أطلقت الشركة الأمريكية «United Launch Alliance» يوم الجمعة الماضى ١٩ أغسطس الصاروخ الحامل «Delta IV» مع قمرين صناعيين من الميناء الفضائى بولاية فلوريدا.
وتم إطلاق الصاروخ «Delta IV» وعلى متنه قمران صناعيان للاستطلاع والتجسس، تلبية لاحتياجات القوات الجوية الأمريكية، وقد بدأ استخدام الأقمار الصناعية وفقًا للبرنامج العسكرى الأمريكى الجديد، «الوعى التزامنى بالأوضاع الفضائية» الذى أميطت عنه السرية فى عام ٢٠١٤ ويهدف هذا البرنامج إلى رصد الأجهزة الفضائية التى تتواجد فى المدار الأرضى الجغرافى رصدًا متزامنًا مع هذا التواجد. وسيمكن هذا البرنامج الولايات المتحدة الأمريكية من مراقبة ومتابعة الأقمار الصناعية للدول الأخرى.
لقد أخذت الإمبراطورية الأمريكية على عاتقها نشر «ديمقراطية السوق» على الأسلوب الأمريكى عبر العولمة، وشن الحروب المفتوحة، وقيادة حرب لا نهاية لها على الإرهاب، لقد أسست الولايات المتحدة الأمريكية لإمبراطورية القواعد العسكرية حول العالم.
لقد بلغ متوسط الإنفاق الحقيقى على إمبراطورية القواعد العسكرية الأمريكية خلال الفترة من ١٩٥٥ إلى عام ٢٠٠٠ نحو ٢٨١ بليون دولار أمريكى فى السنة بمعيار عام ٢٠٠٢، وحتى سنوات إدارة كلينتون بعد انهيار الاتحاد السوفيتى بلغ متوسط الإنفاق الدفاعى ٢٧٨ بليون دولار وهو نفس معدل الحرب الباردة تقريبًا.
ويتمثل أحد مظاهر النزعة العسكرية غير العادية فى القرن الحادى والعشرين فى أن الولايات المتحدة لديها خطط محكمة للهيمنة على العالم لا بمجرد استخدام آلة عسكرية ضخمة على هذا الكوكب، بل من خلال السيطرة على الفضاء. ونجد أول ملمح لهذه التطلعات فى القصف الجوى ضد صربيا عام ١٩٩٩. وبعد أقل من شهر من هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ نشبت الحرب التالية ذات الإمكانيات الفضائية، إذ بدأ الأمريكيون من ارتفاعات شاهقة ضد أفغانستان، وقتلت آلة الحرب الأمريكية أعدادًا هائلة من المدنيين الأفغان يماثل على الأقل أولئك الذين قتلتهم الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمى والبنتاجون.
وحتى قبل أحداث سبتمبر ٢٠٠١ بدأت مجموعة من «مفكرى الدفاع» فى الجناح اليمينى فى الدعوة إلى استراتيجية جديدة للهيمنة الكونية. ويتعلق الإصرار على عسكرة الفضاء الخارجى والهيمنة على الكون، بوضع محطات قتالية فى مدار حول الأرض وتسليحها بأنساق من الأسلحة تتضمن أشعة ليزر ذات طاقة عالية، يمكن توجيهها نحو أى هدف على الأرض أو ضد أقمار اصطناعية تابعة لدول أخرى. ويتعلل بيان سياسة قيادة الفضاء المسمى رؤية ٢٠٢٠، بأن عولمة الاقتصاد الدولى سوف تستمر مع اتساع الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون، ولذلك فإن مهمة البنتاجون هى السيطرة على الأبعاد الفضائية للعمليات العسكرية لحماية مصالح الولايات المتحدة واستثماراتها، فى عالم مناهض لأمريكا. ويجب أن تكون أهداف السياسة الحاسمة هي حرمان الدول الأخرى من الوصول إلى الفضاء.
فلا يوجد هدف واحد يبرر نشر أكثر من ٧٢٥ قاعدة عسكرية أمريكية فى أنحاء العالم، ولكن إدمان الإمبراطورية الأمريكية للاستطلاع يوضح بالتأكيد أين يقع بعضها. ولماذا تحاط بالسرية التامة. وهناك أمر آخر يوضح وجود بعض القواعد، وهو المستوى المذهل لاعتماد أمريكا على مصادر النفط الأجنبية الذى يتصاعد كل عام. والهدف من وجود كثير من الحاميات فى الدول الأجنبية، هو الدفاع عن عقود النفط ضد المنافسين، أو توفير الحماية لخطوط الأنابيب، رغم أن تلك الحاميات تدعى دائمًا أنها تفعل شيئًا لا يمت إلى ذلك بأية صلة مثل شن «الحرب على الإرهاب»، أو «مكافحة المخدرات» أو الانشغال بشكل من أشكال التدخل الإنسانى، وبطبيعة الحال يعتبر البحث عن الموارد النادرة هو بؤرة الاهتمام التقليدية للسياسة الخارجية للإمبراطورية الأمريكية من أجل الهيمنة على العالم.
لقد بدأت الإمبراطورية الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة شن حروب متصاعدة كانت أهدافها الرسمية المعلنة تتسم أكثر فأكثر بالخداع وعدم الإقناع، وكانت على استعداد دائم لإشعال فتيل الحرب خارج إطار القانون الدولى فى مواجهة معارضة شعبية فى جميع أنحاء العالم، فبعد حرب أفغانستان والعراق تملكت الإمبراطورية الأمريكية أربع عشرة قاعدة جديدة فى أوروبا الشرقية والعراق والخليج العربى وباكستان، من أجل تحقيق أهداف الاستراتيجية الأمريكية فى إخضاع منطقة الشرق الأوسط بأسرها للسيطرة السياسية الأمريكية، وهى لم تفعل كل تلك الجرائم بحق الشعوب من أجل محاربة الإرهاب أو تحرير العراق، أو إطلاق فحوى نظرية الدومينو من أجل الديمقراطية المزيفة فى منطقة الشرق الأوسط، بل من أجل السيطرة على بترول العرب، وإسرائيل، والسياسات الداخلية الأمريكية، وإنجاز ما يعتقده العقل الأمريكى من قدرة الذى يفهمه ذاتيًا على أنه إمبراطورية روما الجديدة.