آفة الحكومات ما بعد ثورة الثلاثين من يونيو، طبقة كبار الموظفين من وكلاء الوزارة ومديرى العموم، الذين توطدت أركانهم خلال العقود الماضية ودعموا البنية الأساسية للبيروقراطية الفاسدة على نحو مكنها من معظم مفاصل الدولة.
كواليس وأسرار معظم الوزارات والأجهزة الحكومية تديرها تلك الطبقة الفاسدة، بمعزل عن الوزراء الجدد، لذلك قد يتفهم الرأى العام أن الحرب على الفساد عملية مركبة وتحتاج لوقت كاف قد يطول بعض الشيء، لأن هدم المعبد على رءوس الفاسدين بإجراءات حماسية قد يتسبب في خراب شامل وتعطيل لمعظم مصالح الدولة، لكن الأمر قد يتطلب عملية تدخل سريع في بعض الوزارات والهيئات التي ارتبطت بملفات وثيقة الصلة بالأمن القومي.
وزارة الكهرباء والطاقة إحدى تلك الهيئات الحكومية التي تحتاج إلى عملية تدخل سريع لإنقاذها من بطانة فاسدة ترعرعت طوال الـ٢٠ عامًا الماضية، خاصة أنها مقبلة على تنفيذ حلم مصر النووى والمتجسد في مشروع الضبعة.
بطانة الفساد نشطت خلال الأعوام الستة الماضية لملاحقة العلماء الذين دأبوا على فضح أخطر ملفات الفساد داخل هيئة الطاقة الذرية ومحطات توليد الكهرباء، ومن بينهم العالم الكبير د. سامر مخيمر، رئيس قسم المفاعلات النووية السابق، حيث لجأت تلك البطانة إلى تشكيل محكمة تأديبية استثنائية لمحاكمة مخيمر بتهمة إفشاء أسرار هيئة الطاقة الذرية، التي هي في حقيقتها فضح لوقائع الفساد المالى والعلمى والفنى بداخلها، وأصدرت تلك اللجنة قرارًا بفصل العالم الكبير تعسفيًا في عام ٢٠١١، ونجح في الحصول على حكم بإلغاء قرار الفصل، لكن بطانة الفساد أعادت تشكيل المجلس التأديبى الاستثنائى ليُصدر قرارًا جديدًا بالفصل في عام ٢٠١٤، وهو القرار الذي فندته المحكمة الإدارية العليا لتبرئ ساحة مخيمر من تهمة إفشاء أسرار الطاقة الذرية، ولتقضى بعودته إلى عمله وإلغاء قرار الفصل، إلا أن أهم ما جاء في حكم الإدارية العليا تأكيدها عدم جواز تشكيل محاكم تأديبية استثنائية لمعاقبة شخص واحد طبقًا للدستور، بل إن حكمها نص على أن «هيئة الطاقة الذرية قد توجهت إلى تسخير كل السلطة التي وضعها القانون بين يديها في تحقيق أغراض ومآرب بعيدة عن الصالح العام بل لتحقيق غايات أخرى ترمى إلى الانتقام من الطاعن (د. سامر مخيمر) والتنكيل به».
دلالة هذا الحكم أن الفساد استخدم القانون بمنطق البلطجة فقط لأن الرجل كان أول من كشف فضيحة مفاعل أنشاص الثانى (الأرجنتيني) والذي تم تسلمه في عهد حسن يونس، رغم عدم مطابقته للمواصفات، وهو ما جعله عاجزًا عن إنتاج السليكون وعناصر الكوبلت والنظائر المشعة المستخدمة جميعها في أغراض صناعية وطبية، وللأسف أن من قاموا بتسلم التروماى الأرجنتينى (المفاعل النووي) هم من يحيطون اليوم بوزير الكهرباء د. محمد شاكر، وبالمناسبة أحدهم كان تلميذًا للإخوانى محمد على بشر بمعهد منوف للتكنولوجيا، وساهم في ترقية قيادات داخل هيئة الطاقة الذرية كانوا مسئولين عن كوارث وقعت داخل وحدة التشعيع، بل إنه أحد أهم المسئولين عن لجنة مكافحة الفساد داخل وزارة الكهرباء اليوم.
مخيمر أول من كشف أكذوبة إنتاج نظائر مشعة، حيث لم تحصل وزارة الكهرباء حتى اليوم على موافقة وزارة الصحة لإنتاج النظائر، لأن جميع العينات التجريبية التي تم إنتاجها وإرسالها لهيئات ومؤسسات عالمية صدرت بحقها جميعًا تقارير تفيد بعدم مطابقتها للمقاييس والمعايير الدولية.
وكشف أيضًا وقائع استيراد محطات توليد كهرباء غير مطابقة للمواصفات في عهد حسن يونس، من بينها محطة التبين بتكلفة ٥ مليارات جنيه، وشكلت بشأنها لجنة تقصى حقائق لم تصدر تقريرها حتى اليوم وكان أحد أعضائها رضوان عبدالإله، رئيس لجنة الطاقة بحزب الحرية والعدالة سابقًا، ومستشار شركة جاسكو حتى اليوم.
بين يدى وقائع وحقائق مفزعة كان وزير الكهرباء د. محمد شاكر آخر من علم بها في مقابلة جمعته مع العالم النووى سامر مخيمر يوليو الماضي.