بحكم منصبه يتحمل الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولية كل شىء لكن لا يجب أن يتحمل الرجل أكثر من طاقته، نحن نعيش مرحلة دقيقة من تاريخ الوطن تتطلب الاصطفاف وراءه بتطهير الصفوف من المنافقين والفاسدين والآكلين على كل الموائد، تتطلب التصدى لدعاة الجهل والجاهلية وتتطلب ترشيد كل شيء فى حياتنا، فهل يمكن أن يبدأ كل واحد بنفسه وأسرته حتى نصبح أنظف وأجمل شعب منظم ومنتج ومتعاون؟ وهل يمكن أن نواجه مشاكلنا بشجاعة وحسم ولا داعى لسياسات مسك العصا من المنتصف؟ إن أحد أسباب اللجوء لصندوق النقد الدولى مثلًا هو تقاعسنا وإهمالنا وعدم إحساسنا بالمسئولية وتواكلنا على الآخرين.
فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الوطن مطلوب أن تكون مع الرئيس السيسى قيادات فى كل مؤسسات الدولة على مستوى تحديات المرحلة التى نعيشها، وهناك ثلاث كلمات يمكن أن نعبر من خلالها عنق الزجاجة وهى تتلخص فى «الإدارة والعدالة والديمقراطية»، ولو درسنا تجارب الدول التى سبقتنا نجد أنها سلكت طريق الديمقراطية الحقيقية وليست الديكورية وأعلت من قيمة العدالة، وحققت ثورة إدارية قضت على البيروقراطية والفساد والتواكل ورسمت استراتيجية كان عمادها مشاركة كل مواطن فى تحمل عبء المسئولية بشرط أن يشعر بالعدل بحيث يتم توزيع الأعباء وفقًا للإمكانات وبلغة الاقتصاد حسب الدخل الحقيقى لكل مواطن وهو مقدار ما يحصل عليه من سلع!!
عندما ترتفع الأسعار يتحمل عبئها الفقير والغنى على السواء ولكن العدل هو أن يتحمل الغنى أكثر مما يتحمل الفقير، ونلاحظ أن الفقير يتحمل أحيانًا كثيرة عبئًا أكبر من الغنى، مثال راكب سيارة ١١٠٠ سى سى موديل السبعينيات يقف فى الطابور فى محطة البنزين وأمامه سيارة ٣٠٠٠ سى سى آخر موديل، وكلاهما يدفع نفس سعر لتر البنزين ٩٢!.
ويدخل الفقير أو مواطن متوسط الدخل ليشترى احتياجاته من السوبر والهايبر ماركت ويدفع نفس ما يدفعه الغنى مع الاختلاف فى كميات السلع المشتراة لكل منهما، الأول يشترى كميات محدودة والآخر يشترى كميات كبيرة، ويرد البعض قائلا من لا يملك نقودًا لا يلزمه الشراء لكننا نقول إنه «مجبر أخاك لا بطل» حتى يسد رمقه ورمق أسرته وكلنا خرجنا من الطبقة الوسطى ومع عصر الانفتاح وسياسة الباب المفتوح تراجعت إلى حيز الطبقة الفقيرة!
وكيف يمكن أن يفنى المواطن عمره فى عمله لنحو أربعين عامًا ويدفع تأمينات تؤمن له تقاعده ثم يخرج إلى المعاش ويتقاضى معاشًا تقاعديًا عشر ما كان يتقاضاه، فى حين يتقاضى آخرون فى المجتمع معاشات - وهذا حقهم - تصل إلى نحو ٨٠٪ من آخر دخل كانوا يحصلون عليه قبل المعاش، هل تعلمون أن الموظف المحال للمعاش على درجة وكيل وزارة كان يتقاضى راتبًا مضافًا له المتغير يصل إلى ١٠ آلاف جنيه، وفجأة لا يزيد معاشه علي ١٤٠٠ جنيه، والأمثلة كثيرة وتقود إلى حقيقة واحدة نحن نحتاج إلى تفعيل قيمة العدل بما يقرب الفوارق بين الطبقات وقد كان العدل على عهد النبى عليه الصلاة والسلام وخلفه من الخلفاء الراشدين القيمة العليا فى مجتمع المدينة.
ولاحظت أن كثيرين من القراء من خلال التفاعل مع مقالاتى عبر مواقع التواصل الاجتماعى يسيطر عليهم خطاب تشاؤمى، حيث يعتقدون أن العدل مفقود فى مجتمعنا وأنا أرى أن العدل الاجتماعى موجود لكنه يحتاج فقط تفعيلا ونتحمل بعضنا البعض، يكفى نظرة سريعة على الشارع المصرى نجد أن الجميع يقول «نفسى نفسى» ثم يطالب الجميع بتطبيق العدالة وهذه إشكالية تعكس تناقضا سلوكيا ما يؤدى إلى ضعف قيمة التكافل والتضامن وانعدام المسئولية الاجتماعية الأمر الذى يستوجب على المواطن أن يتحمل جزءًا من هذه المسئولية ويستوجب على الحكومة أن تراعى ميزان العدل الاجتماعى ولا تخشى فى قول الحق لومة لائم وللحديث بقية.