السبت 11 يناير 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أعدموهم .. وصادروا أموالهم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نعم «أعدموهم.. وصادروا أموالهم».. «اجعلوهم عبرة لمن لا يعتبر».. «اجعلوهم عظة لمن لا يتعظ».. «اجعلوا بينهم وبين شعبهم وأهلهم شقاقا إلى يوم الدين».
أعدموا كل من تاجر بـ«قوت الغلابة»، في القرى والنجوع والكفور، صادروا أموال كل من لم يرحم فلاحًا حرقت وجهه أشعة الشمس أيامًا وشهورًا ، وهو يزرع ويكد ويعرق، ثم في النهاية لم يربح شيئًا ، وعاد بخفي حنين.
أعدموا من لم يفكر في امرأة مصرية بسيطة، خرجت مع الفجر تساعد زوجها في الحقل، حتى تجني ثمار كفاحهما ثم يأتي " فسدة القمح"، لينغصوا عليهما فرحتهما ، بعد سماعهما لأرقام لا تعرف تلك الفئة كيف تُكتب، وتقف أمام قراءتها دقائق إن لم يكن ساعات.
تخيلوا معي هؤلاء البسطاء الذين رسم الزمن علاماته فوق جباههم ،عندما يعرفون أن متهمًا في قضية فساد القمح، أخلي سبيله بعد سداد كفالة 77 مليون جنيه، وآخر بـ 86 مليونا، هل تخيلتم؟ أنا تخيلت هذا المشهد جيدًا، العيون ستغادر بقية ملامح الوجه، معلنة خصامها، وكأننا نرى «جاحظًا» جديدًا، والشفاه لن تتلامس تعجبًا لما يحدث، واندهاشًا بتلك الأرقام، وسيكون السؤال الحتمي، «لماذا دفع كفالة بالرقم ده.. سرق قد إيه؟».
في عام 1954 جُلد صاحب مخبز في محافظة قنا، لأنه تجرأ ورفع أسعار الخبز، وكان جلده جهارًا نهارًا، وعلى الملأ ، ليعرف القاصي والداني، أنه قد يكون مقبولًا التصالح أو التسامح في أي شيء إلا "قوت الغلابة".
لقد كفر هؤلاء الفاسدون بكل ما هو خير، ولم يعرفوا إلا طريق نهب أقوات المساكين ، صالوا وجالوا بين ربوع مصر، لينشروا فسادهم في كل مكان، حتى يكتوي الجميع بنارهم، لم يضعوا نصب أعينهم إلا شيئًا واحدًا ، الربح وإن كان حرامًا، والثراء وإن كان على جثث الفقراء، والغنى الفاحش وإن كان على حساب وطن بأسره.
اعدموهم، وعودوا إلى «أرسطو» عندما قال : «شر الناس هو ذلك الذي بفسوقه يضر نفسه والناس»، وهؤلاء أضروا بأنفسهم وأهلهم وشعبهم ووطنهم ، ولم يخطر ببالهم للحظة واحدة، أن هناك من ينتظر رغيف الخبز، وأن هناك وهم كُثر «بيباتوا من غير عشا».
أعدموهم ، وعودوا إلى «فيكتور هوجو»، عندما قال: «الرب لم يخلق سوى الماء، لكن الإنسان صنع الخمر»، وهؤلاء دنسوا الماء، وفاقوا بصنيعهم هذا صنع الخمر، فهم أشعلوا نارًا تُلهب أجسادًا نحيفة، لم يملك أصحابها يومًا أن يجعلوا لها عودًا يقوي بنيانها ، ولم يجعلوا لها طريقًا إلى كهف القطط السمان.
إعدموهم، وعودوا إلى سيدنا علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، عندما قال: «إِن حيًا يرى الصلاحَ فَسادا ، أو يرى الغيَّ في الأمورِ رشادًا.. لقريبٌ من الهلاك كما أهلك سابورُ بالسواد إِيادًا»، وهؤلاء قلبوا كفة الموازين، فقد جعلوا الخير شرًا، والهداية ضلالًا، والبناء هدمًا، والإصلاح فسادًا.
أعدموهم، وعودوا إلى نجيب محفوظ في قوله: «عندما يأمن الموظف من العقاب ، سيقع في الفساد ويسوم الفقراء سوء العذاب»، حتى لا يظن الكثيرون أن هؤلاء فعلوا ما فعلوا لأنهم أمنوا العقاب، ولاذوا بحصون الفساد لتحميهم من كل حساب.
أعدموهم ، ولا تأخذكم بهم شفقة، ولا رحمة، ولا رأفة، وليكن هذا في أسرع وقت، وأمام الجميع، ولتتذكروا أن «شاوشيسكو» حكم رومانيا من ١٩٧٤ حتى ١٩٨٩، وعندما اندلعت الثورة ضده، هرب هو وزوجته، واعتقلتهما الشرطة العسكرية في ٢٢ ديسمبر ١٩٨٩، وحُوكم عسكريًا وصدر عليه وزوجته حكم الإعدام ، ونًفذ الحكم فيه وفى زوجته أمام عدسات التليفزيون في ٢٥ ديسمبر ١٩٨٩، فلم يمر سوى ثلاثة أيام بين القبض عليه، وتجريسه أمام شعب قهره، ونشر الذل في عروقه.
أيها السادة، رفقًا بشعب ينتظر القصاص من هؤلاء المجرمين، رفقًا بأناس لا يملكون من أمرهم شيئًا ويتلهفون شوقًا للتشفي في كل من حرم طفلًا صغيرًا من حبة قمح، كان يحلم أن يساعد أبيه ويغرسها في حقله، لتبنت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة، ويدعو الله أن يضاعفها له.