السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

اتقوا الله في هذا الشعب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس سرًا أن الصراخ المكتوم فى نفوسنا تجاوزت قسوته حدود فضائل صبرنا على المكاره، كما أن الاستمرار فى تجرع مرارات أوجاعنا المزمنة بدون ضجر، لن يغفر لنا خطيئة الصمت على تحمل بقاء حكومة مترهلة، كسيحة، أدمنت الفشل وتعايشت معه إلى حد الرضا عنه، والتباهى به، فهى من فرط التبلد، لم تدرك حجم المسئوليات الملقاه على عاتقها، أو طبيعة الظرف التاريخى الذى تولت فيه تلك المسئوليات، والأهم من هذا وذاك أنها لم تستطع ترجمة طموحات القيادة السياسية بتحويل الأفكار النظرية إلى برامج، والخطط إلى مشروعات تنموية تراعى فيها البعد الاجتماعى جنبا إلى جنب مع تفعيل سياسات الإصلاح الاقتصادى، كما أن هذه الحكومة لم تدرك حجم تداعيات «تخاريف» الوزراء بها، التى أيقظت الغضب من غفوته فتنامى فى أوساط البسطاء بصورة تبعث على الخوف وتنذر بالخطر.
تخاريف حكومتنا الميمونة تبلورت فى حزمة من القرارات والتشريعات التى من شأنها توسيع الفجوة بين شرائح المجتمع، فضلا عن الإصرار على دهس عشرات الملايين من المصريين تحت عجلات الفقر والتجويع، تركتهم فريسة للانفلات غير المسبوق، فى أسعار الخدمات الضرورية «كهرباء، غاز، مياه الشرب»، فلو أن لديها حسا سياسيا، أو دراية بكيفية التعامل مع متطلبات الطبقات الأكثر احتياجا للرعاية ما اتخذت قراراتها الجائرة بصورة لا تتسق مع انخفاض الأجور.. «أؤكد مرة أخرى انخفاض الأجور وليس ثباتها» وتدنى مستوى الدخل فى أوساط قطاعات واسعة فى المجتمع.
رغم أنها وراء النفخ فى إشعال الأزمات وتوسيع دوائر الغضب ضد سياساتها العشوائية، إلا أنها تصر على التحريض ضدها والمطالبة بإقالتها سياسيا وقضائيا على كل تصرفاتها وأساليب التضليل التى مارستها علنا، فضلا عن ضرورة محاسبتها على التصريحات البراقة فى وسائل الإعلام حول الاهتمام بالشرائح الاجتماعية محدودة الدخل، فهى تطلق التصريحات فى المؤتمرات وأمام الكاميرات نهارا، وتنصرف لتشرب نخب كوارثها وعجزها فى المكاتب المكيفة أو فى أجنحة الإقامة بالفنادق الفخمة على حساب الشعب المطحون حتى النخاع.
كنا نظن وليس كل الظن إثم، أنها ستكون عونا وسندا للرئيس فى النهوض الاقتصادى وترسيخ مبدأ العدل، إلا أنها أصبحت عبئا عليه وعلينا فى آن واحد، الأمر الذى يفتح باب التكهن حول صمت البرلمان المعنى بالموافقة على بقاء هذه الحكومة أو إقالتها، خاصة إذا علمنا أنها قامت بتضليل النواب فى جلسات علنية فى كل ما يتعلق بالأوضاع الاجتماعية. 
كما أن مساحة التكهن تزايدت جراء ضجيج وصخب بعض النواب المهووسين بالظهور فى الفضائيات فصاروا جزءا من النخبة الشائعة، التى سقطت طوعا فى مستنقع فقدان البصر والبصيرة، أغمضوا أعينهم عن الواقع وانضموا إلى جوقة «المطبلاتية» من الإعلاميين وفصيلة «الخوابير» الذين يمارسون الإفتاء فى كل شىء ولا يشعرون بمعاناة البشر، فصاروا ملكيين أكثر من الملك ذاته، تراهم يولولون مثل ندابات المآتم فى وصلات ردح ضد كل من ينتقد السياسات الخاطئة وكأنهم احتكروا الوطنية دون سواهم، يروجون بدون دراية لكل ما يصدر من قرارات حكومية باعتبارها مفتاح الفرج وكأنهم متحدثون رسميا عنها، فلم يعد خافيا على أحد أن بعض الإعلاميين صاروا منفرين ويثيرون اشمئزاز من يشاهدهم ولو على سبيل المرور العابر على برامجهم، هؤلاء يقفون ببجاحة وسماجة فى الموقف المعادى لحالة الغضب المتراكمة فى النفوس جراء عجز الحكومة عن التصدى لحالة الفوضى التى تجتاح المجتمع بدون ضابط أو رابط.
الرئيس نفسه يتعامل مع كل القرارات السياسية الاقتصادية المرتبطة بالأوضاع الاجتماعية فى إطار من الشفافية والصراحة المسئولة، فهو يتحدث عن الأزمات بشكل واقعى موضوعى بهدف تهيئة الرأى العام للتفاعل مع ما هو قادم، تاركا المجال أمام الحكومة للإبداع وخلق الأفكار لتلافى المخاطر الناتجة عن الإصلاح، إلا أنه فى وادٍ آخر غير الذى نعيش فيه، كما لا يغيب عن الأذهان أن المطبلاتية يتعاملون مع سياسات الحكومة وكأنها وحى نزل من السماء لا يجوز التألم منها. 
جانب آخر لا بد من التأكيد عليه أن هذه الحكومة تسير عكس طموحات الرئيس التى يشاطره فيها الشعب، فرغم التباهى بتعدد وتنوع الجهات الرقابية، إلا أن كثيرين يعملون فى بعض تلك الجهات فى حاجة إلى مراقبتهم وتحر خطواتهم التى ترسخ للفساد داخل الجهات التى يراقبونها، فلو أن هناك رقابة حقيقية وفاعلة، لأجريت تحقيقات علنية حول حقيقة تسلل بعض المحظوظين، أؤكد مرة أخرى «تسلل بعض المحظوظين» إلى الوظائف فى مصالح تحصيل الرسوم السيادية، فهذا ابن فلان وهذه زوجة فلان الفلانى، وتلك ابنة علان العلانى، هؤلاء جرى تعيينهم وفق المعلومات المتداولة داخل المصالح التابعة لوزارة المالية، فى الوقت الذى تصرخ فيه الحكومة من تضخم الجهاز الإدارى يتم التغاضى عن تعيين البعض تنفيذا لقانون الكبار، لو أن هناك رقابة حقيقية من الجهات المسئولة عن الرقابة ما جرى هذا العبث، ولو أن هناك حكومة تعى مسئولياتها ما رضخت لنفوز البعض بالموافقة على تعيين زويهم، ألم يكن من حقنا المطالبة برحيل تلك الحكومة، ولو أن هناك حكومة تعى مسئولياتها لفعلت الدور الرقابى لضبط الشارع ومنع الجشع للحد من ارتفاع الأسعار بدون مبرر حتى أصبح المواطن بين شقى رحى أباطرة البيزنس والحكومة.
حتى هذه اللحظة لا يوجد فى مصر سواء مواطن عادى أو «خابور» مهووس بالإفتاء فيما يعرف وفيما لايعرف، لديه القدرة على فهم الأسباب الحقيقية وراء إصرار أشرف العربى، وزير التخطيط، على إصدار قانون الخدمة المدنية وكأنه جاء خصيصا لتنفيذ هذا القانون الرامى بالأساس لدهس الفئات التى تستحق الشفقة، فهذا القانون جائر بـ«التلاتة» ولا يستهدف سوى سحق البسطاء من العاملين فى الجهاز الإدارى للدولة، على عكس ما تروج له الحكومة، فإذا كان هدفه الإصلاح الحقيقى لماذا لم يقترب من ٢٥ فئة أخرى تعمل بوظائف مختلفة ويتقاضون رواتب لا تتسق مع أى أحاديث حول الإصلاح الحقيقى؟، فهناك وزارات يتقاضى العاملون بها ٣٦ شهرا مكافآت فى السنة تحت لافتة أرباح رغم أنها وزارات خاسرة، فلماذا الأرباح إذًا؟، هذا إلى جانب الحوافز التى تفوق التصور، ناهيك عن عوائد المشاركة فى عشرات اللجان الوهمية وخلافه من المسميات لمجاملة المحظوظين، وإذا انتقلنا لزيادة فواتير الكهرباء، يقفز إلى الأذهان سؤال جوهرى.. كم قيمة الحوافز التى سيحصل عليها العاملون بالكهرباء على اختلاف درجاتهم الوظيفية من الوزير إلى الكشاف والمحصل ثم بقية العاملين فى كل التخصصات، جراء الزيادة فى نسبة التحصيل من الفواتير العشوائية. وهنا لا أذيع سرا، تراكم الفواتير بدعوى عدم وجود عدد كاف من الكشافين والمحصلين، الهدف منه تعلية سقف شرائح الاستهلاك على الفواتير.. وأخيرا نقول.. اتقوا الله فى هذا الشعب.