السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مبارك المُفتَرى عليه.. والمُفترِى علينا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نُوقشت الأحد الماضى بكلية الإعلام جامعة القاهرة، رسالة ماجستير مهمة للباحثة شاهندة عاطف عبدالسلام سرور بعنوان «التغطية الصحفية المصورة لمحاكمات نظاميْ مبارك ومرسى فى الصحافة المصرية: دراسة دلالية علاماتية فى الفترة من ٢٠١١ ـ ٢٠١٥». وكانت المناقشة فى حد ذاتها محاكمة عادلة لنظامين حكما مصر وأسقطهما الشعب المصرى جراء ثورتين عظيمتين هما ثورتا ٢٥ يناير و٣٠ يونيو.
قلت فى مستهل المناقشة إن الشعب المصرى قادر على الفعل وطامح إلى التغيير والإصلاح، ويسعى دومًا إلى الأفضل، وقلت إن الرئيس عبدالفتاح السيسى يعلم ذلك، ويدرك إيمان الشعب بضرورة التغيير والإصلاح، وأنه لو لم يتحقق له ذلك، فله أن يقوم بثورةٍ ثالثة ورابعة. ورغم إيمان الرئيس بـ «تثوير» عملية التغيير والإصلاح، إلا أننى قلتُ إن هذا الشعب أصبح أكثر وعيًا ونضجًا فى أفعاله وقراراته ورؤاه وتقييماته للموقف بعد ثورتيْن كبيرتيْن قام بهما خلال أقل من ثلاث سنوات. فالثورة ليست دائمًا هى الحل، بل قد تكون المنطلق والمرتكز الأساسى للتغيير والإصلاح، لذا ينبغى أن تُولى الدولة كلَ الاهتمام للمشروعات التنموية الكبرى، لكى تتحول مصر إلى دولة تنموية تستعيد ما فاتها من قدرات وإمكانات فاعلة فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكى تستعيد دورها المفقود فى الإقليم وعلى الخريطة العالمية.
قلتُ كذلك إن الرؤساء لا يأتون إلينا من كوكب الملائكة؛ فهم بشرٌ يُصيبون ويُخطئون، لهم إنجازاتُهم وانكساراتُهم، لهم إيجابياتُهم وسلبياتُهم، ولا يمكن أن يتفقَ الناسُ جميعًا عليهم مهما كانت حسناتُهم، ولم يكن حسنى مبارك استثناءً فى هذه السبيل. وبالتالي، فإن حذف الرجل من كتب التاريخ التى يدرسها أولادُنا فى مدارس وزارة التعليم ليس صحيحًا، لأن حذف الرجل من كتب التاريخ يعنى حذف ما يزيد علي ٣٠ سنة من تاريخ مصر، منذ بزوغ نَجْمِ الرجل فى حرب أكتوبر ١٩٧٣ الذى استعادت لمصر كرامتها وعزتها، وحتى أُفولِ نجمه بالثورة ضده.
وبعيدًا عن مبارك، قلت إن التاريخ لم ينسَ نيرون الذى قام بإحراق روما، ولا بروتس الذى أغمد خنجره فى أحشاء قائده يوليوس قيصر، ولا هتلر الذى أذاق العالم ويلات الحرب العالمية الثانية، قلت إن التاريخ ذكر الأنبياء والصالحين والأبطال وذكر أيضًا من خانوهم وتآمروا عليهم، ذكر نبى الله عيسى ولم ينس يهوذا الإسخريوطى الذى تآمر عليه وباعه للرومان ببضعِ قطعٍ من الفضة، ذكر شمشون ولم ينسَ كيْدَ دليلة ومغافلتها إياه وهو نائمٌ لتسلبه شَعره مصدرَ قُوتِه. التاريخُ فيه متسعٌ للجميع ولا ينس أحدًا، فاطمئنوا واهدأوا بالًا، وكفانًا تزييفًا للتاريخ وهى عادةٌ اكتسبناها منذ عهد أجدادنا الفراعنة الأقدمين. وهو ما دأبنا عليه فى عصرنا الحديث بحذف اسم محمد نجيب أول رئيس للجمهورية المصرية بعد ثورة ٢٣ يوليو، واليوم نحذف مبارك من التاريخ، رغم أن مبارك هو الذى رَدّ الاعتبار لمحمد نجيب وأعاد سيرته إلى كتب التاريخ، وسار فى جنازته، وأطلق اسمه على إحدى محطات المترو.
قد يستغربُ البعضُ كلامى هذا، وخاصة لحماسى الشديد لثورة يناير، والتى تنحى مبارك على إثرها، وفى فورة الحماس الثورى كان الشعب الثائر على مبارك يريد حذف أى أثر له، ومحو اسمه من على كل إنجازاته التى حققها خلال سنوات حكمه، ولكن هذا لم يكن عادلًا، فحذفُ اسم الرجل من على مجرد محطة مترو أنفاق كان هو من أرسى خطيه الأول والثاني، كان بضغطٍ شعبى وحماسة ثورية.
ولكن قد يتراءى للإنسان بعد فترة من الهدوء وانحسار فورة الحماس، أن مبارك قد يكون افترى علينا فى بعض الأشياء التى ثُرنا عليه من أجلها، وهو ما تسبب فى الوضعِ البائسِ الذى تحاول الدولة المصرية إصلاحه بجهدٍ قد يستمرُ لسنوات قادمة فى كلِ المجالات التى تم تجريفها على مدار ثلاثة عقود، ولكن الآن نحن من يفترى على مبارك ونتجاهل ما قدمه الرجل من تضحيات وإنجازات من أجل وطنه، ونحاولُ أن نمحوه من كتبِ التاريخ، ونحن لا ندرك أن هذا يعنى تزييف التاريخ، وإسقاط حوالى أربعة عقود من الذاكرة الوطنية.
قد يكون مبارك قد افترى علينا، ولكن نحن الآن من يفترى عليه.
تنويه مهم:
سقط سهوًا من سلسلة مقالات نشرتُها فى صحيفة «البوابة» وموقع «البوابة نيوز» بعنوان: «شبكاتُ التواصلِ الاجتماعى بين المأساةِ والملهاة» نُشرت فى الفترة من ٢٥ مارس إلى ١٥ أبريل الماضي، أن هذه السلسلة من المقالات منقولة نصًا من دراسةٍ لنا قُمنا بإعدادها ونشرها على صفحة «المركز العربى للبحوث والدراسات» على موقع «البوابة نيوز» بعنوان: «إشكاليات الرقابة: الضوابط الأخلاقية والتشريعية لشبكات التواصل الاجتماعى فى الدول العربية»، وقد نُشرت هذه الدراسة على ثلاثة أجزاء فى الفترة من ٢٣ يونيو إلى ٤ يوليو ٢٠١٥، وتضمنت الدراسة توثيقًا كاملًا بالمصادر والمراجع يتعذر إدراجه فى المقالات الصحفية. 
وعلى مَن يريد الاطلاع على الدراسة الموثقة سيجدها موجودة على صفحة المركز من خلال البحث باسم كاتبها أو البحث عن عنوانها.