فى لقاء الرئيس السيسى مع المثقفين الذى تم منذ فترة، اقترحت فى كلمتى ضرورة أن يرسم الرئيس خريطة متكاملة للأوضاع الاجتماعية المصرية من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويعرضها على الناس، لكى تعرف الجماهير من خلال المؤشرات الكمية والكيفية حجم المشكلات التى تواجه المجتمع المصرى بعد ثورة ٣٠ يونيو، والتى هى فى الواقع تراكم عشرات السنين، وفشلت فى مواجهتها النظم السياسية المصرية المختلفة، وأبرزها عصر «مبارك» الذى امتد إلى ثلاثين عاما كاملة، تدهورت فيه الأوضاع الاجتماعية إلى درجات غير مسبوقة.
وقلت إن عرض خريطة الأوضاع الاجتماعية الراهنة ينبغى أن يسبق صياغة الرؤى التنموية المختلفة لها ومواجهتها بحلول متكاملة. غير أن الرؤى التنموية ينبغى أن تتضمن الآجال المختلفة لحل المشكلات، وذلك باستخدام لغة التخطيط.
بمعنى أن تصارح الجماهير بكل شفافية عن الآجال الزمنية لحل المشكلات المعقدة المتراكمة فى الأجل القصير وفى الأجل المتوسط وفى الأجل الطويل.
ولغة التخطيط تبدو أهميتها أنها تقدم للناس منظورات زمنية واقعية حتى لا يصابوا بالإحباط حين لا يجدون حلولا عاجلة لبعض المشكلات.
على سبيل المثال حدث بعد اندلاع ثورة ٢٥ يناير بشهور قليلة أن صارحنى أحد النشطاء السياسيين من المخضرمين، قائلا وهو يتحسر إن الشهور قد مضت ولم يتحقق شعار العدالة الاجتماعية الذى هو أحد شعارات الثورة الأساسية!
ومعنى ذلك أن هذا الناشط السياسى المخضرم الذى يحترف الإدلاء بالأحاديث والتصريحات هنا وهناك لم يفهم أن تحقيق العدالة الاجتماعية -وهى عملية بالغة التعقيد فى أى مجتمع ومهما تحققت الإرادة السياسية- تحتاج لتحقيقها إلى المدى الطويل.
بعبارة أخرى تحقيق العدالة الاجتماعية عملية طويلة المدى، لأنها تتضمن فى المقام الأول حزمة من القرارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لتصحيح الانحراف الطبقى الخطير فى مصر الآن. ونعنى بذلك على وجه التحديد الفجوة الطبقية الكبرى بين من يملكون كل شىء ومن لا يملكون شيئًا على وجه الإطلاق.
وقد سئلت فى برنامج تليفزيونى كان يقدمه الكاتب المعروف د.عمرو عبدالسميع عن تلخيص المشهد الاجتماعى فى مصر -وكان ذلك قبل ثورة ٢٥ يناير- نقلت له على الفور: «منتجعات هنا وعشوائيات هناك»!
والدليل على صدق هذا الحكم -حتى ولو كان جارحا- أن هناك طبقات مترفة راكمت ثرواتها عن طريق الفساد المعمم، ومن خلال التواطؤ الذى تم أساسًا فى عصر «مبارك» بين أهل السلطة وأهل الثورة.
وليس أول على ذلك من أن بيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء تقرر أن هناك ٢٦ مليون مصرى تحت خط الفقر، وأن ١٨ مليون مصرى يقطنون فى العشوائيات.
وفى الوقت نفسه هناك إعلانات عقارية تزخر بها الصحف تدعو إلى شراء فيلات وشاليهات فى الساحل الشمالى الذى لا يحيا سوى شهرين فى السنة، وثمن الوحدة منها فى بعض الأحيان يصل إلى عشرة ملايين جنيه!
هذا الذى يدفع عشرة ملايين جنيه فى «شاليه» سيقطفه لمدة شهور فى الصيف من المؤكد أنه لم يكوّن ثروته بالطريق المشروع بل بالمخالفة لكل القوانين.
وحتى لا يكون حديثنا على سبيل التجريد نسوق مثالا بارزا على الفساد؛ ما حدث فى طريق القاهرة والإسكندرية الصحراوى الذى بيع الفدان فى نطاقه بمبلغ ٥٠٠ جنيه لاستزراعه، غير أن المستثمرين منذ أكثر من ٢٠ عاما بنوا عليه الفيلات والقصور وبيع الفدان بأربعة ملايين جنيه.
وقد تشكلت لجنة عليا برئاسة المهندس محلب، مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية، لاسترداد هذه الأراضى المنهوبة، وأعلن منذ أسابيع عن مزاد علنى لبيع الأراضى المستولى عليها ورّد بيعها مئات الملايين من الجنيهات إلى الحكومة التى هي فى أشد الحاجة إليها، لاتساع شبكة المشروعات الضرورية الخاصة بالخدمات والتنمية.
وفى تقديرنا أن الرئيس السيسى قد تأخر فى إعلان مفردات خريطة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على الجماهير، مما أدى إلى ظهور بعض اتجاهات سلبية فيما يتعلق بالإجراءات الضرورية التى اتخذت والتى ستتخذ فى المستقبل لرفع الدعم عن بعض السلع والخدمات.
ويكفى فى هذا الصدد أن نشير إلى أن رفع سعر الكهرباء بالنسبة لبعض مستهلكى الشرائح العليا سيدر على الدولة مبلغ ٢٨ مليار جنيه! وهذا رقم مهول يدل على ضرورة الإصلاح الاقتصادى، الذى قد يتطلب ترشيد الاستهلاك من قبل المواطنين.
غير أن إعلان خريطة الأوضاع والمشكلات الراهنة لا يغنى -كما ذكرنا- عن تحديد آجال زمنية دقيقة لمواجهتها وإعلانها على الجماهير.