السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

انشراح الشال: شمسُ العلم التي لا تغيب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نعت كلية الإعلام جامعة القاهرة إلى الأمة العربية والإعلام العربى بأكاديمييه وممارسيه أستاذة الإذاعة والتليفزيون الراحلة د. انشراح الشال التي وافتها المنية الإثنين الماضى بمستشفى قصر العينى الفرنساوى عن عمر يناهز ٧٨ عامًا بعد صراع مع المرض كانت تنتصر عليه في غالب الأحيان بإرادتها القوية وتعلقها بأهداب مدرستها العلمية الرصينة وتلامذتها في أرجاء الوطن العربى، ولكن قضاء الله وقدره كان أسبق في المرة الأخيرة.
بدأت د. انشراح الشال حياتها معلمةً للغة الفرنسية ثم التحقت بمعهد الإعلام وحصلت على الماجستير، ثم سافرت إلى فرنسا للحصول على الدكتوراه، وبالفعل حصلت على دكتوراه الدولة من فرنسا في علم الاجتماع الإعلامي، وهى أرقى درجة للدكتوراه تمنحها الدولة الفرنسية، وعادت إلى كلية الإعلام جامعة القاهرة لتُعين مدرسًا للإعلام في العام ١٩٨٣.
د. انشراح كانت تهتم بمجالين مهمين من مجالات البحث الإعلامي وهما تكنولوجيا الاتصال والبث المباشر للأقمار الصناعية وتأثير الإعلام على الطفل، هذا علاوة إلى تخصصها الأصيل في استجلاء العلاقة بين علم الاجتماع والإعلام، كما أن لها العديد من البحوث والمؤلفات العلمية التي تزخر بها المكتبة الإعلامية العربية، ولها مدرسة علمية متميزة وبارزة ضمت إليها العديد من الباحثين من مختلف الجامعات المصرية والعربية.
د. انشراح كانت متمسكة ـ رغم متاعبها الصحية في السنوات الأخيرة ـ بحضور المؤتمرات العلمية والحلقات النقاشية وآخرها المؤتمر السنوى لكلية الإعلام في شهر مايو الماضى، حيث شاركت في المائدة المستديرة حول علاقة شبكات التواصل الاجتماعى بثقافة العنف والتطرف، والتي إدارةا د. شريف درويش اللبان وكيل الكلية.
د. انشراح كانت لها سيرة ذاتية وعلمية لا تفخر بها وحدها، بل تفخر بها كلية الإعلام جامعة القاهرة والعرب جميعًا على ما قدمته لوطنها وأمتها العربية بل وللعالم من علم يتمثل في عشرات المؤلفات والكتب والأبحاث العلمية في المساحة التي تربط علم الإعلام بعلم الاجتماع، وهى المساحة التي تُعنى بها المدرسة الفرنسية في الإعلام التي تربت على يديها، والتي تؤمن بالأبعاد الاجتماعية والنفسية واللغوية لعلم الإعلام، وعدم دراسته كظاهرة مستقلة ومنعزلة عن المجالات الأخرى.
لقد درست لى د. انشراح عندما كنت في السنة الأولى من كلية الإعلام في العام الجامعى ١٩٨٣/١٩٨٤ مادة «علم الاجتماع الإعلامي»، وكانت عائدة لتوها من فرنسا، وكانت علاقتها باللغة العربية ليست على ما يُرام بعد سنوات دراستها الطويلة في البعثة باللغة الفرنسية، وهو ما استدعى جلوس مجموعة من الطلبة النبهاء في الصف الأول في مدرج الدور الرابع في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية لكى يترجموا لنا ما تقصده الدكتورة. وقد عجبت بعد ذلك إلى حد الدهشة من إتقان اللغة العربية وقواعد النحو والصرف، والتي لم تكن تتهاون فيها في أية رسالة علمية تقوم بالإشراف عليها، أو أي بحث علمى تقوم بالتحكيم فيه.
وكنت أرقب د. انشراح في السنوات الأخيرة وهى تتكأ على عصاها مصرةً على استكمال رحلتها رغم الآلام، لم تكن تتغيب عن محاضرة لها، ولم تكن تتخلف عن اجتماعٍ للجنة العلمية، ولم تكن تترك مؤتمرًا إلا وحضرته. أذكر في مايو الماضى أننى كنت أدير جلسة عن شبكات التواصل الاجتماعى وعلاقتها بثقافة العنف والتطرف، ولم تمض سوى ساعات معدودات على خروج الدكتورة من المستشفى، فإذا بنا جميعًا نُفاجأ بحضورها المائدة المستديرة، وتشارك فيها مشاركةً فعالة أذهلت الجميع.
لقد كانت د. انشراح هرمًا علميًا يمشى على الأرض، ولكن يبدو أن البنى التحتية لعلم الإعلام في مصر آخذة في التهاوي؛ فقد رحل عنا في غضون الأعوام الثلاثة الماضى أساتذة كبار من أمثال د. فاروق أبوزيد، د. عدلى رضا، د. سها فاضل، د. محمود شريف، د. شعبان شمس، د. محيى الدين عبدالحليم، د. جابر عبدالموجود، د. نوال الصفتى، رحم الله الجميع ونفع بعلمهم وتلامذتهم.
ويبقى كل هؤلاء العلماء وآخرهم د. انشراح الشال شمس العلم التي لا تغيب.