهر النساجين، وكانت لها قريتان «تونة وشطا» اشتهرتا أيضًا بصنع التطريز.
وعندما حج المهدى العباسى عام ١٦٠هـ، ذكر له سدنة الكعبة أن الكسا كثرت على الكعبة، والبناء ضعيف، ويُخشى أن يتهدم من ثقل ما عليه، فأمر بتجريدها مما عليها، وألا يُسدلَ عليها إلا كسوة واحدة، وهو المتبع إلى الآن، ثم أمر فطُليَّ البيتُ كلُه بالخلوق الغالية، والمسك والعنبر. وبعد عامين، أمر المهديُ بصنع كسوة أخرى للكعبة المشرفة فى تنيس بمصر، أما هارون الرشيد فأمر بصنع الكسوة من طراز تونة عام ١٩٠هـ.
كما ظهرت الكتابة على كسوة الكعبة المشرفة، منذ بداية العصر العباسى، فكان الخلفاءُ من الأمراء يكتبون أسماءهم على الكسوة، ويقرنون بها اسم الجهة التى صُنِعَت بها، وتاريخ صنعها، كما هى العادة الجارية حتى اليوم.
کسوة الكعبة في عصر المماليك
وبعد سقوط الدولة العباسية عام ٦٥٦هـ، كان أول من كساها من ملوك مصر المملوكية، الظاهر بيبرس البندقدارى، واستمرت الكسوة ترد من مصر حينًا ومن اليمن حينًا آخر، حتى عهد الملك الصالح إسماعيل بن ناصر بن قلاوون، الذى اشترى عام ٧٥٠هـ ثلاث قرى، هي: بيسوس وسندبيس وأبوالغيط، من قرى القليوبية، ودفع ثمنها من بيت مال المسلمين، ثم وقفها على كسوة الكعبة المشرفة.
کسوة الکعبة في العصر العثماني
بعد أن بسط السلطان سليم الأول سيطرته على بلاد الشام، ودخل القاهرة فى شهر المحرم عام ٩٢٣هـ، ودخل الحجاز سلميًا فى حوزة الدولة العثمانية، كان من دواعى فخره واعتزازه أن يُلَقِب نفسَه بخادم الحرمين الشريفين، ومن ثم اهتم أثناء إقامته فى مصر بإعداد كسوة الكعبة المشرفة، وكسوة لضريح الرسول، وكسوة لمقام إبراهيم (عليه السلام)، كما صنع كسوة للمحمل جديدة، وكتب اسمَه على هذه الكسا، التى بلغت غاية الإتقان والزخرفة.
ومنذ تلك الآونة ظلت كسوة الكعبة المشرفة، تُرسَل سنويًا من مصر، من ريع الوقف الذى وقفه الملك الصالح إسماعيل، إلى أن كان عهد السلطان سليمان القانونى، فوجد أن ريع هذا الوقف قد ضعف وعجز عن الوفاء، فأمر بشراء سبع قرى إضافة إلى الثلاث السابقة عام ٩٤٧هـ، لتصبح عشر قرى، يُنفَق من ريعها على الكسوة الشريفة، فأصبح وقفًا عامرًا فائقًا مستمرًا.
وكان ذلك من أعظم مزايا السلاطين العثمانيين، لأن مكة كانت لها مكانة خاصة فى نفوسهم، فكانوا ينتهزون أى فرصة للتعبير عن محبتهم واحترامهم للأمراء وأهل مكة، بوصفهم منتسبين إلى آل البيت، واستمرت مصر فى إرسال الكسوة والمحمل إلى مكة المكرمة، حتى عام ١٢٢١هـ.
وفى العام التالى، كان المد السعودى على مكة المكرمة، فى عهد الإمام سعود الكبير، فتقابل مع أمير المحمل المصرى، وأنكر عليه البدع، التى تصحب المحمل من طبل وزمر وخلافه، وحذره من معاودة المجيء إلى الحج بهذه الصورة، فتوقفت مصر عن إرسال الكسوة الخارجية، فكساها الأمير سعود الكبير، كسوةً من القز (الحرير) الأحمر، ثم كساها بعد ذلك بالديباج والقيلان الأسود، من غير كتابة، وجعل إزارها وكسوة بابها «البرقع» من الحرير الأحمر المطرز بالذهب والفضة.
وبعد سقوط الدرعية، على يد جنود محمد على باشا، وعودة السيادة العثمانية على الحجاز، استأنفت مصرُ إرسال الكسوة فى عام ١٢٢٨هـ، فى إطار جديد، وهو الصرف على شئون الكسوة من الخزانة المصرية مباشرة، بعد أن كان يُنفَق عليها من أوقاف الحرمين الشريفين، لكن الخديو محمد على باشا حل ذلك الوقف، وادخل إيراداته الخزانة المصرية، وترتب على ذلك أن أصبحت الظروف السياسية، وطبيعة العلاقات مع حكومة مصر، والسلطات الحاكمة فى الحجاز، تؤثران إلى حدٍ كبير، فى إرسال الكسوة من مصر أو توقفها.
کسوة الکعبة من مصر
ثم أخذ ملوك اليمن، وملوك مصر، يتعاقبون على كسوة الكعبة، حتى تفردت مصر بكسوتها، فقد كانت تأتى من مصر، من مال الوقف الذى وقفه الملك الناصر ابن قلاوون على الكسوة، منذ عام ٧٥٠هـ، ثم صارت بعد ذلك ترسل من قبل الحكومة المصرية، وكلما وقع خلاف بين الحكومة المصرية والحكومة التى تتولى أمر الحجاز امتنعت الحكومة المصرية من إرسال الكسوة.
حصل ذلك عدة مرات، قبل تولى الملك عبدالعزيز (رحمه الله) الحكم فى الحجاز، وبعد توليه الحكم، وفى عام ١٣٤٤هـ، حدثت حادثة المحمل المصرى المشهورة، حيث امتنعت مصر، عن إرسال الكسوة فى عام ١٣٤٥هـ، شعرت بذلك الحكومة السعودية، فى غرة شهر ذى الحجة، فصدر الأمر الملكى الكريم بعمل كسوة الكعبة المشرفة لهذه السنة بأسرع ما يمكن، وفى أيام معدودة، حتى يتم إكساء الكعبة فى العاشر من ذى الحجة، وبالفعل تم ذلك، وكانت البداية لصنع الكسوة فى مكة المكرمة، فى العهد السعودى.
کسوة الکعبة في العهد السعودي
ظلت كسوة الكعبة المشرفة ترسل من مصر عبر القرون، باستثناء فترات زمنية قصيرة ولأسباب سياسية، إلى أن توقف إرسالها نهائيًا من مصر سنة ١٣٨١هـ، حيث اختصت المملكة العربية السعودية بصناعة كسوة الكعبة المشرفة إلى يومنا هذا. ويرجع اهتمام المملكة بصناعة الكسوة إلى ما قبل عام ١٣٨١هـ، وتحديدًا منذ عام ١٣٤٥هـ، حين توقفت مصر عن إرسال الكسوة، بعد حادثة المحمل الشهيرة، فى العام السابق ١٣٤٤هـ.
وفى مستهل شهر المحرم من عام ١٣٤٦هـ، أصدر الملك عبدالعزيز، أوامره بإنشاء دار خاصة بصناعة الكسوة، وأنشئت تلك الدار بمحلة أجياد، أمام دار وزارة المالية العمومية، بمكة المكرمة، تمت عمارتها فى نحو الستة الأشهر الأولى من عام ١٣٤٦هـ، فكانت هذه الدار أول مؤسسة خصصت لحياكة كسوة الكعبة المشرفة بالحجاز، منذ كُسيَت الكعبة، منذ العصر الجاهلى وحتى العصر الحالى.
وأثناء سير العمل فى بناء الدار، كانت الحكومة السعودية تقوم من جانب آخر، ببذل الجهود لتوفير الإمكانيات اللازمة للبدء فى وضع الكسوة، والتى تتألف من المواد الخام اللازمة لمصنع الكسوة، من حرير ومواد الصباغة، ومن الأنوال التى ينسج عليها القماش اللازم لصنع الكسوة، وقبل كل ذلك، وبعده الفنيين اللازمين للعمل فى شتى المراحل.
وعلى الرغم من أن هذه العناصر الأساسية، التى يجب توفرها لمصنع الكسوة، لم يكن أى منها متوفرًا لدى المملكة حين ذلك، فقد بذلت الحكومة السعودية جهودًا كبيرة فى سبيل توفيرها، فى الوقت المناسب، وقد تحقق لها ذلك، حيث تم بناء المصنع الجديد من طابق واحد فى ستة أشهر.
وفى أول رجب من نفس العام ١٣٤٦هـ، وصل من الهند إلى مكة المكرمة اثنا عشر نولًا يدويًا، وأصناف الحرير المطلوبة، ومواد الصباغة اللازمة بذلك، والعمال والفنيون اللازمون، وكان عددهم ستين عاملًا، أربعون منهم من «المعلمين»، الذين يجيدون فن التطريز على الأقمشة، وعشرون من العمال المساعدين، وعند حضورهم إلى مكة المكرمة نصبت الأنوال، ووزعت الأعمال، وسار العمل على قدم وساق، فى صنع الكسوة وتطريزها، حتى تمكنوا من إنجازها فى نهاية شهر ذى القعدة عام ١٣٤٦هـ.
جدير بالذكر أن تلك الكسوة صُنِعَت على غرار الكسوة المصرية، فكانت على أحسن صورة، من حُسنِ الحياكة، وإتقان الصُنع، وإبداع التطريز، يزينُها الحريرُ الأسود، الذى نُقِشَت عليه «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، على شكل رقم (٨)، وفى أسفل التجويف (يا الله)، وفى الضلع الأيمن من أعلى الرقم (٨) (جل جلاله)، وكذلك فى أعلى الضلع الأيسر (جل جلاله)، أما الحزام فكان عرضه مثل عرض الحزام الذى كان يُصنَع فى مصر، مطرزًا بالقصب الفضى المموه بالذهب.
أما تلك الكتابات التى كُتِبَت على الحزام، فهى نفسُ الآيات القرآنية، التى كانت تُكتَب على حزام الكسوة المصرية، فى جميع جهاتها، باستثناء الجهة الشمالية المقابلة لحجر إسماعيل، حيث كُتِبَ على الحزام من تلك الجهة، العبارة التالية «هذه الكسوة صنعت فى مكة المباركة المعظمة، بأمر خادم الحرمين الشريفين، جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية».
أما البرقع «ستارة باب الكعبة المشرفة»، فقد صُنِعَ أيضًا على غرار البرقع المصرى، وكُتِبَت عليه نفسُ الآيات القرآنية، والعبارات التى كانت تُكتَب على برقع الكسوة المصرية، باستثناء المستطيلات الأربعة التى تتوسط البرقع، والتى كان يُكتَبُ عليها عبارة الإهداء فى الكسوة المصرية، حيث استبدل بها قوله تعالى: «وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً. وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا» (سورة الإسراء: ٨١-٨٢)، ثم أضيفت فى ذيل البرقع دائرتان صغيرتان مكتوب فى داخلهما عبارة: «صنع بمكة المكرمة».
وقد كسيت الكعبة المشرفة فى ذلك العام ١٣٤٦هـ، بهذه الكسوة، التى تُعتَبَر أولُ كسوةٍ للكعبة تُصنَع فى مكةَ المكرمة، وظلت دار الكسوة بأجياد، تقوم بصناعة الكسوة الشريفة، منذ تشغيلها فى عام ١٣٤٦هـ، واستمرت فى صناعتها حتى عام ١٣٥٨هـ، ثم أُغلِقَت الدار، وعادت مصرُ، بعد الاتفاق مع الحكومة السعودية، إلى فتح أبواب صناعة الكسوة بالقاهرة عام ١٣٥٨هـ، وأخذت ترسل الكسوة إلى مكة المكرمة سنويًا حتى عام ١٣٨١هـ.
ولاختلاف وجهات النظر السياسية بين مصر والدولة السعودية، توقفت مصر عن إرسال الكسوة الشريفة منذ ذلك التاريخ، وأعادت الدولة السعودية فتح وتشغيل مبنى تابع لوزارة المالية، بحى جرول، يقع أمام وزارة الحج والأوقاف سابقًا، والذى أسندت إليه إدارة المصنع، ولم يكن لديها وقت لبناء مصنع حديث.
وظل هذا المصنع يقوم بصنع الكسوة الشريفة حتى عام ١٣٩٧هـ، حيث نُقِلَ العملُ فى الكسوة إلى المصنع الجديد، الذى تم بناؤه فى منطقة أم الجود، بمكة المكرمة، وما زالت الكسوة الشريفة تُصنَعُ بهِ إلى يومنا هذا.