رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

11 سبتمبر وانحسـار الزمن الأمريكي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان الحادى عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١ لحظة مفاجئة وصادمة فى التاريخ الأمريكى، إلا أنها، على أية حال، لم تكن لحظة فارقة. هو مجرد حدث مهم فى مسار بدأ قبل ذلك كثيرًا وسيستمر عدة عقود أخرى فترة طويلة، فقد نطلق عليها زمن اضمحلال الهيمنة الأمريكية فى عالم من الفوضى. 
بعد اعتداءات الحادى عشر من سبتمبر مباشرة، أعلنت إدارة بوش أن «الحرية والديمقراطية تعرضتا للاعتداء.. وأننا نحن الأمريكيين، نواجه عدوًا مختلفًا وجديدًا لم نواجهه من قبل». وقال بوش «نحن فى صراع بين الخير والشر، وأمريكا تنوى أن تسمى الشر باسمه». 
كانت الحرب ضد القاعدة منذ بدايتها، بالنسبة لإدارة بوش ليست مجرد صراع مع عدو للولايات المتحدة وحدها، وإنما حرب العالم ضد الإرهاب. فأصبحت القاعدة هى العدو الجديد والتجسيد الأخير لأيديولوجية القتلة. بعد الفاشية والنازية والشمولية فى القرن العشرين، وأعلنها بوش «صراعًا للحضارات»، كرر بوش فى خطاب حال الاتحاد ٢٠٠٢ «إننا مقبلون على عصر جديد للأمن»، زاعمًا أن العالم المتحضر يواجه أخطارًا غير مسبوقة، حيث إننا قد كلفنا بمهمة فريدة فى تاريخ الإنسانية. 
وجدير بالذكر، أن الحرب الفعلية على الإرهاب سبقتها حرب كلامية استخدمت فيها مفردات مثل «الحضارة» و «غير مسبوقة»، وهى مفردات لها دلالتها ومغزاها لوضع الولايات المتحدة وحضارتها فى مكانة أسمى دوليًا على السلم الحضارى، ووضع عالم الإرهابيين فى أدنى مكانة ممكنة، كعالم «غير متحضر»، وكان لتلك المفردات وقع خاص على مستمعيها، إذ أسهمت فى تعبئة المساندة الدولية ضد العدو الجديد، فهو عدو مخيف وبغيض، وتلك المجموعة من البشر لا بد من وقف أنشطتها وبأى ثمن. 
لقد حدد عالم الاجتماع الأمريكى البارز إيمانويل فالرشتاين صاحب نظرية المنظومات العالمية، عددًا من الحقائق عن الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحادى عشر من سبتمبر، وهى حدود قوتها العسكرية، وعمق الشعور المعادى لأمريكا، وضغوط القومية الأمريكية المتناقضة، وهشاشة التراث الأمريكى فيما يتعلق بالحريات المدنية. لم يكن الحادى عشر من سبتمبر السبب الرئيسى للصعوبات الاقتصادية الأمريكية التى تلت ذلك، رغم أنه أدى إلى تفاقمها دون شك. ما سبب الانكماش فى المنظور للاقتصاد الأمريكى أن رخاء التسعينيات لم يكن سوى فقاعة. والحقيقة أن أسباب الانكماش أعمق، فالاقتصاد العالمى دخل فترة طويلة من الركود النسبى منذ السبعينيات من القرن العشرين، وما حدث فى هذه الفترة، كما كل فترات الجمود، أن كل منطقة من المواقع الاقتصادية القوية الثلاثة، الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان، كانت تحاول أن تحول خسائرها للآخر، ففى السبعينيات كان أداء أوروبا جيدًا نسبيًا، وفى الثمانينيات تفوقت اليابان، وفى التسعينيات تفوقت الولايات المتحدة، إلا أن الاقتصاد العالمى ككل لم يكن بحالة جيدة فى أى من هذه الفترات، والمعاناة الاقتصادية فى العالم كانت هائلة. والآن، نحن فى المرحلة الأخيرة من الحلزون الطويل المنحدر، ومع تفشى الإفلاسات يمكن للاقتصاد العالمى أن يتعافى مرة أخرى، ولا يوجد ما يشير حتى الآن إلى أن الولايات المتحدة سيسطع نجمها على أوروبا الغربية وشرق آسيا فى نهاية الانتعاش، واحتمال ذلك ضعيف. هذه المخاوف الكامنة تحت السطح الخاصة بالمستقبل الاقتصادى غير الوردى، هى التي تشكل السياسة الأمريكية اليوم. 
والواقع أن الولايات المتحدة بدأت تزوى كقوة عالمية منذ سبعينيات القرن العشرين، وكل ما أدى إليه رد الفعل الأمريكى إزاء الهجمات الإرهابية هو التعجيل بخطى هذا الانحسار. لقد أدى نجاح الولايات المتحدة كقوة مهيمنة فى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية ١٩٤٥، إلى خلق ظروف اضمحلال هيمنتها. وقد تجسدت هذه العملية فى أربعة رموز هى الحرب فى فيتنام وثورات ١٩٦٨ وانهيار جدار برلين عام ١٩٨٩، ثم الهجمات الإرهابية فى سبتمبر عام ٢٠٠١. وينبنى كل رمز تأسيسًا على ما سبقه ليصل الأمر فى ذروته إلى الوضع الذى تجد فيه الولايات المتحدة نفسها حاليا قوة عظمى وحيدة تفتقر للنفوذ الحقيقى، وقائدًا عالميًا لا يجد من يتبعه ولا يحترمه إلا قلة، أمة تنزلق خطاها بشكل خطير وسط فوضى عالمية لا تستطيع السيطرة عليها.