مازلنا في أغسطس ٢٠١٢ حيث توقفنا في المقال السابق عند إدراك خيرت الشاطر أن شخصية الفريق أول عبدالفتاح السيسى ليست سهلة كما كان يظن، فردوده كانت حاسمة وحازمة، وخرج الشاطر من هذا اللقاء متوجهًا إلى تركيا ومنها إلى أوكرانيا بعدما علم أن الحكومة المصرية ستقوم باستيراد محطات للكهرباء من هناك، إضافة إلى احتياجها للقمح، ووقع الشاطر عدة عقود من بعض المصانع والشركات الأوكرانية لصالح شركته التي أسسها عقب وصول مرسي إلى الحكم، وفى نفس التوقيت كوّن القيادى الإخوانى حسن مالك جمعية «ابدأ» أو الجمعية المصرية لتنمية الأعمال، لتكون تجمعًا لكبار المستثمرين الذين يدعمون خطط الرئيس الجديد في إنشاء المشروعات الكبرى التي ستقضى على المشكلات التي يعانى منها الشعب المصرى، وتحقق النهضة المأمولة خلال فترة وجيزة، كما وعد بذلك محمد مرسي في برنامجه الانتخابى، وقد ضمت هذه الجمعية إلى جانب رجال الأعمال الذين ينتمون إلى جماعة الإخوان بعض رجال أعمال الحزب الوطنى المنحل ومن أشهر أعضائها محمد مؤمن وعبدالرحمن سعودى وأحمد العزبى وصفوان ثابت وطارق الجمال، وكان حسن مالك أول من طرح عبر هذه الجمعية فكرة المصالحة مع رموز الحزب الوطنى ورجال أعمال مبارك، وأولى مهام الجمعية كانت بتكليف مباشر من عصام الحداد حيث تقرر سفر مرسي إلى الصين قبل توجهه إلى طهران في نهاية أغسطس - كما أوضحنا في المقال السابق - وكان لا بد لمرسي أن يصطحب بعض رجال الأعمال لفتح مجالات التعاون المختلفة مع الجانب الصينى، وبالفعل ضم الوفد المصرى ما يزيد على السبعين، فقد بدأ مرسي يستشعر الخطر لعدم وجود أي إنجاز حقيقى على أرض الواقع، بينما الأيام تمر سريعًا وهو من وعد الشعب بحلول قاطعة خلال مائه يوم فقط من توليه الحكم، وها هو يطلب من جماعته أن تنقذه برجال أعمالها وبالتصالح مع رموز الحزب الوطنى، بل الأكثر من ذلك أن مرسي قد وافق على عرض صندوق النقد الدولى بقيمة ٤.٨ مليار دولار، وقد أعلن ذلك رسميًا حسن مالك أثناء وجوده في الصين، علمًا بأن هذا القرض قد اعترض عليه نواب الإخوان حين تقدمت به حكومة الجنزورى في ظل وجود المجلس العسكري، وكان آنذاك بشروط ميسرة عن الشروط التي قبل بها مرسي، والذي يشعر الآن بالخطر يداهمه وعليه أن يفعل أي شىء في أسرع وقت، ولكن كيف والمشكلات التي تعانى منها مصر أكبر بكثير مما كان يتصور، وحكومة هشام قنديل التي اختارها تفتقر إلى الخبرة والحنكة، ووجود وزراء نظام الرئيس مبارك في السجن يخيف أي مسئول ويجعله مرتعش اليد وغير قادر على اتخاذ القرارات، والشرطة لم تزل في حالة إعادة البناء، ولذا فالانفلات الأمنى لم يقض عليه بعد وأكوام القمامة في كل شوارع مصر، وأزمتا الكهرباء والطاقة تؤثران على كل شىء، وأسر الشهداء يطالبون بالقصاص ويرفضون الأحكام ويغلقون المحاكم بالجنازير وهناك من يمنع القضاة من الوصول إلى محاكمهم وبعض مديريات الأمن مغلقة، ومئات الأقسام محترقة، وآلاف من الموظفين يطالبون برفع أجورهم، وبعض السلفيين يقومون بهدم مقابر الأولياء، وبعضهم يعلن تطبيق الحدود الشرعية في قريته أو منطقته ويجبر المسيحى على ترك بيته، تلك هي الحالة التي كانت عليها مصر، والتي بدأت في فبراير ٢٠١١ واستمرت بل زادت في عهد مرسي، رغم دعوات رجال الإخوان الذين طلوا علينا عبر شاشات الفضائيات بقوة وطالبونا بالصبر على الرئيس وحاولوا - في خطة ممنهجة - أن يشغلوا الرأى العام بمعارك مع فنانين وفنانات وبتصريحات مثيرة وشتائم ومحاولة إرهاب وتخويف أي معارض لمرسي، ووصل الأمر إلى ظهور أحد الدعاة ليكفر من يعارض مرسي، والذي كان قد أنهى زيارته للصين وتوجه إلى طهران رغم رفض الخارجية المصرية والمخابرات لهذه الزيارة، والتأكيد على أنها ليست في صالح مصر، وربما تؤدى إلى أزمة مع دول الخليج، لا سيما الإمارات والسعودية، ورغم كل هذه التحذيرات إلا أن مرسي أصر على الذهاب إلى طهران، وبعد جهد كبير من جانب وزير الخارجية وافق على أن تكون كلمته في مؤتمر قمة عدم الانحياز متوازنة وأن يؤكد فيها على أمن الخليج ضد أي تهديد، ولكنه تجاوز تلك العبارات التي صاغها له عصام الحداد محولًا الخطاب في أوله إلى خطاب دينى لا يتفق مع طبيعة المؤتمر الذي يضم دولًا لا علاقة لها بالشيعة والسنة أو بالدين الإسلامى كله، وفى نهاية الكلمة قدم تقريرًا بإنجازات الرئاسة المصرية للمنظمة منذ ٢٠٠٩ أي بإنجازات الرئيس مبارك وراح يوضحها في نقاط مختصرة لما فعلته مصر خلال رئاستها للمنظمة، ولا شك أن هذه الزيارة وهذه الكلمة قد تسببت فيما حذرت منه الخارجية المصرية وجهاز المخابرات، ففى اليوم التالى مباشرة توقف تدفق البترول الإماراتى وعادت البواخر إلى بلادها مرة أخرى قبل أن تدخل الموانئ المصرية، وفى أقل من يومين بدأت أزمة البنزين في مختلف ربوع مصر.. وللحديث بقية.
آراء حرة
30 يونيو المقدمات والنهايات "11"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق