عالج «تشيكوف» أكبر مشكلة تسبب للإنسان التعاسة والارتباك بل الدمار أحيانًا، وهى شعوره بالتفاهة واللا جدوى واللا فائدة، الذى يحول كل شىء حوله إلى قبح لا يحتمل.
استطاع أن يصنع من الفقر «فى كل شىء» غنى «فى كل شىء» بعد أن استوعب تجربة الحياة كاملة، وأدرك روعتها، بدلاً من الصدام الأعمى والعنيف معها، وفقدان التوازن أمام عقباتها وأزماتها، وكانت هذه هى البداية الحقيقية.
لم يسمح لأحد أن يسلب منه وقتًا، أو شعورًا جميلاً، أو فكرة لها طعم، ولم يجامل نفسه، أو يخدعها، أو يكذب عليها، بل واجهها وانتقدها دومًا، ولم يترك أى ركن فى حياته يصدأ أو يتعفن، بل كان يكنس نفسه، ويغسلها، وينظفها، ويرتبها فى كل لحظة، ويضع خطا أحمر تحت أى تصرف أو فكرة أو شعور خال من المعنى.
أدهشتنى عبقرية كلماته، التى تلاقــت بعمق مع فكرة فيلم تحفيزى صادم، شاهدته مؤخرًا، وكتابًا يحمل عنوان «The top five regrets of the dying» أو «خمسة أشياء ندمت عليها قبل الرحيل»، والذى تُرجِم إلى ٢٧ لغة.
كشف الكتاب عن خمسة أشياء ندم عليها العديد من كبار السن قبل وفاتهم وهى؛ عدم الشجاعة أن يعيش كل منهم حياته الحقيقية، لا التى يتوقعها منه الآخرون، والانغماس فى «طاحونة» العمل «الروتينى» فى مقابل خسارته لعلاقات إنسانية وأشياء أهم وأجمل، وكبت مشاعره وعدم التعبير عنها بوضوح، وفقدان التواصل مع أصدقائه، خاصةً القدامى، وأخيرًا تمسكه بالقديم فى كل شىء، وخوفه من التغيير.
فكرة الفيلم الرئيسية «ليس الموت هو ما يخشاه الإنسان، بل ما يخشاه هو أن يصل إلى نهاية عمره دون أن يعيش حياة حقيقية».
يبدأ بدراسة أجرتها مستشفى فى «أستراليا» على مائة شخص مسن، يعيشون أيامهم الأخيرة، وجهت لكل منهم هذا السؤال: ما هو أكثر شىء ندمت عليه فى حياتك؟! وكانت الإجابة واحدة: «لم أندم على شىء فعلته، بل على الأشياء التى لم أفعلها، والمخاطر التى لم أخضها، والأحلام التى لم أسع إليها».
ويتساءل: هل تود أن تكون كلمتك الأخيرة، أم ستظل تكرر عبارة: لو فقط كنت فعلت! هل سألت نفسك: لماذا أنت موجود؟! هل تدرك أن الحياة ليست عملا فحسب؟!
ويؤكد أن «مارتن لوثر كينج» لم يمتلك يومًا حلمًا، بل الحلم هو الذى امتلكه، فالناس لا تختار الأحلام، بل الأحلام هى التى تختارهم.
السؤال الأهم: هل تمتلك شجاعة انتزاع الحلم الذى اختارك؟! هل ستتركه ينال منك، وتستفيد من التجربة، وتكتشف روعتها، أم ستتصدى له؟!
قال «طيار» ذات مرة: يتحدث المسافرون دومًا عن خطورة الطائرة خلال الطيران، ولا يتبادر إلى أذهانهم أن الطائرة تعد أكثر خطورة إذا ظلت على الأرض؛ لأنها ستصدأ وتتعطل وتُنْهَك، أما إذا ظلت فى السماء ستكون أسرع من أى وقت مضى.
يحرض الفيلم على التفكير الواعى، ومحاولة الفهم، واقتحام الحياة دون خوف، كطوق النجاة الوحيد القادر على استرداد سلطات نفسك المفقودة، بهذه الرسائل الآسرة والنافذة:
الخسارة الكبرى هى أن تعيش حياتك على الأرض دون أن تُقْلِع أبدًا! فلم تُصنع الطائرات إلا لتعيش فى السماء، ولم تُخلق أنت أيضًا إلا لتعيش الحلم الذى يسكنك.
تخاف عادةً من السارق الذى يسلب كل ما تملك، وتترك السارق الأخطر «الشك» أو «عدم الثقة»! الذى يقطن عقلك، ويلاحق أحلامك، ويرتكب جرائم قتلك أو يخترقك كفيروس مميت كل يوم، وهو يرتدى مختلف الأقنعة، دون مقاومة منك».. «تردد دومًا كلمة نوعًا ما، فأنت تود تغيير وظيفتك «نوعًا ما»، أو تحصل على أعلى درجة «نوعًا ما»، أو تحرز الأفضل «نوعًا ما»، فما دمت تريد أى شىء «نوعًا ما»، ستحظى بنفس النتيجة «المهزوزة» التى تريدها.
المكسب الحقيقى هو أن تعرف ما هو حلمك ؟! ما الذى سيشعل الشرارة؟! ما هو الاختراع المدفون داخل عقلك؟ ما هى الفكرة أو العلاج أو الإبداع المعتقل، الذى يحتاج إلى تحرير.
أثناء رحلتك ستعانى كثيرًا، وتكتئب، وتتعثر، وتسقط عدة مرات؛ لكن لا أحد يصل إلى قمة الجبل دون أن يعبر كل نتوءاته الحادة ومنحنياته المتعقدة.
«النضال ونقد الذات» هما شرطان أساسيان فى قانون الطبيعة، الذى لا يستطيع أحد الفرار منه؛ لأن الألم هو الحياة، لكن أى نوع من الألم تختار، ألم فى طريق النجاح، أم ألم يصطادك، ويتركك نادمًا؟! فإذا أردت تحقيق حلمك، اسعى إليه بكل ما فيك، ولا تتوقف أبدًا.
إن «الحياة» هدية، فلا تفرط فيها، وأنت معجزة تولد من جديد مع كل لحظة، فلا تنتظر، وامتلكها الآن، وتلقَّى الطلقة قبل انتهاء الوقت، فلا يوجد ساعات عمل إضافية.
يملك كل منا الموهبة، فإذا لم يكتشفها، فهو لا يبيع نفسه فقط، بل العالم بأسره! فإذا كان من المستحيل العودة إلى نقطة البداية مرة أخرى، فإنه من الممكن القفز إلى القمة كل لحظة، وكتابة نهاية جديدة، لأن الأحلام دومًا لها أجنحة.