هذه السطور تحية خالصة إلى الفنانة الكبيرة والإنسانة النبيلة التى أعتز بصداقتها، آثار الحكيم، فى عيد ميلادها «٢٤ أغسطس».. وهى سطور أقل بكثير، مما تستحق سواء كفنانة قديرة أو كإنسانة متميزة أو كصديقة راقية.
وقد اعتزلت «آثار» الفنانة، مبكرًا، وفى عز إمكانية العطاء والإبداع.. لكن هذا كان قرارها واختيارها، ولعلها شعرت أنه قد آن لها أن تستريح، من عنت ومشاق.. فالإبداع بقدر ما هو إمتاع للفنان وللمتلقى، صعوبة جمة للمبدع وإرهاق، وبالتأكيد فإنه تزيد منهما ظروف عامة مجتمعية، تشمل مجال الفنون، وتؤثر حاليًا على هذا المجال كغيره، بالسلب على أوسع نطاق وبأبأس حال وصورة!.
ومن الخواطر التى ترد فى المقدمة، على الذهن: أن آثار الحكيم.. أخلاقية، ومتدينة.. بحق وبصدق.
وهى معروفة بذلك خير معرفة.. سواء فى وسط العطاء الفنى، قبل أو بعد قرار الاعتزال، أو لدى كل من عرفها خارج هذا الوسط.
ومع ذلك، فهى عبر كل هذه السنين، لم تضع على رأسها قط، ما يعرف بـ«الزى الإسلامي/ أو الحجاب».. وإنما كانت دومًا، فى حدود الاحتشام، الراقى والحضارى.. ومن دون مثل هذا الغطاء على الرأس، الذى وضعته التيارات السلفية والإخوانية «الوهابية عمومًا» عنوانًا للخلق القويم والإسلام الحق، وإنما كان هذا زيفًا وادعاء، وكذبًا وهراء، لا يمت إلى جوهر الإسلام وحقيقته بصلة!!.
وعندنا، فإن موقف آثار الحكيم الراسخ الواعى، بانتهاج الأخلاق وجوهر الدين، دون التزام بغطاء على الرأس «من ورائه دعاية وقصة سياسية بالأساس!».. هذا الموقف لـ«آثار» هو عنوان حقيقى راق على الرصانة والاعتدال لديها، إزاء الدين.. والدنيا والحياة.
هذا بعض ما يلفت نظرنا وبعض تحيتنا لها كإنسانة.. أما «آثار الحكيم» الفنانة، فلذلك سطور أخرى، بل هو أمر يستحق كتابة مستفيضة متأملة.. لكن قد يكفى فى حدود القليل والإشارات هنا، أن نقول إنها من النادرات المعدودات فى تاريخ السينما المصرية اللاتى جمعن بين موهبة الممثلة القديرة، و«كاريزما» النجمة اللامعة، ذات الطلة الخاصة «فيديت.. على النحو الذى يحق أو يجب أن يكون».
آثار الحكيم «كنجمات الستينيات» الساطعات ذائعات الصيت، ومنهن مثلًا كوكبة النجمات المدهشات اللاتى أدى معهن المطربان العملاقان «فريد/عبدالحليم» بطولة أفلامهما.
ولو كان عبدالحليم فى عصر «آثار».. أو أن «آثار» فى عصر عبدالحليم لكانت بالتأكيد إحدى بطلات أفلامه.. حيث فيها مثلهن، البريق والسحر الخاص.. وروح الرومانسية الباقية وألقها وحضورها الأخاذ.. ولعلها آخر هذا العقد الفريد فى السينما المصرية!.
• «ياسمين».. وفيلمها:
شاهدت عملين من أفلام الفكاهة فى مصر، وكانا من الأفلام التى حظيت بإقبال كبير من الجمهور فى صيف ٢٠١٦، هما: «أبوشنب» إخراج سامح عبدالعزيز، و«جحيم فى الهند» إخراج معتز التونى.. وكلاهما ينتمى إلى سينما الفكاهة التقليدية فى السينما المصرية، من حيث عدم الاهتمام بتوفر مضمون متعمق، تنبثق من خلاله الفكاهة والسعى إلى الإضحاك.
ونحن فى صف فريق من النقاد والمتذوقين تتساهل نظرتهم، أو تيسر، تجاه هذه النوعية من الأفلام، مثل كثير من الأفلام لإسماعيل ياسين، مرورًا بالمهندس وشويكار ومدبولى، إلى عادل إمام وصبحى، إلى هنيدى وولى الدين.. فتكتفى هذه النظرة بأن تأتى الفكاهة والبسمات والطرائف عبر المواقف، وعبر ممثلين موهوبين ظرفاء بحق، ولا يشترط وجود تعمق فكرى فى قضية ما، على غرار التعمق الذى نراه فى أعمال الكوميديا الكبرى أو المتميزة فى المسرح والسينما.. ومنذ كلاسيكيات كوميديا المسرح الإغريقى، مرورًا بموليير فى أوروبا، إلى الحكيم ثم نعمان عاشور فى مصر، وفى السينما المصرية أيضًا منذ «سلامة فى خير» للريحانى، إلى باقة من أفلام فطين عبدالوهاب مثل «مراتى مدير عام»، الذى يدافع بجدية عن حق المرأة ومساواتها بالرجل، وإن كان عبر كوميديا اجتماعية ناضجة.. إلخ.
والحق أن فيلم «أبوشنب» يدافع عن نفس القضية ويعبر عن ذات الموقف، ولكن عبر صيغة ومعالجة درامية أبسط كثيرًا وإلى حد التبسيط الشديد، كما يدافع عن فكرة وضرورة الحب بالصورة المبسطة ذاتها، ولكن قد تكون كافية، مثل هذه المعانى وفى تلك الحدود، فيما وصفناه بأعمال الفكاهة التقليدية، وليس أعمال الكوميديا الكبيرة.
أضف إلى فيلم «أبوشنب» الموهبة الكبيرة لنجمته الشابة ياسمين عبدالعزيز، التى توقعنا منذ بداية ظهورها أنها الامتداد الحقيقى للفنانة شويكار، التى سطعت منذ الستينيات، متعها الله بالصحة وأمد فى عمرها، وليس معنى فكرة «الامتداد» هنا التشابه والمحاكاة أو «التقليد»، بل على العكس من ذلك تمامًا، حيث النجاح والتألق يقترنان دومًا بالأصالة والتميز، وهما ما يتوفران بوضوح كامل فى موهبة ياسمين.. والتى تعد أيضًا الوحيدة فى جيلها، التى أصبح معها يوجد جمهور يذهب إلى فيلم من أجل نجمته، فيقال «فيلم ياسمين»، كما يقال «فيلم هنيدى»، أو «فيلم حلمى».. والواضح أيضًا أن ياسمين تأخذ عملها بجدية، ونرى أداءها فى فيلم «أبوشنب» يزداد دقة ونضجًا.. ونحسب مثلًا أن مشهدها «على السلم» فى الفيلم، من ألطف «مشاهد الحب والسلم»، والتى يعد مثلها الأشهر فى السينما المصرية مشهد فيلم «العزيمة».. «مع الفارق طبعًا بين طبيعة التجربتين».. ونعنى مشهدها على السلم مع بطل الفيلم التونسى الشاب «ظافر عابدين».. إنه من أجمل مشاهد الفيلم، ومن أكثرها تعبيرًا عن مقدرة بطلته فى الأداء التمثيلى اللماح الممتع.. ويبقى أن تعتنى «ياسمين» أكثر بموهبتها، فلا تهدرها قدر الإمكان، فى أفلام ذات سيناريوهات باهتة أو مكررة أو حافلة بنقاط الضعف الدرامية، ونقول قدر الإمكان، لأننا نفهم ونعلم ندرة توفر سيناريوهات الكوميديا الراقية أو الناضجة.
وعلى العكس من فيلم «أبوشنب» التى كانت تشع فيه موهبة بطلته، فإن فيلم «جحيم فى الهند» لم تكن تشع فيه موهبة بطله الممثل الشاب محمد إمام، فحتى الآن وخلال ما أداه من أفلام ومسلسلات تبدو موهبته عادية أو فى أفضل الأحوال معقولة، لكنها ليست متفوقة أو متميزة.. أما التفوق والتميز فقد كانا فى الفيلم من نصيب ممثل آخر، هو الموهوب الكبير بيومى فؤاد.. وقد ذكرنا مبكرًا ونكرر هنا، أنه أحسن ممثل مصرى ظهر فى عالم الكوميديا لدينا، متذ المجموعة المشهورة التى عرفت «بالمضحكين الجدد».. والتى بدأت «بمحمد هنيدي» فى آواخر التسعينيات الماضية، وتوقف ظهور نجومها بعد حوالى عشر سنوات عند «أحمد مكي».