فارق كبير بين مواد دستور ٢٠١٤ التى حاولت بشكل كبير إنصاف الفئات والشرائح الاجتماعية المهمشة، ومشروعات القوانين التى يناقشها مجلس النواب بشأن تلك الفئات.
المسيحيون وذوو الإعاقة، كانوا بمثابة الشمعة التى كشف نورها تلك الفجوة بين الدستور ومشاريع القوانين التى أعدت بترجمة مواده من التطبيق فى الحيز العملى.
ففى أسبوع واحد تم العصف بالدستور بانتهاك حقوق أصيلة للمواطنين المسيحيين وذوى الإعاقة، بتقديم الحكومة مشروع قانون بناء وترميم الكنائس محرفًا عن الصيغة التى تم التوافق عليها، كما أقرت لجنة التضامن الاجتماعى والأسرة وذوى الإعاقة إنشاء المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة كمجلس حكومى يرأسه رئيس الوزراء وبين أعضائه ١٢ وزيرًا بمخالفة صارخة للمادة ٢١٤ من الدستور التى نصت على استقلاله عن الحكومة، باشتراط حياد أعضائه وحقه كباقى المجالس القومية فى الرقابة عليها برفع الانتهاكات التى تقع فى مجال عمله إلى السلطات المختصة علاوة على استقلاله الفنى والمالى والإدارى.
فى مشروع بناء الكنائس اشترطت الحكومة أن يراجع المحافظ الأجهزة المعنية قبل منح رخصة البناء أو الترميم، وهو ما اعتبره المواطنون المسيحيون خديعة والتفافًا على المادة ٥٣ من الدستور التى تحظر التمييز على أساس الدين.
هنا تبدو الحكومة وكأنها تطل بعقلين أحدهما سلفى متأخون والآخر بيروقراطى فاسد لتجهض الدستور، ولتظل منكرة حق المهمشين فى المواطنة الكاملة.
والمفارقة أن دستور الإخوان ٢٠١٢ كان قد نص علي إصدار قانون ببناء دور العبادة الموحد، وحينها لم يعترض الأزهر الشريف على مسمى ذلك القانون، وكأن لسان حاله وقتها يقول إنه مطمئن إلى أن دولة الإخوان لن تكون جادة فى إصدار القانون على النحو الذى ينتصر لقيم المواطنة، لكنه اعترض على ذات النص أثناء إعداد دستور ٢٠١٤ وأصر على الاكتفاء بإصدار قانون يخص الكنائس دون المساجد، لنصبح بصدد تناقض صريح بين المادة ٢٣٥ التى تلزم مجلس النواب فى فصله التشريعى الأول بشأن إصدار قانون بناء وترميم الكنائس والمادة ٥٣ التى تحظر جميع أشكال التمييز.
وبطبيعة الحال انتصر العقل السلفى داخل الحكومة بمنهج المادة ٢٣٥ وليشوه مشروع قانون توافقت عليه الكنائس المصرية، حتى فى ظل ذلك التناقض الدستورى مع المادة ٥٣.
صحيح أن مشروع قانون حقوق الأشخاص من ذوى الإعاقة، قد تقدمت به الدكتورة هبة هجرس مع ٦٠ نائبًا آخرين ولم تقدمه الحكومة أو وزارة التضامن الاجتماعى، إلا أن أداء هجرس فى دفاعها عن تشكيل مجلس غير دستورى كان حكوميًا صرفًا وينتصر للبيروقراطية التى تخشى الرقابة على أدائها الفاسد، فالمستفيد الوحيد من إنشاء مجلس حكومى لذوى الإعاقة هى وزارة التضامن الاجتماعى التى أهدرت البيروقراطية فيها الإمكانات وربما الأموال المخصصة لخدمة ذوى الإعاقة وتحسين فرصهم فى الحياة، حتى أن الدكتور هبة هجرس رئيس رابطة ذوى الإعاقة بالبرلمان قد ادعت اختلاف طبيعة القومى للإعاقة عن غيره من المجالس القومية كالقومى لحقوق الإنسان والقومى للمرأة، وأن أحد المستشارين القانونيين قد أفتاها بعدم دستورية الدور الرقابى للمجلس رغم أن المادة ٢١٤ قد جعلت جميع المجالس القومية فى مركز قانونى واحد وبطبيعة واحدة.
اللافت أن النائب «الكفيف» خالد حنفى عضو اللجنة التشريعية والدستورية، قد أقر بعدم دستورية القانونين، وقال إن تخصيص قانون لبناء وترخيص الكنائس يشوبه عدم الدستورية لتناقضه مع المادة ٥٣، كما أقر بعدم دستورية قرار لجنة التضامن الاجتماعى بشأن تشكيل مجلس حكومى لذوى الإعاقة لمخالفته المادة ٢١٤. ومع ذلك دائمًا لا يزال هناك الوقت لتدارك خطايانا.
فبحسب المفكر المصرى كمال زاخر من حق رئيس الجمهورية أو خُمس أعضاء مجلس النواب تعديل مواد فى الدستور لتكريس قيم المواطنة وحمايتها، وهو ما يعني إمكانية تعديل المادة ٢٣٥ بأن تلزم مجلس النواب بإصدار قانون لبناء دور العبادة الموحد، وبوسع ذوى الإعاقة الضغط من أجل إنشاء مجلس يتوافق مع الدستور، ويقوم بدوره الرقابى على أداء الحكومة.