قبل أشهر كان هناك حديث عن أن الرئيس باراك أوباما، فى الأشهر الأخيرة له فى البيت الأبيض، سيضمّن خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة كلامًا عن عملية السلام فى الشرق الأوسط، وقيام دولة فلسطينية مستقلة. هذا الحديث تراجع الآن وحلّ محله تلميح إلى إلغاء مبدأ استعمال الولايات المتحدة السلاح النووى قبل غيرها فى أى مواجهة عسكرية كبرى حول العالم.
الرئيس أوباما يريد أن يصبح موقفه من السلاح النووى جزءًا من إرثه السياسى، إلا أن دولًا حليفة للولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ من تغيير سياسة أمريكية عمرها عقود وعقود، ويبدو أن اتصالات سرية جرت فقد أعربت بريطانيا وفرنسا واليابان وكوريا الجنوبية عن تخوفها من أن يشجع الموقف الأمريكى الجديد دولًا تمارس سياسات عدوانية معلنة على تنفيذ هذه السياسات.
كوريا الشمالية لها قدرة نووية، وتجرب بين حين وآخر صواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل سلاح نووى، وهى قادرة على إيقاع أذى بالغ بمحيطها، خصوصًا بكوريا الجنوبية واليابان. الموقف الأمريكى المعلن عن استعمال السلاح النووى فى مواجهة قبل أى طرف آخر كان موقف ردع وتحذير، وإلغاؤه سيشجع على العدوان فى رأى حلفاء الولايات المتحدة.
الرئيس أوباما يريد إلغاء الالتزام الأمريكى باستعمال السلاح النووى كجزء من قرارات عدة تدعم برنامج الحدّ من انتشار السلاح النووى حول العالم الذى دعمته إدارة أوباما بقوة فى السنوات السبع الأخيرة.
فى الأصل كان قرار استعمال السلاح النووى أولًا، أو قبل أى طرف آخر، هدفه مواجهة غزو الاتحاد السوفيتى أوروبا، وتقليص احتمالات عدوان صينى أو كورى شمالى. إلا أن الوضع يختلف كثيرًا الآن عنه فى السابق، فالاتحاد السوفيتى سقط، والصين تمارس التجارة حول العالم وهى ناجحة جدًا فى عملها هذا، وكوريا الشمالية أقل أهمية من أن تبرر سياسة أمريكية ظاهرها الدفاع عن الغرب وباطنها عدوانى.
معارضو هذه السياسة يقولون إن حلفاء الولايات المتحدة فى خطر كبير بسببها، لأنها تشجع أعمالًا انتقامية على مجال واسع، فتستعمل دول ومنظمات إرهابية أسلحة كيماوية وبيولوجية ضد دول حليفة، ولعل كوريا الجنوبية واليابان أول مَنْ سيدفع ثمن مواجهة بالسلاح النووى.
أيضًا المعارضون يقولون إن الرئيس أوباما قادر على بدء سحب ٥٥٠ سلاحًا نوويًا وخفض مخزون يضم حوالى ألف رأس نووى استراتيجى. بعض هذه الأسلحة فى أوروبا وسحبها يقلل الخطر على الحلفاء من رد فعل بسلاح مماثل أو سلاح كيماوى، ويوفر على الولايات المتحدة أكثر من مئة مليون دولار فى السنوات المقبلة.
كنت كمواطن عربى، آمل بأن يضم خطاب الرئيس الأمريكى الأسود فى الأمم المتحدة إشارة إلى الدولة الفلسطينية المرجوّة، إلا أن ما قرأته فى الأيام الأخيرة لا يشير إلى شيء من هذا، بل إلى رغبة الرئيس فى بناء إرث «ممكن» بدلًا من خوض مواجهة مع إسرائيل والكونجرس يؤيد سياستها الإرهابية.
الرئيس أوباما أنجز كثيرًا فى السنوات الأخيرة واستغل قدرته الرئاسية واستعمل القرارات الرئاسية ٥٦٠ مرة حتى الآن، لتنفيذ مشاريع عارضها الكونجرس، ولكن فشل فى جمع غالبية كافية لنقضها. الرئيس أوباما استعمل القرارات هذه لإطلاق برنامج الرعاية الصحية وبرنامج الحوافز الاقتصادية بمبلغ ٨٠٠ بليون دولار لتنشيط الاقتصاد الأمريكى بعد أن تركته إدارة جورج بوش الابن يعانى بسبب حروب عدوانية على بلدان عربية ومسلمة استدانت من الصين وغيرها لتمويلها.
إرث باراك أوباما يفترض أن يكون جيدًا، إلا أن ما سيكتب عنه بعد رحيله سيكون مختلطًا لأن إسرائيل وأنصارها لن تغفر له موقفه من بنيامين نتنياهو وحكومته الإرهابية. أرى هذا الموقف مجرد كلام خلا من أى إيجابية تفيد الضحية، أى أهل فلسطين.
نقلًا عن الحياة اللندنية