من النتائج السلبية لثورة ٢٥ يناير - وخصوصًا بعد اختفاء قوات الأمن من الشوارع - ظهور صور متعددة من البلطجة.
والواقع أن هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة لم تكن - وفقًا لمنهج بحث علم الاجتماع المقارن - إلا نتيجة طبيعية لقيام الثورة.
ونعرف - باعتبارنا من العلماء الاجتماعيين - أن الثورات بشكل عام تنتج عنها عادة صور متعددة من الاضطراب الاجتماعى، وقد تصاحبها حالة من حالات سقوط القيم التقليدية التى تحفظ العلاقات بين الناس عمومًا وبين الطبقات خصوصًا، واختلاط الأوراق بين الثورة والفوضى.
وقد شهدنا ظاهرة شيوع البلطجة بعد الثورة، والتى تمثلت فى سرقة السياسات بالقوة، بل وقتل من يقودون هذه السياسات جهارًا نهارًا لو أبدوا أى مقاومة.
ومن حسن حظ المجتمع المصرى أن ثورة ٣٠ يونيو قامت لتصحيح المخاطر السياسية العظمى، والتى مثلها حكم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابى، والذى تبنى ظاهرة «البلطجة السياسية» عن طريق تأسيس شبكات من أعضاء الجماعة الذين مارسوا القمع السياسى على المعارضين لحكم الجماعة.
والأهم من ذلك - من وجهة النظر الاجتماعية - عودة الأمن من جديد لكى يقوم بوظيفته التقليدية فى تحقيق الأمن والأمان للمواطنين فى ضوء التطبيق الدقيق لنصوص القانون.
ومع كل ذلك فوجئ مشاهدو مسلسلات التليفزيون والأفلام السينمائية بموجة جامحة من الأعمال الفنية التى تروج لنموذج «البلطجى» وتزخر بمناظر تعاطى المخدرات والدعارة.
وقد استطاعت ما أطلق عليه «عصابات الإنتاج الفنى» أن تخرج للجمهور مسلسلات يكون فيها «البلطجى» الذى يقهر خصومه هو النموذج الذى يمكن احتذاؤه! وقد شاعت هذه الفكرة بعد أن نجح أحد المسلسلات فى تحقيق نسبة مشاهدة عالية، وكان البطل فيه يقوم بدور «البلطجى الأنيق» الذى يمارس جرائمه بطريقة احترافية وينجح فى تحقيق مشاريعه الإجرامية.
وأصبح هذا النموذج الإجرامى هو الذى يحتذيه أعضاء الفئات المهمشة والفقيرة لدرجة أن بعضهم صاروا يقلدون هذا الممثل البلطجى فى طريقة إطلاقه لحيته بل وفى طريقة ارتدائه لملابسه، وقد نجح هذا المسلسل نجاحًا فائقًا من ناحية الأرباح الخرافية التى حصل عليها المنتج، بالإضافة إلى الأجور المغالى فيها التى أصبحت تعطى لأبطال هذه المسلسلات والأفلام والتى تصل إلى عشرات الملايين.
ولذلك لم يكن غريبًا على الممثل البلطجى أن ينشر على صفحته فى الفيس بوك (وكل هلفوت له الآن صفحة فى هذا المجال الجديد) وهو واقف بجانب سيارتين غاليتى الثمن اشتراهما من فيض الأجر الذى حصل عليه من عصابة الإنتاج الفنى التى تخصصت فى إنتاج الأعمال الفنية الساقطة.
ولم يلبث هذا النجاح المدوى أن دفع عصابة الإنتاج إياها لكى تعد لطرح مسلسل آخر فى السوق يقوم على أساس نموذج «الإرهابى» الذى لا يخشى قوات الأمن والذى يقضى عليهم مستخدمًا فى ذلك أسلحته الفتاكة.
ويبقى السؤال المهم هنا: ما هو دور الرقابة على المصنفات الفنية فى مجال الموافقة على إنتاج هذه الأعمال الفنية الهابطة أو رفضها؟
لقد نُشر أن هيئة الرقابة - مشكورة - رفضت السماح لبعض اللقطات فى المسلسل - المفروض عرضه على المشاهدين قريبًا - لأن فيها تمجيدًا للإرهابيين وتصويرًا لرجال الأمن بأنهم مجرد ضحايا مساكين يخضعون بسهولة شديدة لقوة وجبروت هذا الإرهابى!
وفى تقديرنا أنه لا بد لهيئة الرقابة على المصنفات الفنية ألا تستمع إلى الاعتراضات التقليدية من قبل الكتاب الغوغائيين الذين يلوكون بمناسبة وبغير مناسبة قضية حرية الإبداع وضرورة بقائها مصونة من العدوان عليها حتى لو أدى ذلك إلى تدمير المجتمع! .
لا بد من تطبيق سياسة المنع من عند المنبع، ونعنى على وجه الدقة عدم السماح بتصوير أى مسلسل أو فيلم يقدم النماذج الساقطة كنموذج «البلطحى» أو نموذج «متعاطى المخدرات» وكأنه البطل الذى يمكن للجماهير أن تحتذى سلوكه المنحرف.
دور الرقابة على المصنفات الفنية تشجيع كل الأعمال الفنية التى لا تخرج على قواعد السواء الاجتماعى، ولا تمجد النماذج المنحرفة ولا تروج للفن الهابط.
إن تأثير الفن على سلوك الجماهير حاسم فى مجال تدعيم القيم الإيجابية ومنع ظهور القيم المنحرفة.